كان لقائي الأول مع كاي في خريف العام 1983، فعرفتها آنذاك كإنسانة خلوقة، طيبة المعشر، ذكية وسريعة البديهة، وصاحبة روح مرحة، وقبل كل ذلك شاهدتها أماً حنونة ومربية جيدة مع إبنتها ميشال التي كانت في سن المراهقة حينها.
ثم في صيف العام 1984، التقينا مجدداً في معاناة السعي لإصدار صحيفة «صدى الوطن» أسبوعياً باللغتين العربية والإنكليزية. وأقول «معاناة» ليس فقط بسبب غياب أي تمويل آنذاك للصحيفة غير ما كان يملكه الناشر أسامة السبلاني من مال محدود، بل السبب الأهم هو أن إصدار الصحيفة أسبوعياً أعتمد على ثلاثة أشخاص فقط: أسامة الذي كان يمّول الصحيفة ويتولّى شؤونها الإدارية دون خبرة سابقة في العمل الصحفي، وكاي التي كانت تعمل في إحدى المستشفيات، وأيضاً بدون ممارسة صحفية سابقة، وأنا الصحافي القادم حديثاً لأميركا بدون خبرة في شؤونها وقوانينها، وبدون إتقان للغة الإنكليزية حديثاً، ولا أي ممارسة لها كتابةً. وكان على هذا المثلث «المعطوب» في كل زاوية من زواياه أن يصدر أول صحيفة عربية أسبوعية في أميركا، باللغتين العربية والإنكليزية. وقد حصل ذلك فعلاً وكان لكاي السبلاني مساهمة كبرى في نجاح الحلم وإستمراره حتى الآن. كانت كاي صبورة على «المعاناة» في ظروف التأسيس واضطرت الى ترك عملها في المستشفى والتفرغ للصحيفة رغم صعوبة الأوضاع المالية حينها. كانت كاي صبورة أيضاً في «حواراتنا» باللغة الإنكليزية (التي لم أكن قد درستها سابقاً) بينما كان عليّ أن أساعدها في إدراك بعض المسائل المتعلقة بكيفية إعداد الأخبار والأمور الفنية للصحيفة. ولم تمضِ أسابيع قليلة حتى كانت كاي أشبه بشخص محترف لمهنة التحرير لأعوام طويلة.
وفي نهاية العام 1985 عدت إلى بيروت ولم أتواصل بعدها مع كاي ولكن كنت أتابع عملها في القسم الإنكليزي من الصحيفة: The Arab American News إلى حين جمعتنا الصدف في واشنطن منذ سنوات قليلة في مؤتمر «اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز»، وكان سرورنا متبادلا بهذا اللقاء بعد سنوات طويلة، حيث علمت منها عن صراعها مع المرض. وما لفت انتباهي في ذاك الوقت أن كاي كانت قد تحجبت مما جعلني أقدّر أكثر ما كانت عليه هذه المرأة من ارتباط فكري ونفسي وعملي مع العرب وثقافتهم وهمومهم، وبأنها بقيت، رغم الصراع مع المرض، ورغم هموم «العروبة والإسلام» في أميركا، وفيّة لما اختارته لنفسها من «هوية» يتخلّى عنها البعض من العرب الآن. فرحمة الله على نفس كاي السبلاني، فقيدة الصحافة العربية في أميركا، والتي سيفتقدها حتماً كل من عرفها وعرف عملها وقلمها في خدمة القضايا العربية.
Leave a Reply