واشنطن – بعد شدّ حبال طويل، أقرّ الكونغرس الأميركي، مع بداية العام ٢٠١٣ القانون الذي جنّب الولايات المتحدة تدابير تقشف صارمة عرفت باسم «الهاوية المالية»، فحقق الرئيس باراك اوباما انتصاره، بفرض ضريبة أعلى على الميسورين، لكنه أجّل ملفات أخرى شائكة لبضعة اسابيع.
ووقّع أوباما القانون المتضمن التسوية حول الميزانية، التي تسمح بتأجيل السقوط في «الهاوية المالية» وهو ما انعكس إيجاباً على الأسواق الأميركية والعالمية، لكن صندوق النقد الدولي اعتبر أن هذا القانون غير كاف، رغم ترحيبه بإجراءات الكونغرس، داعيا الى تطبيق سريع «لخطة متكاملة» لتنقية المالية العامة .
وذكر البيت الابيض، ان أوباما وقع قانون تفادي «الهاوية المالية» الذي يزيد الضرائب على الاميركيين الاكثر ثراء ويمدد سريان تخفيضات ضريبية للطبقة المتوسطة.
وقال الرئيس أوباما عقب إقرار الكونغرس للقانون إن المشروع «مجرد خطوة في مسعى أكبر لتعزيز الاقتصاد»، وإنه «يجعل النظام الضريبي أكثر عدالة»، وأضاف أنه مستعد لحلول وسط بشأن مشاكل الميزانية، وتعهد أوباما بتفادي تكرار معركة مثيرة للانقسام مع الكونغرس بشأن زيادة سقف الاستدانة للحكومة الفدرالية.
اتفاق الحد الأدنى بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأميركي على الميزانية لم يحل جميع المشاكل العالقة بقدر ما يسمح بتفادي اتخاذ تدابير تقشفية إضافية والانزلاق في الانكماش الاقتصادي. فالمسائل الجوهرية في مجال الضرائب وتقليص اللامساواة وتدهور أوضاع الطبقات ذات الدخول الضعيفة والمتوسطة أُجِّلتْ إلى جولات تفاوضية آخرى خلال الأسابيع المقبلة.
وقد صوت مجلس النواب الأميركي في وقت متأخر من ليل الثلاثاء الماضي على مشروع قانون يرجئ سريان زيادات ضريبية شاملة لكل الأميركيين، وتخفيضات كبيرة في الإنفاق كانتا تهددان بدفع الاقتصاد الأميركي نحو الركود، حيث أيد المشروع 257 نائبا مقابل اعتراض 167 آخرين، وهي نسبة تأييد أقل مقارنة بمجلس الشيوخ الذي أقر المشروع بنسبة تأييد ساحقة تجلت في تأييد 89 عضوا مقابل اعتراض ثمانية أعضاء فقط.
وفي حين يمثل الاتفاق إنقاذا للاقتصادين الأميركي والعالمي من التداعيات الخطيرة للهاوية المالية إلا أنه مجرد تأجيل للمشكلة، حيث إنه أجل -لمدة شهرين- سريان خفض الإنفاق بنسبة 10 بالمئة في ظل بلوغ وزارة الخزينة السقف القانوني للاستدانة في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي وهو 16,4 تريليون دولار.
ويسمح الاتفاق المصادق عليه بانتهاء سريان التخفيضات الضريبية التي أقرت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش للأفراد الذين يفوق دخلهم السنوي 400 ألف دولار والأسر التي يزيد دخلها عن 450 ألفا، ويسمح الاتفاق باستمرار إعانة البطالة الطارئة التي يستفيد منها حوالي مليونا أميركي وكانت قد شارفت على الانتهاء. كما يؤجل أيضا خفض النفقات العامة بنسبة 10 بالمئة ويتضمن ذلك البرامج الاجتماعية والدفاعية لمدة شهرين.
كما يبقي الاتفاق على نسبة ضريبة الدخل التي تدفعها الطبقة المتوسطة دون تغيير، فضلا عن تأجيل تنفيذ تخفيضات تلقائية في الإنفاق العسكري وغير العسكري بقيمة 24 مليار دولار بنحو شهرين، مما يعني إتاحة المزيد من الوقت للبيت الأبيض وزعماء الكونغرس للدخول في مفاوضات أخرى لبحث موضوع خفض الإنفاق، لا سيما على برامج الرعاية الصحية.
وأشار مكتب الميزانية التابع للكونغرس إلى أن الاتفاق سيضيف نحو أربعة تريليونات دولار لعجز الميزانية الفدرالية على مدى 10 سنوات، وذلك لأنه يمدد العمل بنسب ضرائب متدنية لأغلب الأميركيين.
وقال البيت الأبيض إن الاتفاق الأخير يعطي الأمان والطمأنينة لحوالي 114 مليون أميركي، حيث كانت التقديرات تشير إلى أن الأسرة الأميركية المكونة من أربعة أفراد كانت ستدفع 2200 دولار ضرائب إضافية سنويا إذا لم يبرم الاتفاق، في حين أعرب نواب جمهوريون عن خيبة أملهم من تأجيل سريان تخفيضات في الإنفاق، وقالوا إن الجدل والغموض الذي يحيط بالإنفاق الحكومي سيستمر.
ومن جهتها، قالت وزارة الخزانة انها وصلت الى السقف القانوني للاقتراض يوم الاثنين الماضي لكنها بدأت تنفيذ اجراءات جديدة لمنع البلاد من العجز عن سداد ديونها.
وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي غيري رايس، في بيان، «نرحب بالاجراءات التي اتخذها الكونغرس للحؤول دون زيادة الضرائب وتخفيض النفقات العامة بشكل كبير»، موضحا أن «عدم تحرك الكونغرس كان سيطيح بالتحسن الاقتصادي» في البلاد، مؤكدا أن «الامر ما زال يتطلب المزيد لاعادة وضع المالية العامة الأميركية على مسار مستدام من دون الاساءة الى التحسن الاقتصادي الهش».
وأكد رايس أنه «ينبغي خصوصا تبني خطة متكاملة بأسرع وقت، وتسمح، في الوقت ذاته، بضمان زيادة موارد الدولة والتحكم بزيادة نفقات الضمان الاجتماعي على المدى المتوسط».
من جهة ثانية، أعلنت وكالتا التصنيف الائتماني الأميركيتان «ستاندارد اند بورز» و«موديز» أن الاتفاق حول الميزانية الأميركية، بعيد عن حل مسألة الدين الاميركي العام الذي لا يمكن أن يستمر على حاله لأمد الطويل.
وذكرت «موديز» ان التسوية التي توصل اليها الجمهوريون والديمقراطيون «لا تقدم اساسا لتحسن جدي في معدلات دين الدولة على الأمد المتوسط وبعد ذلك»، بينما أعلنت «ستاندارد اند بورز» ان «الاتفاق لا يؤثر كثيرا في مسألة وضع المالية العامة الأميركية على مسار أكثر قابلية للاستمرار على الأمد المتوسط».
ورأت «موديز» انه من الضروري اتخاذ اجراءات اخرى لخفض العجز، مؤكدة ان هذه الاجراءات يجب أن تصدر «في الأشهر المقبلة» بعد مفاوضات جديدة بين الجمهوريين والديموقراطيين. وذكرت ان تصنيفها للدين مرتبط بنتائج هذه المفاوضات التي ستسمح بابقاء درجة التصنيف «أي أي أي» او خفضها الى «أي أي 1» بموجب التحذير الذي أطلقته في ايلول (سبتمبر) الماضي. وكانت «ستاندارد آند بورز» خفضت من جهتها درجة الولايات المتحدة الى «أي أي +» في آب (أغسطس) العام 2011.
Leave a Reply