تُعَرَّفُ الفوبيا، أو الرهاب، بأنها مرض نفسي يكون من نتائجه شعوراً شديداً ومتواصلاً بالخوف من القيام بعمل أو بنشاط أو الخوف من كائنات أو أجسام حقيقية أو غيبية أو الخوف من اشخاص وهذا النوع الأخير أي الخوف من الأشخاص هو الذي سيكون محور بحثنا في مقالنا هذا.
برزت ظاهرة الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام خاصة بعد الحرب الأفغانية السوفياتية وبعد خروج السوفيات من افغانستان وقيام دولة طالبان حيث أصبحت كثير من المجموعات العربية التي كانت تحارب الى جانب المجاهدين الأفغان عاطلة بعد أن انتهت مهمة «الجهاد» خاصة بعد انتصار حركة طالبان وتصفيتها لمعظم القوى التاريخية للمجاهدين لتمسك بمقاليد الحكم في أفغانستان، فعاد كثير من المقاتلين العرب الى بلدانهم لكن السنوات العديدة التي قضوها في الحروب وفي العيش في المغاور والجبال أثرت في نفسياتهم وسلوكياتهم فعاشوا على هامش مجتمعاتهم بحكم رفضهم لما هو سائد من نمط للحياة، ولم تحاول الأنظمة العربية والإسلامية بذل مجهود لفهم ظاهرة «العرب الأفغان» وتقديم وصفات متكاملة ضمن مقاربة سوسيوسيكولوجية لإعادة ادماجهم بشكل طبيعي وتمت معالجة أمرهم ضمن حلول أمنية فقط مما زاد في تطرف تلك المجموعات وتكفيرها لمجتمعاتها ولكل المجتمعات التي تختلف معها، إسلامية كانت أم غربية.
وقد تحوّل خوف كثير من البلدان، خاصة منها الغربية، من المجموعات المسلحة العائدة والناشطة في البلدان العربية والإسلامية، والتي مارست اشكالاً من العنف في بلدانها أو في بلدان أخرى تحت شعارات دينية، الى إدانة للكثير من شعوب المنطقة العربية الإسلامية، وبذلك تحولت التهمة التي كان من المفترض ان تدين اسلوب العنف لبعض المجموعات والتيارات الدينية بعينها، الى إدانة واسعة للخلفية الدينية التي ينحدرون منها، فإنتقل التركيز من اتهام الأشخاص الى اتهام للشعوب ولثقافاتهم، ورغم أنّ كثيرا من المجموعات الغربية قد مارست الشيء نفسه، أي العنف ضد مجتمعاتها، إلاّ أنّه لم يقع سحب نفس التهمة على الخلفية الثقافية الغربية المسيحية التي ينتمون اليها، أي اتهام الغربيين بالإرهاب بسبب عمل أفراد أو مجموعات، كما حصل مع العرب والمسلمين.
إشكال آخر دلّ على عدم فهم الغرب للظاهرة العُنفِية التكفيرية المخصوصة بمجموعات ذات مرجعيات تسمى سلفية وان كانت في الحقيقة ليست كذلك، لأن السلفية الحقة هي التي تقتدي بالنبي محمد (ص) وهو رسول سلام، ولا تجعل الإقتداء بصاحب مذهب مهما علا شأنه مقدّماً على الإقتداء بسيرة خاتم النبيين وترتب عن عدم الفهم ذاك أن الغرب لم يُكلّف نفسه عناء غربلة مختلف التيارات الدينية التي كانت سائدة ولا فرز الحابل من النابل، بل قام بوضع كل التيارات الإسلامية وأغلب المسلمين على اختلاف مشاربهم واساليبهم في التعاطي مع مشاكل مجتمعاتهم في خانة واحدة وتحت عنوان واحد «الإرهاب، رغم أنّ أغلب المجموعات التكفيرية تناسلت من رحم تيار واحد ومعلوم وهو التيار الوهابي نسبة الى محمد بن عبد الوهاب التميمي (1703م – 1٧٩1م) والذي يعتبر مذهبه حديث الظهور (القرن الثامن عشر) ولم يكن محل إجماع من علماء المسلمين كما حصل مع المذاهب الاجتهادية الوسطية سواءً مذاهب أهل السنة (الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية) أو المذاهب الشيعية (الاثناعشرية والاسماعيلية والزيدية)
وعوض أن يُحدد الغرب بالتعاون مع العرب والمسلمين مفهوما واضحاً للإرهاب وللقوى المتطرفة سَحَبَ المفهوم، أحياناً عمداً وأحيانا أخرى جهلاً، على الإسلام وعلى أغلب المسلمين ليتحول المسلمون بمقتضى تلك التحديدات الخاطئة الى إرهابيين أو مشاريع إرهابية. وفي حياة عصرية معقدة في عالم تحوّل إلى قرية كونية تتدفق فيه السلع والثقافات والأفكار والمعلومات والأشخاص من أدنى الأرض إلى أقاصيها بسرعة كبيرة، وهذا ما ساعد على سرعة انتشار تهمة الإرهاب «الإسلامي» التي كانت وراء تنميط للعرب والمسلمين لا يزال للأسف يلاحقهم إلى اليوم.
تغيرّ المواقع: مَن يُرهب مَن؟
عانت شعوب المنطقة العربية من تهمة الإرهاب خاصّة بعد أحداث «١١ سبتمبر» الأليمة والتي تنامت بسببها ظاهرة إنتشار الكراهية والتنميط ضد العرب والمسلمون، لكن نتيجة جهود شخصيات ومنظمات المجتمع المدني العربية والغربية التي عملت من اجل التأسيس لحوار لفهم الآخر ومد جسور التعارف بدأت جذوة التباغض تخبُوّ نسبيا لكنها لم تنته و مازالت تفعل فعلها في مناطق عديدة من العالم حيث تُضيّق دول كثيرة وخاصة الغربية منها على تحرّكات العرب والمسلمين في حِلّهم وترحالهم والتهمة دائما جاهزة وهي خطورتهم على الأمن بسبب التصنيف النمطي الذي ألصق بأغلب المنتمين الى ثقافة ودين يُوصّفان في أغلب وسائل الإعلام الغربية خاصة بأنهما مصدراً للتخلف والإرهاب، وبعد أن انتشرت ظاهرة الإسلامفوبيا في أوروبا والغرب تحول العرب والمسلمين رغم أنفهم إلى بشر مخيفين تُرفع درجة الإنتباه والإنذار بسببهم أينما مروا وحلّوا.
تغيرت الأمور فجأة وأصبحت الجماعات التي بسببها شُوّه العرب والمسلمين وصُوروا في الإعلام كإرهابيين «جماعات صديقة» سُلحت إلى العظم وحُوّلت وجهتها نحو مجتمعاتها لتصبح معولا للهدم وأدوات يهدد بها بعض الغربيين والعرب كلّ من لا يخضع من دول المنطقة، وأصبحت وسائل الإعلام الغربية التي من المفترض أنّها تصدر في بلدان عريقة في الديمقراطية إلى منابر للحثّ العلني على القتل والتهديد به ومدحه كوسيلة للتغيير في البلدان العربية. وفي ظل فرحة شعوب المنطقة العربية بثوراتها الربيعية اختلط الحابل بالنابل وبدأ الخوف من تَغَوُّل الجماعات المسلحة التي حوّلت بعض الثورات إلى حالات إنتقامية دموية ممّا بدأ يُرهب شعوب المنطقة ويحدث نوعاً من الفوبيا المعاكسة، أي خوف العرب والمسلمين من انتشار تلك الجماعات الدينية وإعتمادها العنف أسلوباً لحسم الخلافات السياسية، هذا بخصوص جماعات الإسلام السياسي التكفيرية أمّا الأخطر فهو انتشار جماعات أخرى مسلحة وهي عبارة عن ميليشيات للإيجار تحترف القتل وترتزق منه، رغم أنّ كثيرا من مقاتليها يرفع شعارات دينية لا يفقه من مكنوناتها شيئاً وهي بالنسبة اليه مسوغا لتبرير العنف الذي أصبح الأسلوب الغالب في التعاطي مع مشاكل المنطقة وصراعات الفرقاء السياسيين.
لقد أصبح العنف أسلوباً تُهدد وترهب به الدول والجماعات دولاً وجماعات أخرى وتلتئم من أجله المؤتمرات لتدعو الى مزيد منه عبر سياسة التسليح النوعي والثقيل «للجماعات المسلحة» رغم الإعتراف الصريح والواضح من كثير من الدول الغربية بدموية تلك المجموعات التي تعيث في بعض البلدان العربية والإسلامية قتلا وتدميرا، والتي تمّ تصنيف البعض منها على لائحة المنظمات الارهابية مثل «جبهة النصرة» الأكثر دموية على الأرض السورية، ولكن رغم ذلك يستمر الصمت على عنفها مادامت تقتل عرباً ومسلمين ويستمر تمويلها وتسليحها دون خجل ولا احترام لحقوق الإنسان التي من المفترض أنّها قيم إنسانية لا بد أن ينعم بها الغربي والعربي على السواء ودون تمييز.
نعم نلوم كثيرا من السياسيين العرب من منافقي المعارضة وخاصة كثير من أولئك الذين بالخارج من الطامعين في الحكم وفي المغانم والمتعطشين للسلطة ولو كلّف ذلك تدمير بلدانهم وتحويلها الى ركام، ونتمنى أن تعي الشعوب الأدوار الخطيرة التي يلعبها هؤلاء حتى يتصدّوا لهم قبل فوات الأوان، ويمكننا أن نتصور، إن نجحوا في الوصول الى السلطة على جماجم شعوبهم، أن ينقلب السحر على الساحر، وستتحول «الجماعات» التي ركبوها ليصلوا الى السلطة الى كابوس يُحوّل سلطتهم إلى جحيم، فترتد عليهم جماعات العنف المسلحة لتكون شوكا في جنباتهم وتذيقهم من نفس الكأس التي أذاقوا منها شعوبهم.
وإنّا وإن لُمنا «الزعامات» والمجموعات العربية المتمعشة والمتاجرة بالدم العربي، والتي تستأجر البنادق البشرية لسفك دمه تحت مسميات الجهاد لتكسب به دعاية تخدم بها أهدافها في الوصول الى السلطة لا أهداف الشعوب التي تبكي عليها والتي تُرسل إليها المجموعة تلو الأخرى لتقتل وتهدم حتى لا يبقى حجر على حجر، فإنّ اللوم الأكبر يبقى على الدول التي تدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية وفي المقايل تمارس الإزدواجية في المعايير من أجل الحفاظ على مصالحها، وهكذا بقدرة قادر يصبح إرهابيو الأمس ثوّار اليوم وربّما يكونون أصدقاء الغد وقد تدور عليهم الدوائر من جديد ليصبحوا أعداء المستقبل. هكذا هي لعبة المصالح، لا مبادئ ولا صداقات تدوم، بل مصالح دائمة، هكذا كانت الأمور تجري وهكذا ستظل، فلا جديد، نعم لا جديد، لكن يظل الأمل قائماً في أن تنجح الأجيال القادمة في تغيير المعايير لتصبح الحقوق المدنية والانسانية في المستقبل حقوقاً كونية تشمل العرب والعجم وسائر شعوب الأرض.
Leave a Reply