الجزائر – فجأة أقحمت التطورات المتسارعة الجزائر في مشهد العنف الدموي الذي يلف معظم بقاع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإذا كانت الجزائر قد أنذرت منذ أشهر بخطورة التغيرات على حدودها الجنوبية حيث ينتشر مسلحون «إسلاميون» شمالي دولة مالي، إلا أن اللهيب أتاها عبر بوابتها الشرقية، ليبيا التي تعيش فوضى ميليشيات ومسلحين تكاد تضعها على لائحة الدول الفاشلة. فقد وجهت الجزائر، الأسبوع الماضي، ضربة عنيفة للجماعات الجهادية في شمال أفريقيا، بعدما سعت تلك الجماعات لنقل نار الحرب الفرنسية على مالي إلى الأراضي الجزائرية، عبر احتجاز عشرات الرهائن، بينهم أجانب، في منشأة غاز، على مقربة من الحدود مع ليبيا.
وفيما تباينت المعلومات بشأن سير العملية العسكرية إلا أن الهجوم الذي استهدف موقع تغنتورين لإنتاج الغاز في منطقة ان امناس الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد، قرب الحدود الليبية، أسفر عن مقتل عدد من الرهائن حيث أعلن مسؤول امني جزائري مقتل 30 رهينة بينهم سبعة اجانب على الاقل، واضاف المصدر أن الرهائن القتلى بينهم ثمانية جزائريين ويابانيان وبريطانيان وفرنسي واحد. ولم تتضح جنسيات باقي القتلى..
وكانت مصادر في ولاية ايليزي أعلنت في وقت سابق للوكالة نهاية هجوم الجيش غير انها عادت واوضحت لاحقا ان الجيش سيطر فقط على «موقع الحياة» حيث كان يوجد معظم الرهائن في حين لا تزال قوات الامن تحاصر مصنع الموقع حتى صدور هذا العدد.
وشن الجيش الجزائري الهجوم على الموقع لتحرير مئات الرهائن الجزائريين والأجانب احتجزهم مسلحون إسلاميون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» فجر الأربعاء الماضي، من دون أن يتضح، حتى صدور هذا العدد، حجم الخسائر البشرية الإجمالية، وهو ما جعل حكومات غربية توجه انتقادات صريحة ومبطنة للجانب الجزائري على خلفية تنفيذ العملية من دون أن يعلمها مسبقاً بذلك.
وذكرت مصادر أمنية جزائرية إن القوات المسلحة شنت عملية عسكرية سريعة لتحرير الرهائن، وقد شاركت فيها وحدات من القوات الخاصة معززة بمدرّعات وطوافات، وشهدت عمليات قصف جوي على المنشأة، في رد صريح من النظام الجزائري بعدم القبول بالمس بأمن البلاد ولاسيما بواسطة الإسلاميين الذين ينشرون الفوضى في العديد من بلدان المنطقة.
وقال مصدر أمني جزائري إن 11 متشدداً إسلامياً على الأقل، بينهم قائدهم، قتلوا في العملية، موضحاً أن من بينهم جزائريين احدهما هو زعيم المجموعة طاهر بن شنب -وهو قائد بارز في المنطقة- والملقب باسم «ابو البراء الجزائري»، الى جانب ثلاثة مصريين وتونسيين اثنين وليبيين اثنين ومالي وفرنسي. وأضاف إن 30 رهينة قتلوا، وقد تم التأكد من جنسية 15 منهم، موضحاً أن من بين القتلى الذين تم التعرف إلى هويتهم حتى الآن سبعة أجانب.
وكان المقاتلون الإسلاميون هاجموا موقع الغاز القريب من الحدود الليبية، وتمكنوا من خطف حافلة لنقل العمال الأجانب، لكنهم واجهوا مقاومة شديدة من قوات الدرك المرافقة للحافلة واضطروا الى التراجع باقتياد الحافلة بركابها الى داخل مجمع الغاز. وحاصر الجيش الجزائري الذي يملك قاعدة غير بعيدة من الموقع، الخاطفين ومنعهم من الفرار بالرهائن.
وقتل في العملية عامل جزائري وآخر بريطاني واصيب ستة آخرون بجروح، بينما بقي 41 أجنبياً وعشرات الجزائريين رهائن لدى المسلحين المتحصنين في مكان آخر من الموقع بعد أن تحرر المئات.
ويعمل في موقع الغاز تغنتورين في إن إمناس (1600 كيلومتر جنوبي شرقي الجزائر) 700 شخص، غالبيتهم من الجزائريين، لمصلحة شركات «بي بي» البريطانية و«ستات اويل» النروجية و«سوناطراك» الجزائرية.
وأكدت جماعة إسلامية، في بيان، تبنيها خطف الرهائن، وطالبت بوقف «العدوان الغاشم» على مالي، بحسب ما أوردت «وكالة نواكشوط للأنباء» الموريتانية الخاصة.
وأضاف البيان، الذي حمل توقيع «كتيبة الموقعين بالدماء» التي أسسها مختار بلمختار، المكنى خالد أبو العباس، «إننا في كتيبة «الموقعون بالدماء» نعلن عن قيامنا بغزوة مباركة رداً على التدخل السافر للقوات الصليبية الفرنسية في مالي وسعيها لخرق نظام الحكم الاسلامي في ازواد» (شمال مالي).
وأسس بلمختار هذه الكتيبة في بداية كانون الأول الماضي بعد تنحيته من قيادة كتيبة «الملثمون» وانفصاله عن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وقال خبراء أمنيون إن الغارة كانت مدبرة سلفاً بالرغم من ان قرار تنفيذها تأثر بالأحداث في مالي، في وقت رأى ضابط الاستخبارات الجزائري السابق شفيق مصباح أن ما يجري حالياً في ان اميناس دليل على «تغلغل الجماعات الإرهابية في الصحراء الجزائرية»، مضيفاً، في حديث إلى صحيفة «الشروق» الجزائرية، إن «هذه العملية ليست إنذاراً بالنسبة للأطراف الغربية وحدها، ولكن هذا الإنذار الدموي موجه للجزائر كذلك بعدما فتحت مجالها الجوي للطيران الحربي الفرنسي» الذي يشن غارات على مالي مستهدفاً المسلحين الإسلاميين الذين يسيطرون على المنطقة الشمالية من البلاد إثر الإنقلاب العسكري الذي أطاح برئيس البلاد المقرب من الغرب.
ويسيطر العسكر على جنوب مالي فيما يخضع الشمال للإسلاميين، وقد أتاح المجتمع الدولي، خلال الأسبوع الماضي، وبموافقة روسية، لفرنسا شن عمليات عسكرية ضد المسلحين، فيما اعلن مسؤول اميركي ان الولايات المتحدة وافقت على طلب فرنسي للمشاركة في جسر جوي لمساعدة فرنسا في نقل جنودها ومعداتهم الى مالي.
ويأتي القرار الأميركي بعد ان أجرت إدارة الرئيس باراك اوباما مراجعة قانونية لتقرير المساعدة التي يمكن لواشنطن ان تقدمها لفرنسا.
Leave a Reply