لأنــه حتـة بِتـــَــاع جاهــــل غــبـي مخـبـول
نكَـش عـشوش البتـاع وهـــدّ كـــــل أصـــــول
وفات في غيط البتاع قام سـمـّـم المحصـول
وساد قانون البتــاع ولا عـلـــة ولا معــلــول
والجهل زاد في البتاع ولا مَقري ولا منــقول
والخوف سرح في البتاع خلا الديابة تصول
آدي اللي جابه البتاع جاب الخراب بالطـول
لأنـه حتـة بتـــاع مخـلـب لــرأس الـغـــــــــول
أحمد فؤاد نجم
ديمقراطية الكعك: تقسيم المنطقة العربية السابقون واللاحقون
مشاكل العراق المعاصر هي بدون شك جزء من مشاكل المنطقة العربية التي وقع استهدافها على مر تاريخها وخاصة الحديث منه، وحالة العسر التي عرفتها «أرض السواد» هي وجه من وجوه السياسة التي اعتمدتها القوى المتنفذة بمساعدة طابورها الخامس في المنطقة العربية، وهو للأسف الشديد طابور متكون من الكثير من ساسة العرب والمسلمين الذين لهم استعداد أن «يبيعوا ويشتروا في اهلهم وفي اللي خلّفوهم» من أجل مناصب ومنافع مادية.
وكانت لوبيات المصالح المتنفذة كلما رأت تنطعاً من أصحاب الطابور أو أحست بإهتراء البطانة الحاكمة أو أرادت إعادة تقسيم الكعكة من جديد وفق المصالح أو التوازنات الجديدة بحيث يكون فيها لوجوه جديدة نصيبٌ، كانت «الديمقرَاكَعْكِيَة» هي المسوغ الأكثر استعمالا لإعادة توزيع الادوار والتي وفقها يقع تقاسم الكعكة وهكذا كانت «الديمقرَاكَعْكِيَات» في المستعمرات أو أشباه المستعمرات وسيلة يقع بموجبها شفط خيرات البلدان بحصص متفاوتة بين المتنفذ الدولي وممثله العربي أو الإقليمي.
أول «الديمقرَاكَعْكِيَات» أسست عبر اتفاقيات «سايكس بيكو» التي وقع بموجبها تقسيم المنطقة العربية، رغم نضال وتضحيات شعوبها، وتنصيب عائلات وشخصيات على «الدول الجديدة المستقلة» إلاّ في بعض المناطق التي برزت فيها شخصيات وطنية استطاعت أن تنتزع بعضاً من حقوق شعوبها، وكلما قيّض الله لمنطقة عربية رجلاً وطنيا «تأبط خيراً» وأراد صيانة بلده وإرساء ديمقراطية حقيقية إلاّ وتكالب عليه اصحاب المصالح من أنصار «الديمقرَاكَعْكِيَة» فحاصروه لانه أراد توظيف خيرات بلاده في خدمة شعبه ولم يقتسمها، كما العادة، مع حيتان الداخل والخارج وهو بفعله الديمقراطي ذاك يصبح عدواً لأنه ببساطة غير ديمقرَاكَعْكِيَ.
بعد ذلك تعددت أوجه «الديمقرَاكَعْكِيَة» وفعلها في المنطقة العربية فشطرت اليمن الذي توحد ثم عادت لتطل فيه برأسها من جديد وأبّدَتْ تقسيم لبنان طائفيا وطَيّفَتْ العراق وقسمت السودان نصفين ولا زال الحبل على الجرار حيث تعمل جهات دولية واقليمية وعربية الآن على ان تكون دول أخرى مشاريع مستقبلية لدول «ديمقرَاكَعْكِيَة». لقد لعبت «الديمقرَاكَعْكِيَة» إذا على كل التناقضات الممكنة في البلاد العربية، على المذاهب والأعراق والجهات واللغات وهي تلعب الآن في دول أخرى لم تتوفر فيها التناقضات المذهبية والعرقية او هي محصنة بفعل وعي شعوبها ضد هذا النوع من الفتن على اللعب على التناقضات الايديولوجية المهم ان يكون التفتيت غاية ونتيجة.
لقد استطاعت «الديمقرَاكَعْكِيَة» أنّ تحقق كثيراً من مشاريع تقسيم المنطقة إنها مغرية وتبدو مُقْنعة وهدفها يبدو منطقياً، كل فريق أو طائفة «يأخذ حقه» أو الأصح «حصته»، وهكذا نبقى جميعا حبايب، هذا هو الشعار السائد.
نعم إنّ «الديمقرَاكَعْكِيَة» مغرية لكنها مكلفة ومدمرة لأن التنافس الموجّه والمُدار بإتقان من الداخل والخارج خلق في كثير من التجارب التشاحن والصراع والدليل متاح، ولن نبتعد كثيرا لنضرب مثلاً على ذلك، فهل استقر لبنان يوماً، وهل نستطيع أن نحصي الحروب والصراعات التي خيضت وتخاض فوق أرضه؟ ما يجري في العراق اليوم، من أزمات الحكومات والمناصب الى مشاكل الأمن، وتمرد كردستان ثم الآن تظاهرات العرب السنة؟ أما السودان فبعد شطره و«تشليحه» أكثر من ثمانين بالمئة من ثروته النفطية ولا زال هناك حديث يدور عن «حلول» أخرى لدارفور قد تعني فصله هو الآخر؟ كيف استطاع اعداء المنطقة تحقيق كثير من مشاريعهم التفتيتية بالمنطقة؟ والجواب لا يبدو بعيداً كذلك إنها الديمقرَاكَعْكِيَة» أو المحاصصة إنها سلاح ذكي وفتاك به يتم التمزيق «القانوني» لتماسك المجتمعات المدنية. إنها ببساطة «حل» شيطاني و«طُعم» ابتلعه كثيرون من ساسة العرب وتوارثوه لأجيال.
عوائق تأسيس الدولة العراقية الحديثة: تسييس المذهبية.. والإثنوغرافيا
بني العراق المعاصر على مبدأ المحاصصة أو «الديمقرَاكَعْكِيَة»، فبعد سنوات من الحروب المدمرة التي اتت على الاخضر واليابس، قبل الساسة الجدد بمبدأ قيام دولتهم على اقتسام مؤسساتها والسلطات فيها على أساس مذهبي وعرقي ومناطقي حيث يكون الرئيس كردياً ورئيس الحكومة شيعياً ورئيس البرلمان سنياً ثم تُفرق بقية المناصب بين المكونات الثلاثة كما يذهب بعضها الى الأقليات الأخرى. وإن كنا نجد بعض العذر لقبول الفرقاء السياسيين للمحاصصة نتيجة حالة التعب التي أصابت الجميع بسبب سنوات الحروب الطويلة والرغبة في الاستقرار وإعادة تأسيس الدولة لتوفير الخدمات للشعب الذي أنهك بالحروب والصراعات ولم يعد يعنيه كثيراً شكل نظام الحكم بقدر اهتمامه بتلبية حاجاته المعيشية الملحة، وهكذا وفي ليالي مظلمة وما فيهاش نور أدت المحاصصة أو «الديمقرَاكَعْكِيَة» الى «التفتيتوقراطية» ليولد عراق الطوائف «قانونيا» والذي على ضوئه تُحكم البلاد والتي بسببه لا تكاد تخرج من مشكلة إلاّ لتقع في أخرى.
إنّ تسييس الطائفية والعرقية وتقنينها قد أسس للفُرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب والتي كانت نتائجها إثارة النعرات المختلفة مما يؤكد أنّ أمر المحاصصة السياسية على أساس طائفي كان أمراً مدبراً بدقة وعناية من الخارج وبعض الداخل ومقصودا به تأبيد مشاكل وأزمات العراق، إن الذين ساهموا في عملية التأسيس تلك بعضهم رغبة في الوصول الى السلطة بأي شكل والبعض الآخر رغبة صادقة في استقرار العراق قد بلع جميعهم الطُعم و«شربوها» وأكيد أن كثيراً منهم من أصحاب الضمائر ونتيجة لما يرونه من نتائج المحاصصة يقولون «ياليت اللي جرى ماكان».
الآن، والحال كما وصفنا، ليس أمام المؤمنين بسيادة القانون، لا الطائفية، إلاّ أن يراهنوا على الاجيال القادمة ويدعموها حتى تتجاوز مبدأ المحاصصة الذي ثُبت دستوريا واصبح قانونا يقود الحياة السياسية، كما يؤمل أن يوفق شباب المستقبل في بناء دولة المُوَاَطَنَة المَدَنِية، وذلك لسبب وجيه وهو انه لا يمكن بناء العراق الحديث وفق مبدأ قد كنا نظن أنه ذهب الى غير رجعة، إلاّ إذا كان الحديث عن دولة حديثة بمعنى أنها تعاصر تاريخنا أما الحداثة فلا تقبل ان يهمش الانسان ويقمع لصالح أفراد أو مؤسسات، لأنّ إنسانية الإنسان هي منطلق وغاية كل تحديث..
لقد سعى بعض من الداخل المرتبط بالخارج الى تسييس للمذهبية حيث أصبح المذهب انتماءً روحياً الى حالة سياسية (حزب) وبذلك اختلط الأمر على الناس وخاصة العامة فأصبح نقد الحزب الذي يمثل مذهبهم والذي من المفترض أنه (أي الحزب) مؤسسة بشرية، كأنه نقد للمذهب ذاته وللدين، لذلك كثيراً ما شهدت صراعات الأحزاب العراقية حرارة صراعات المذاهب والتي كثيراً ما أخذت أشكالاً وممارسات عنفية ودموية، ونفس الشيء يمكن ان يسحب على الأحزاب التي كانت تمثل الأعراق والإثنيات أو المناطق فمجرد نقد سياساتها أصبح كأنه نقد لعرق أو لمنطقة. إنّ «الديمقرَاكَعْكِيَة» أو المحاصصة هي تأبيد لأزمات العراق والتي لا يمكن الخروج منها إلا بتنمية الوعي الجماعي بثقافة المواطنة كمقدمة للتحول نحو تأسيس دولة العراق المدنية الحديثة.
إنّ تحول الإثنيات والمذاهب الى أحزاب كانت ضربة للحالة المدنية بالعراق وقد بذرت اتفاقيات «سايكس بيكو» عوامل يمكن اشعالها في أي وقت من أجل بدء العراك بين مكونات العراق وأكمل الحاكم بريمر المهمة عبر تقنين الطائفية ببناء دولة الطوائف التي تقوم على مبدأ اقتسام الكعكة أكثر من التفكير في وحدة نسيج مكونات الوطن، وهو مشروع يحمل في طياته بذور العراك والشقاق.
المظاهرات السنية: فشل السياسة الداخلية والأدوار الإقليمية
يشهد العراق في الآونة الاخيرة حالة من «التمرد» الشعبي في مناطق العرب السنة والتي ازدادت تفاعلا بعد لعبة شد الحبل بين الحكومة والمتظاهرين وذهبت بعض وسائل الإعلام والمحللين الى حد وصف المظاهرات ببوادر «ربيع عراقي».
فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه المظاهرات في شمال وغرب البلاد ضد حكومة نوري المالكي والتي وصل شرارها الى الجامعات، كما كانت سببا في تشابك بالأيدي داخل البرلمان بين أعضاء من التيار الصدري وممثلين عن إئتلاف «دولة القانون» الذي يرأسه المالكي، كما كانت المظاهرات سببا في دعوة بعض التحالفات مثل «القائمة العراقية» الى استقالة الحكومة الحالية؟
تبدو أسباب الحراك الذي شهدته مدن عراقية مثل الموصل وصلاح الدين والأنبار وبيجي وغيرها حسب مصادر إعلامية، احتجاجات تطالب بإصلاح النظام السياسي والقانوني، حيث دعت جموع غفيرة من متظاهري الأنبار التي كانت منطلق الحراك الاحتجاجي بإقرار قانوني العفو العام وإقرار المحكمة الإتحادية وإطلاق سراح السجينات وإلغاء قانوني مكافحة الإرهاب واجتثاث البعث وسحب قوات الجيش من مداخل المدن وإقامة توازن عادل بين الطوائف داخل مؤسسات الدولة ورفع الكتل الإسمنتية التي تعيق حركة الناس.
ويُخشى أن يتفاقم هذا التوتر بعد أن تمت مواجهته بقمع قوات الأمن للمتظاهرين، في الوقت الذي كان فيه على السلطة أن تعمل على تطويق الأزمة عبر تحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة واقامة حوار جدي كما نصح بذلك بعض القيادات العراقية لأن مزيد القمع قد يكون سبباٍ في توسع المظاهرات وخروجها عن السيطرة في ظل واقع اقليمي متدهور وانفلات أمني قد يستغل لعسكرة الحراك في العراق، وتحويل المظاهرات السلمية الى عراك مسلح كما حصل في بعض الدول العربية الأخرى.
ففي غضون الأزمة وقبلها برز ضعف الحكومة في معالجة مشاكل الناس اليومية، كما أنه ورغم السنوات التي مرت على الحكومات المتعاقبة، لم يتم التطرق جدياً الى بعض القوانين التي وضعت في بداية الحرب والصراع والتي عانت منها التجمعات السنية أكثر من غيرها على خلفية مساندتهم للنظام السابق.
والى جانب الأسباب الداخلية هناك عوامل خارجية يمكن ان يكون لها دور حاسم في توجيه صراعات العراق والتأثير في نتائجها وتتمثل هذه العوامل في عمق المحيط الاقليمي ذي الغالبية السنية والذي يطوق العراق من
أغلب الاتجاهات، من تركيا الى الأردن فالسعودية وقطر والكويت وبقية منظومة الخليج ومن ورائهم غيرهم. وقد تستغل بعض الأطراف المنخرطة ضمن اجندات اقليمية ودولية تعمل على تفتيت المنطقة هذا الحراك الشعبي العراقي لتضعه تحت عنوان طائقي وتصب الزيت على النار لإشعال فتنة لا رابح فيها.
كان على الحكومة العراقية أن تكون أكثر وعياً وأن لا تنجر وراء تأكيد شرعيتها بالإعتماد على تجييش بعض المكون الشيعي خاصة في الجنوب للقيام بالمظاهرات المؤيدة لها في مدن الجنوب في مقابل المظاهرات المناوئة لها في المدن ذات الكثافة السنية في الأنبار والموصل وغيرها مما أعطى للأمر وجهاً طائقياً قبيحاً لا يبشر بالخير. ويعتقد الكثير من المراقبين أن على الحكومة أن تكون أكثر وضوحا في قراراتها وتوجهاتها، هل هي مع القانون مهما كان المذنب ام هي حكومة توافقات سياسية؟ لأنه وبعد اعتقال كثير من العراقيين، وأغلبهم من السنّة، طالب المتظاهرون بإطلاق سراحهم لأنه وقع سجنهم بدون محاكمات، وتحت الضغط تم اطلاق سراح 335 معتقلا. والسؤال هنا إذا كان هؤلاء إرهابيين ومذنبين ويمثلون خطراً على الأمن فهل تم اطلاق سراحهم خوفاً من المتظاهرين، وهو أمر فيه مس بـ«دولة القانون».. وإذا كانوا أبرياء لماذا تم اعتقالهم ثم تأخر اطلاق سراحهم الذي تم بعد ضغط من الشارع العراقي سنة وشيعة؟
إن اعتذار نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني للمعتقلين، قد يكون بادرة حسن نية يجب أن تستتبع بخطوات قانونية وتشريعية تضبط التجاوزات وتساوي بين المواطنين.
إن كثيراً من سياسيينا وحكامنا لم يفهموا أن السياسة لا تعرف الثبات، وأن تحالفات اليوم قد تتحول الى عداوات في الغد، وأن المنطقة هي لعبة شطرنج على طاولات القوى المتنفذة، وأن الحليف والحامي الوحيد لهم هي شعوبهم التي تستطيع وحدها أن تكنس المتنفذين والدكتاتوريين كلما ارادت وسقوط رؤوس كان يعتقد الى حين انها كبيرة وقوية دليل على ذلك.
ولذلك ندعو كل من تبوأ منصب القيادة في هذه الأمة أن اتقوا الله في شعوبكم واعلموا أنها لودامت لغيركم لما آلت إليكم.
Leave a Reply