في الوسط الإجتماعي «المودرن»، تسمع العديد من الكلمات والأسماء الفارغة والكاذبة، تدخل مسامع الإنسان كما في الشارع والسوق والبيت وعند الطبيب، تقريباً في كل مكان كلمات لا تستدعي من السامع قبولاً أو رفضاً، وقد يطيب للكثير منا أيضاً أن نتعامل ونتفاهم بها، رغم أن معظم تلك الأسماء والكلمات، فقدت معانيها من كثرة ما «مُرغت» بالوحل أو بالثلج الأسود، كلمة «حياتي وحبيب قلبي» وأخواتها تقال في صيغ عدة على لسان الدكنجي، والفران، واللحام، والأستاذ، والدكتور، والحلاق، العالي والواطي، الكبير والصغير، وجميع الناس المنتشرين من الشرق والغرب والشمال والجنوب كلهم «حياتي وحبيب ألبي» على ألسنة الكذابين الأميين يقولونها للحاضر والغائب والذين يعرفونه من مئة سنة وللذين يتعرفوا إليهم من دقيقة واحدة وللذين لا يعرفونه ولن يعرفوه، ويرددونها للبعيد والقريب وللعدو والحبيب.
في جلسة ودية عند إحدى الصديقات، إختارتني صاحبة البيت بالسؤال عن صديقة ثالثة لم ترها منذ مدة طويلة. وراحت تصور لي تلك الصديقة الغائبة عن الجلسة بأنها سبب الغلاء والوباء والإنهيار المالي بالـ يو أس وأيضاً الثلوج التي عصفت بسكان الشرق الأوسط، وكادت أن تقول لي إنها هي السبب الوحيد في كل مآسي البلاد التي إجتاحها «الربيع العربي» الملعون. وفيما كانت السيدة مندفعة في وصف إحداهن في أوصاف أشنع من تلك التي يتبادلها خطباء الإعلان والسياسة على «الإتجاه المعاكس».. فإذا جرس الباب يرن وتدخل المرأة، سبب المآسي والويلات في أميركا وسائر دول العالم، فتأخذها صاحبة البيت بالأحضان والقبلات، وتميل عليها من جانب إلى جانب قائلة لها لأكثر من مئة مرة: «حياتي، حبيبة ألبي، روحي، ياعمري» وكنت أنا مثل الأطرش بالزفة وهما تتبادلان الكلمات نفسها، فهي حياتها وحبيبة قلبها وعمرها كله! في الحالتين، أنا لم أتفاجأ ولم أندهش في الحالتين اللتين لا تفصل بينهما إلا دقائق معدودة، لأني أعرف مسبقاً معنى تلك الكلمات التي تحمل من النفاق فوق ما تحمله سماء ديربورن من صقيع وبرد.
بالمقابل، كنت شخصياً في إحدى المؤسسات العربية العامة لقضاء معاملة خاصة، وبالصدفة كان أحد الديوك اللبنانيين المعروفين بالكنفشة والعجرفة، والزمن البشع الذي يكون فيه مثل هذا المخلوق، حيث إلتقى بموظفة على الدرج.. هو طالع وهي نازلة.. فبادرها في لغة كاذبة، إدعى فيها المحبة والشوق وردد صاحبنا على مسامع الموظفة القديرة: حبيبتي، حياتي، عيوني، قلبي.. ولولا رؤيته لي، لغمرها وقبلها وذاب فيها غراماً وهياماً وغنى لها: «يا حبيبي يا حياتي ما في غيرك في حياتي»، ففطن لما هو آت لأجله، وسألها عن مدير المؤسسة، فأجابته حسب علمها إنه في المكتب، ذَّبل عينه وفتح مشفريه وأعاد وزاد وبصيغة المذكر زيادة في البرودة والسماجة، حبيبي، حياتي.
أما في غرفة الإنتظار فكان يصف الموظفة ذاتها والتي منذ دقيقة كانت حياتو وروحو وعيونو، بأنها غليظة وجاهلة وأنانية وسيئة ومتمردة وموظفة هنا بالواسطة فقط.. نفس الكلام الرخيص والبارد الذي نسمعه دوماً في بعض الأوساط الإجتماعية وكلام عشاق الخطابة وهم يفسرون ويبررون!!
Leave a Reply