يقبع لبنان بين خيارين: خيار يشده ناحية الجنون وآخر يرميه في بحر من المجهول. وما بين هذا وذاك، تخضع أيامه وأسابيعه لمد وجزر، يتحكمان به دون إعطائه فرصة ليلتقط أنفاسه.
وبينما يواصل اللبنانيون حياتهم اليومية التي غابت همومها عن مناقشات ممثليهم تحت قبة البرلمان، جاءت محاولة إغتيال وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي، يوم الجمعة الماضي، لتكسر روتين مناقشات القوانين الإنتخابية العقيمة.. ولتُعيد توجيه الأنظار نحو طرابلس التي لا يهمد بركانها.. ونحو مسألة انفلات السلاح وغياب الأمن والأمان في كافة المناطق اللبنانية. وفي حين طالب بعض النواب بإحالة القضية على المجلس العدلي ولم يرَ البعض الآخر موجباً لهذا الأمر، استنكرت المواقف الإعتداء الذي حدث حين تلاقى موكب مؤلّف من شبان كانوا في طريقهم للمشاركة في إعتصام تضامني مع الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، مع موكب مؤلّف من مُرافقي كرامي، مما أدى الى إشكال نتج عنه استعمال الأسلحة الرشاشة وأسفر عن عدد من الجرحى.
وفيما نجت طرابلس من «قطوع» جديد كاد أن يُغرقها في فتنة، استمرّت اللجنة النيابية الخاصة بقانون الإنتخابات بنقاشاتها حول أفضل قانون إنتخابي في مجلس النواب لتجد نفسها أمام حائط مسدود وإنّما مُتوقّع: «فيتوات» تُطارد بعضها، وقوانين تتسابق دون إختيار أحدها أو بديل عنها.. وبين رفض كتلة المستقبل للقانون الأرثوذكسي، ومناداة المسيحيين المستقلين بقانون دستوري وعادل وقرارهم بتشكيل وفود صغيرة لجلسات تشاورية تبدأ برئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد عودته من روسيا، ظهر اقتراحان انتخابيان جديدان.
أول اقتراح قدّمه النائبان ميشال فرعون وسيرج طورسركيسيان ويقوم على أساس نظام أكثري، أما الثاني فهو اقتراح الدائرة الفردية أو تقسيم لبنان الى 128 دائرة، وهو ما طرحه عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده، ليضاف الإقتراحان الى الإقتراحات المتُعدّدة التي سبقتهما.
وإذا ما كان هناك نسبة صغيرة للتوافق، فقد انعدمت بعدما دار سجال إعلامي بين النائبين أحمد فتفت وآلان عون، جرى من خلاله تبادل الإتهامات بالكذب والتضليل المقصود بهما تأجيل الإنتخابات أو إبقائها على موعدها، كل حسب مصلحته. وهكذا، اختتمت اللجنة أعمالها فرفعت تقريرها الى الرئيس نبيه بري، واضعة الكرة في ملعبه ومُراهنة على حل في سلّته يُسرّع من عملية الولادة الإنتخابية.
من جهة ثانية، احتضنت روسيا كلاً من رئيس الجبهة الديمقراطية وليد جنبلاط ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، فخرج الأول منها بتأكيد ثقة موسكو ببقاء الرئيس الأسد لوقت طويل بينما حصل الثاني منها على جائزة «ألكسي» الثاني المعروفة بـ«وحدة الشعوب الأرثوذكسية» تقديراً منها لجهوده في الحفاظ على السلم الأهلي.
وبينما حلّ النفط، والعلاقات الإقتصادية والدبلوماسية والتعاون العسكري والقضايا الدولية، على المناقشات اللبنانية-الروسية الودية بين سليمان ورئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف ثم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجد موضوع النازحين في روسيا راعية لمؤتمر عالمي يهدف الى تقديم المساعدة للبنان للتعامل معهم، بناء على طلب سليمان.
أيضاً، كان للموقف اللبناني تجاه الوضع في سوريا حصة كبيرة في المحادثات التي دارت بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز ووزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل في الرياض.
وعلى الرغم من أنّ ميقاتي بدا مُتحمساً ومدافعاً عن حق المرأة في الحصول على جنسيتها، الا أنّ موقفه تجاه «قوننة» قانون الزواج المدني الذي يدعمه رئيس الجمهورية بشكل كبير، لم يجد أحد له تفسيراً، خاصة بعد أن صرّح أن الوقت غير مناسب لمناقشته الآن.
تواصلت الإعتصامات المتضامنة مع جورج عبدالله في كافة المناطق اللبنانية، وانضمّ الى الإعتصام أمام السفارة الفرنسية في بيروت النائب البريطاني والناشط في القضايا الإنسانية جورج غالاواي والذي دعا فرنسا الى إطلاق سراح عبدالله في أسرع وقت ممكن.
عادت هيئة التنسيق النقابية الى إعتصاماتها، وقد كان آخرها الإعتصام الذي أقامته في رياض الصلح. وقد أعطت الهيئة الحكومة مجالاً حتى الأسبوع الأول من شباط لإحالة السلسلة الى المجلس النيابي، مُهدّدة بالإضراب المفتوح ومتهمة الحكومة بالتسويف والتعطيل المستمر .
على الصعيد الأمني، تمّ إحباط عملية فرار 60 سجيناً من المنتمين الى تنظيم فتح الإسلام، من الطابق الثاث، من المبنى «ب» في سجن رومية، وذلك بعد عثور القوى الأمنية على حبال الهرب التي كانوا يُخططون لإستخدامها في غرفة المراقبة. وفيما شدّد بعض «الضباط الأمنيين» في السجن على التهديدات التي تلقوها من التنظيم والتي تتضمّن قتلهم وأفراد عائلاتهم، يؤكّد الجميع أن هناك جهات سياسية تحمي السجناء. وقد قال أحد المصادر الأمنية في رومية أنّ «فتح الإسلام» هم الذين قتلوا المسجون المحكوم بالإعدام والذي زُعم أنه أقدم على الإنتحار شنقاً.
أخيراً، تمكّنت مُخابرات الجيش اللبناني من إلقاء القبض على عميل يخدم الموساد الإسرائيلي منذ 23 عاماً. وقد اعترف العميل «الأغلى» أنّه كان يُقدّم معلومات للعدو الإسرائيلي منذ العام ١٩٩٢.
وهكذا، يمر أسبوع آخر زاخر بالأحداث الأمنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والمناقشات الرسمية والدولية.. وحتى الأسبوع المقبل، يتعايش لبنان وسكانه مع الأزمات والتطورات المرهونة بالسياسيين.
Leave a Reply