دمشق – حمل الأسبوع الماضي تطورات خطيرة قد تعطي الأزمة السورية أبعاداً جديدة تتراوح بين تفجير المنطقة وصولا الى اتفاق أميركي-رروسي قد يتبلور في قمة أوباما-بوتين المنتظرة. فقد شنت إسرائيل غارة جوية على ريف دمشق قال الجيش السوري إنها استهدفت مجمعاً للبحوث العسكرية جنوبي العاصمة.
وتقدمت دمشق باحتجاج رسمي إلى الأمم المتحدة على الغارة الإسرائيلية مؤكدة حقها في الدفاع عن أراضيها. أما عربياً، فقد برزت بيانات التنديد من كل من جامعة الدولة العربية، ومصر، ولبنان، والعراق، إلا أن الرد العراقي كان الاشد لهجة، واصفاً ما حصل بـ«الإهانة» للعرب، وحذر من أن إسرائيل قد تستهدف أي دولة عربية بذريعة مشابهة. وكما كان متوقعاً فإن ردود الفعل الدولية تميزت بإدانة من روسيا بالاضافة الى إيران التي اكدت على ان للغارة «عواقب».
وأكد سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن إسرائيل تعتبر جزءاً من الأزمة السورية على اعتبار أن لها «أدوات في الداخل هي الجماعات المسلحة ومن وراءها من دول راعية». أما رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري علي عبد الله أيوب، فقال أنه مخطئ «كل من يتوهم أنه قادر على وضع قواتنا المسلحة موضع الاختبار»، مضيفاً أنّ «المعركة مع العدو الصهيوني مستمرة وهي لم تتوقف يوما». وأكد «الارتباط الوثيق بين الكيان الصهيوني وأدواته من عصابات القتل والإجرام التي تمارس الإرهاب الممنهج» بحق سوريا. وأضاف «إننا ندرك حجم التحدي الذي نواجهه نتيجة تمسكنا بمواقفنا وحقوقنا، ونعرف بالوقت نفسه حجم قدراتنا وجاهزيتنا لاستخدام هذه القدرات في الوقت المناسب». أما رد الفعل العربي، فتم اختصاره في بيان إدانة صادر عن الجامعة العربية، فضلاً عن إدانات كل من مصر والعراق ولبنان. وفي القاهرة، أدان وزير الخارجية محمد كامل عمرو الغارة، قائلا «إن مثل هذا الاعتداء على أراض عربية مرفوض تماما». وطالب المجتمع الدولي بتحميل إسرائيل المسؤولية، محذراً من تكرارها. كما شدد على خطورتها بالنسبة لمستقبل الأمن الإقليمي وللتطورات في المنطقة. وذكر عمرو بأن هذا الاعتداء يأتي في أعقاب اعتداء سابق على أراضي السودان في شهر تشرين الأول (أكتوبر) العام 2012.
وجاء الرد الأعنف من رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي أكد أن العدوان الإسرائيلي على سوريا «رسالة إذلال وإهانة للعرب والمسلمين جميعاً»، لافتاً إلى أنه «لو كان العرب في موقف متماسك، لما تجرأت إسرائيل على العدوان على سوريا». وقال المالكي إن «إسرائيل تنتهز فرصة تفكك العرب والوضع في سوريا للقيام بعدوانها»، معتبراً أن «على العرب مسؤولية عدم ترك سوريا وحدها، وإشعار إسرائيل بأن عدوانها تجاوز لكرامتهم». وحذر من أن إسرائيل قد تضرب مصر أو العراق أو إيران، وغيرها من البلدان، بذريعة ضرب «مراكز أبحاث لصناعة قنبلة نووية». وأضاف «المنطقة على فوهة بركان، وهناك مشروع لرسم خريطة لها تشارك فيها تركيا».
أما الأمين العام للأمم المتحدة، فأشار إلى أنه ليس لدى المنظمة الدولية تفاصيل حول الحادث، لكنه دعا جميع الأطراف في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل وسوريا إلى الامتناع عن أي أعمال تزيد من التوتر والتصعيد في المنطقة.
وفيما يواصل الجيش السوري ضربه للمجموعات المسلحة في بؤر متفرقة في البلاد كشفت القيادة العسكرية السورية تعرُّض منشأة أبحاث لغارة إسرائيلية أسفرت عن سقوط شهيدين، وإصابة 5 آخرين.
وكانت الأنباء قد تضاربت حول الهدف الذي أغارت عليه طائرات إسرائيلية على مقربة من الحدود السورية اللبنانية خارقة منظومة الدفاع الجوي، بسبب التحليق المنخفض. ونظراً لتركيز إسرائيل في الأيام الأخيرة على السلاح الكيميائي السوري توجهت الأنظار في البداية إلى احتمال أن يكون المستهدَف في الغارة قافلة تحمل أسلحة من هذا النوع. لكن سرعان ما ترددت أنباء، خصوصاً في الغرب، حول أن المستهدف تحديداً كان قافلة تحمل صواريخ «سام 17» منقولة إلى «حزب الله» في لبنان. وظهر التضارب في الأنباء نظراً لتمنع أي جهات رسمية في سوريا وإسرائيل عن الإشارة للغارة طوال يوم تقريباً.
وفقط في وقت متأخر من مساء الخميس الماضي جاءت تأكيدات أميركية بوقوع غارة قابلها صمت رسمي إسرائيلي وتعليقات مشروطة.
وأشار البيان السوري إلى أن الطائرات «تسللت من منطقة شمال مرتفعات جبل الشيخ بعلو منخفض وتحت مستوى الرادارات»، مضيفاً ان الغارة تسببت «بوقوع أضرار مادية كبيرة وتدمير في المبنى، بالإضافة إلى مركز تطوير الآليات المجاور ومرأب السيارات، ما أدى إلى استشهاد اثنين من العاملين في الموقع وإصابة خمسة آخرين قبل أن ينسحب الطيران المعادي بالطريقة نفسها التي تسلل بها».
وحول احتمالات الرد من جانب سوريا و«حزب الله» على الغارة، أبدى المراقبون الإسرائيليون عدم اعتقادهم بإمكانية حدوث ذلك، على الرغم من تأكيد طهران أن الرد على هذه الغارة أمر حتمي.
وجاءت الغارة الإسرائيلية بعد سلسلة تطورات صبت في صالح النظام السوري حيث أبلغ المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي مجلس الأمن الأربعاء الماضي إن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال ممسكاً بالسلطة، لكن «شرعية النظام قد تكون تضررت بشكل من المتعذر إصلاحه»، فيما تمسك الرئيس الأميركي أوباما برفض تسليح المعارضة خوفاً من مزيد من تدهور الأوضاع.
وفي الكويت أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أن إجمالي تعهدات الأطراف المشاركة في مؤتمر المانحين لمصلحة المدنيين السوريين (في الداخل)، قد تجاوز 1,5 مليار دولار.
وشاركت 59 دولة في «المؤتمر الدولي لإعلان التعهدات الإنسانية من اجل سوريا» في الكويت، إلى جانب وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية.
وكانت كل من السعودية والكويت ودولة الإمارات أعلنت عن تقديم 300 مليون دولار، فيما أعلنت البحرين تقديم مساعدات بـ20 مليون دولار. وتعهدت ألمانيا بتقديم عشرة ملايين يورو، وذلك بعد يوم من إعلان أوباما تقديم 155 مليون دولار.
من جانبها، قالت منسقة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري آموس إن ثلاثة ملايين سوري نزحوا داخل الأراضي السورية فيما يحتاج 2,3 مليون سوري على الأقل لمساعدات أساسية عاجلة. وأعلنت انه سيتم تخصيص 519 مليون دولار من الأموال التي ستجمع في المؤتمر للمناطق الأكثر تأثرا بالنزاع. ويفترض أن يخصص قسم آخر من المساعدات لأكثر من 700 ألف سوري لجأوا إلى دول الجوار، فيما تتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد هؤلاء إلى 1,1 مليون نسمة في حزيران المقبل، ما لم يتوقف النزاع.
وأعلنت دمشق، أن الدولة السورية أصبحت الآن خلية تعمل على تحقيق البرنامج السياسي، الذي أطلقه الرئيس الأسد. وقد شهد هذا المسار خرقاً كبيراً لصالح النظام بإعلان رئيس إئتلاف المعارضة معاذ الخطيب ورئيسس هيئة التنسيق المعارضة هيثم مناع موافقتهما على إجراء حوار مباشر مع النظام وسط «يـأس» من الدعم الدولي.
وكان الخطيب قد فجّر قنبلته «الحوارية» على صفحته الشخصية على «فيسبوك»، «بلغني من وسائل الإعلام أن النظام في سوريا يدعو المعارضة إلى الحوار، وكلف رئيس الوزراء بإدارة المشروع، وأن وزير داخلية النظام يدعو قيادات المعارضة إلى العودة إلى سوريا. لذا أعلن بأنني مستعد للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام السوري في القاهرة أو تونس أو اسطنبول..». وطرح الخطيب شرطين للحوار «إطلاق 160 ألف معتقل من السجون السورية، وتمديد أو تجديد جوازات السفر للسوريين الموجودين في الخارج لمدة سنتين على الأقل». ولكن خطوة الخطيب قوبلت بمعارضة واسعة داخل الإئتلاف قد تتسبب بتفجير التجمع الهجين.
وفي المعلومات أن مؤتمر المعارضة السورية في باريس كان فاشلا، ولم يخفِ المعارضون أنفسهم ذلك حتى أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، المتورطة دولته في مالي، ذكرهم بالقلق الغربي من سقوط سوريا في أيدي المتطرفين الإسلاميين. تذكير يُضاف الى القلق الأميركي الذي تمّ التعبير عنه جهاراً بوضع «جبهة النصرة» التي ترتكب جرائم حرب موصوفة في سوريا وتتهم النظام بها، على لائحة المنظمات الإرهابية.
وفي مؤتمر باريس، غاب معاذ الخطيب عن هذا اللقاء الدولي الذي تضاءل أصلاً مستوى الحضور فيه الى مستشارين، وتحدثت المعلومات أن خلافات وقعت بين التيارات الليبرالية والإسلامية داخل الائتلاف. قال الإسلاميون إنه لولاهم لما حصل الائتلاف على قرش من أي دولة خصوصاّ من الخليج. رد عليهم الليبراليون بأنه لولا الحضور الليبرالي والمدني في الائتلاف لما اعترف بهذا التنظيم سوى الدول التي اعترفت بتنظيم طالبان.
Leave a Reply