دمشق – أحاطت أجواء التفاؤل مسار الحل السلمي للأزمة السورية، حيث لم يعد الحوار الوطني السوري مجرد مبادرة من النظام في وقت تتجه الدول الغربية فيه وعلى رأسها الولايات
المتحدة الى دعم هذا المسار الذي بات طريقاً إجبارياً مع تمكن الجيش السوري من كسر شوكة المجموعات المسلحة المعارضة والأجنبية في العديد من المناطق السورية كما أن قبول أطراف معارضة بالحوار يشي بتأزم الموقف الميداني حيث واصل الجيش السوري تطهير بلدات ومدن صغيرة استولى عليها المسلحون لشهور طويلة. لكن وحده المبعوث الأممي-العربي، الأخضر الإبراهيمي، ظل على موقفه: «لا نافدة تقدّم حتى الآن». أما بشائر الحل السلمي فتلوح من موسكو التي قرنت التقدّم في حلحلة الأزمة بتغيّر الموقف الأميركي، في وقت تستعد فيه لاستقبال وفود رسمية ومعارضة قريباً.
موقف الإبراهيمي المتشائم، والذي لا يرى أيّ تقدّم، مرده أن الروس والأميركيين لا يعملان بعد على خطة للخروج من الأزمة رغم الحديث عن قمة مرتقبة بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين.
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أنّ موسكو تنتظر في المدى القريب وفوداً من القيادة السورية، تضمّ مسؤولين حكوميين بينهم وزير الخارجية وليد المعلم ومن فصائل المعارضة المختلفة. وأشار إلى أنّ موسكو تشعر بالارتياح لمبادرة رئيس الائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب، «وإن كانت مثقلة بالشروط». وأكد ترحيب روسيا «برد الفعل الرسمي السوري، وإن كان أيضاً محمّلاً باشتراطات».وعلى المقلب المعارض، يظهر البعد بين أحمد معاذ الخطيب وأعضاء الائتلاف المعارض، وقال المتحدث الإعلامي باسم الائتلاف، سونير أحمد، لوكالة «الأناضول»، إنّ الخطيب «قدّم تضحية كبيرة عندما أقدم على مبادرته التي تضمنت الجلوس على طاولة المفاوضات مع النظام، ولكن لم يتمّ تقدير هذه التضحية بشكل كافٍ حتى الآن». وأضاف: «قد يوافق عليها نظام الأسد، لكن اجتماع الهيئة العامة للائتلاف يرفضها بالإجماع، ووقتها ستكون كأن لم تكن».
ويرى المراقبون أن الخاسر الأكبر من تصريحات الخطيب المؤيدة للحوار مع النظام هي القيادة التركية وقطر. فأنقرة، التي وضعت جانباً احتمال الحلّ السياسي في سوريا، ترى في مبادرة رئيس «الائتلاف» تهميشاً لدورها في معركة اسقاط النظام السوري
ورفضت أنقرة منذ البداية، وعلى لسان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، الحوار مع الرئيس بشار الأسد وطالبت برحيله أو اسقاطه بأيّ ثمن كان بالنسبة لها أو بالنسبة للمعارضة السورية والشعب السوري. وجاءت تصريحات الخطيب لتضع حكومة أردوغان أمام خيارات وتناقضات صعبة ومعقدة جداً، حيث اضطر أردوغان للسفر إلى قطر، فوراً، بعد يوم من تصريحات الخطيب لبحث سبل وامكانات التنسيق والتعاون المشترك لمواجهة احتمالات المرحلة المقبلة فيما يتعلق بتصريحات الخطيب، والرد السوري المحتمل عليها خاصة بعد أن التقى وزيرا الخارجية الروسي والإيراني، وسبق ذلك لقاؤه مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي عبّر بدوره عن تأييده لموقف الخطيب.
وجاء الرد سريعاً من أنقرة على لسان أحمد داوود أوغلو، إذ كرّر رفض بلاده لأيّ حوار مع النظام في دمشق داعياً الخطيب والائتلاف السوري للاستمرار في نضاله من أجل اسقاط النظام، في الوقت الذي تحدثت فيه المعلومات عن خلافات تركية-قطرية-سعودية في هذه المسألة، خاصة بعد تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التي أعلنت تأييد واشنطن لتصريحات الخطيب، الذي عاد واقترح اسم فاروق الشرع للحوار، وهو الاسم الذي سبق أن اقترحه داوود أوغلو لقيادة المرحلة الانتقالية بعد رحيل الأسد.
وتضع كل هذه المعطيات أنقرة أمام تحديات صعبة، لأن قيادتها راهنت على سقوط الأسد، ولعبت دوراً ريادياً في مجمل المخطّطات السرية والعلنية التي استهدفت النظام السوري. وتضع المعطيات الأخيرة العلاقة بين أردوغان والمعارضة الداخلية لحكمه، أيضاً، أمام تحديات جدية خاصة إذا فشلت أنقرة في عرقلة مساعي الحوار المدعوم من روسيا وإيران، وربما أميركا، والتي قد تؤدي إلى انفراج نسبي في العلاقة بين المعارضة والنظام في دمشق.
حينها سيجد أردوغان نفسه أمام وضع صعب لا يحسد عليه، لأنّه إما أن يستمر منفرداً في دعم المعارضين لنهج الحوار أو يضطر للتراجع عن كل تصريحاته ويوقف الدعم السياسي والتسليحي للمعارضة السورية.
وسيعني ذلك، في نهاية المطاف، احتمالات المواجهة بين هذه المعارضة المسلحة المتمثلة بالجماعات المتطرفة، التي لن تقبل الانسحاب من سوريا بالسهولة التي دخلت فيها عبر الحدود التركية. كلّ ذلك في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أنّ فشل السياسة التركية في سوريا سيعني فشل السياسة التركية الداخلية أيضاً، لأنّ أردوغان وداوود أوغلو يعتبران سوريا بوابة أنقرة الجديدة إلى المنطقة والهزيمة السياسية التركية في سوريا ستخلق العديد من المشاكل في العلاقات الاقليمية خاصة مع قطر والسعودية ولاسيما فيما يتعلق بجماعة «الإخوان المسلمين» التي بدأت تعاني الأمرين من غضب الشارعين المصري والتونسي.
«الإخوان المسلمون» بدورهم بدأوا يناورون على المسار السوري، حيث يبدو النظام والجيش متماسكين وسط التفاف شعبي واضح حول الدولة، ويتجلى دور «الإخوان» فيما وصلت اليه نتائج القمة الإسلامية الـ١٢ التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي.
وبعد جلسات عمل استغرقت يومين، انتهت القمة التي شهدت مشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في سابقة منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بإصدار بيان تضمن دعماً لمبادرة الحوار الرباعي التي أطلقها الرئيس المصري محمد مرسى في القمة الاستثنائية الرابعة التي عقدت في مكة في آب العام 2012، لتشكل جهدا ملموسا لحل الأزمة السورية، بتوافق يحفظ حقوق ومطالب الشعب السوري العادلة، ويضمن في الوقت ذاته وحدة الأراضي السورية، دون التطرق لموضوع تنحي الرئيس بشار الأسد الذي يبدو أنه طوي في مسار المفاوضات الأميركية-الروسية أقله للعام ٢٠١٤.
وترتكز المبادرة، التي جددت القمة الإسلامية دعمها لها، على ضرورة العمل من أجل حماية وحدة الأراضي السورية، وإجراء حوار شامل بين الأطراف السورية المختلفة لحل الأزمة القائمة، والاستجابة لأي جهد من قبل أي دولة عضو تشارك في هذا الحوار.
وأشار البيان الختامي للقمة الإسلامية إلى أن الدول الإسلامية ما زالت تؤيد جهود الإبراهيمي، معرباً عن قلق الدول الأعضاء بسبب عجز مجلس الأمن الدولي عن القيام بمسؤولياته، خصوصاً في ظل جمود التحركات الدولية إزاء المسألة السورية.
وأيدت القمة الإسلامية توحيد قوى المعارضة السورية، كما دعت مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه الأزمة السورية.
وأشاد البيان الختامي للقمة بمؤتمر المانحين الذي انعقد في الكويت في الثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي، وجهود الدول المجاورة لسوريا في استضافتها للاجئين، كما أثنت على موقفي مصر وليبيا في هذا الشأن.
ميدانيا واصل الجيش السوري ضرب معاقل المعارضة المسلحة لاسيما في ريف دمشق وقام الجيش بعمليات عسكرية «متزامنة ومنسقة» على طرفي العاصمة الجنوبي والشرقي، هاجمت خلالها بمساهمة من فصائل «جيش الدفاع الوطني» بلدات وقرى ومزارع متاخمة لكل من داريا والقدم والعسالي وصولا الى حي التضامن من جهة، ومناطق حرستا والقابون وجوبر وزملكا وعربين وصولا إلى مزارع دوما ومناطق الغوطة الشرقية المتصلة بها، من جهة أخرى وذلك لتطهير محيط العاصمة السورية بالتزامن مع حملات مماثلة في حلب وإدلب وحماه، في حين سيطر الهدوء بنسب متفاوتة على سائر المحافظات الأخرى.
Leave a Reply