يثير اعتزام الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته الجديد جون كيري القيام بزيارة قريبة للمنطقة، تشمل رام الله والقدس المحتلة وعمان، شكوك الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حيال خريطة تغيير الوضع الراهن.
وفيما أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن المباحثات التي سيجريها مع أوباما ستتناول ثلاث قضايا رئيسية، هي الملف النووي الإيراني وسبل التصدي لمحاولات إيران التسلح بسلاح نووي، والوضع غير المستقر في سوريا وانعكاساته على أمن المنطقة وأمن إسرائيل والولايات المتحدة والمحاولات لدفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وهي مسائل وصفها بأنها من الوزن الثقيل التي ينبغي على إسرائيل أن تتعامل معها بجدية فإن رئيسة حزب «ميرتس» الإسرائيلي، زهافا غالؤون، قالت إنه ليس لدى نتنياهو أية نية للمضي قدما في عملية السلام المتوقفة مع الجانب الفلسطيني. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عنها قولها إنها أدركت عقب اجتماعها مع نتنياهو أنه لا يعتزم الالتفاف إلى عملية بناء المستوطنات أو تقاسم السيادة على القدس.. محذرة من أن نتنياهو سيترك عملية السلام تنهار.
وذكرت صحيفة «صندي تايمز» اللندنية أن أوباما، سيعرض على إسرائيل تكثيف الضغوط على إيران مقابل تقديمها تنازلات للفلسطينيين حين يزورها الشهر المقبل. وقالت الصحيفة نقلا عن مصادرها يوم الأحد إن الرئيس أوباما أبدى استعداده للضغط على إيران لإجبارها على التراجع عن برنامجها النووي، مقابل قيام إسرائيل باستئناف مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية بشأن الحدود والأمن وقضايا الوضع النهائي مثل القدس والمستوطنات، لتمكين إدارته من تنفيذ حل الدولتين. مشيرة إلى أن نتنياهو سيوفد هذا الأسبوع اثنين من مساعديه إلى واشنطن، هما يعقوب عميدور وإسحق مولخو، لوضع أرضية التوصّل لما وصفته بـاتفاق «طهران مقابل رام الله».
ويرى خبراء أميركيون أنه في أحسن الأحوال قد يكون هناك تحركات على هامش زيارة أوباما وكيري، حيث من المنتظر أن تقدم واشنطن مساعدات بقيمة ٢٠٠ مليون دولار للسلطة الفلسطينية، والتي أوقفتها منذ شهور، كما أن هناك محادثات عن توسيع نطاق صلاحيات السلطة الفلسطينية الإدارية والأمنية لتشمل مناطق «ب» و«ج» في الضفة الغربية المحتلة طبقا لاتفاق أوسلو رغم أنها لا تزال تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب إطلاق إسرائيل سراح أسرى فلسطينين لإظهار النية الحسنة.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن بعض الإسرائيليين والأميركيين يحثون أيضاً على فكرة تجميد جزئي على الأقل لعملية بناء المستوطنات في الضفة الغربية في مقابل الحصول على وعد من الفلسطينيين بإرجاء خطط لاستخدام وضع فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة برفع قضايا ضد إسرائيل فى المحكمة الجنائية الدولية.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدداً قليلاً يتوقع أن الرئيس أوباما قد يعقد اجتماع قمة بين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غير أن العودة إلى طاولة المفاوضات، أمر لا يزال بعيد المنال.
وقال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل ومصر دانيل كيرتزر، إن «ما يمكن أن يكون جديداً هو ليس ببساطة التركيز على الدخول في مفاوضات، لأن ذلك محدود جداً.. علينا أن نكون قادرين على القيام بأربعة أو خمسة أمور بشكل متزامن نسبياً، لكي لا يقول أحد أننا انحزنا ضده. إنها كبوفيه سويدي، تجد فيه بعض الأشياء التي لا تحبها لكن الطاولة بأكملها مقبولة».
ويعتقد المسؤول الأميركي السابق عن ملف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بوزارة الخارجية الأميركية هرون ميلر أن أوباما لا يريد أن يكون الرئيس الأميركي الذي طوّرت في عهده إيران سلاحاً نووياً، أو يُتهم بأنه أشرف على زوال ما تبقى من حل إقامة دولتين للمشكلة الفلسطينية.
وكان البيت الأبيض حاول التخفيف من التوقعات التي قد تسفر عنها الزيارة حيث أوضح الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني أن أوباما لن يقدّم مبادرة سلام جديدة، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي يخطط للبقاء يومين في القدس، ويتوقع إضافة إلى لقائه القادة الإسرائيليين، أن يقضي بضع ساعات في الضفة الغربية حيث يلتقي بعباس وربما برئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض.
وفي الوقت الذي كان فيه مسؤولون أميركيون وإسرائيليون يبحثون تفاصيل زيارة أوباما منذ أسابيع، قال محمد شتيه المستشار المقرّب لرئيس السلطة الفلسطينية إن «المجيء ليس كافياً.. إننا ننتظر رؤية ما يحمل معه»، مشيراً إلى أن القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية علمت بالزيارة من خلال التقارير الإخبارية. ونقلت «نيويورك تايمز» عن المسؤول في حركة «فتح» حسام زملط قوله «إن العملية والمفاوضات ليسا نهاية بحد ذاتهما.. إن نقطة البداية هي كيف ننهي الاحتلال، ونقطة النهاية هي كيف ننهي الاحتلال، وبينهما هي العملية».. واعتبر أن التجميد الجزئي للاستيطان محكوم عليه بالفشل، وقال «إن كل المستوطنات في فلسطين غير شرعية.. أن تختار ما يناسبك وتتجاهل ما تبقى هو ليس صنع للسلام، إنها مزحة. إن قوتنا هي أننا إن نقول نعم لشيء سيعرّض حقوقنا للخطر».
غير أن بعض الإسرائيليين يعتبرون أن استئناف محادثات السلام حتى لو لم يؤدِ إلى أي مكان، هو وسيلة لوقف المد المتصاعد من الانتقادات الدولية لسياسات إسرائيل. وقال الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، «علينا تقديم اقتراح للفلسطينيين، اقتراحاً لائقاً، اقتراحاً عادلاً.. وإن قبله الفلسطينيون سيكون فوزاً للسلام. وإن رفضوه، كما نعتقد سيحصل، فإننا على الأقل سنفوز بلعبة اللوم ويمكننا مواصلة رسم حدودنا بأنفسنا من دون الحاجة لانتظار الفلسطينيين ليقبلوا».
وبدورها، أشارت «صنداي تايمز» إلى أن مسؤولين من البيت الأبيض أمضوا أسابيع في إسرائيل في محاولة لتشكيل تحالف من الدول الموالية للغرب، بما في ذلك تركيا والأردن، للمساعدة في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والبحث في كيفية احتواء مساعي إيران امتلاك سلاح نووي. وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق عوزي أراد إن استئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية يحظى باهتمام أقل. وأوضح أراد لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أن أقوال المسؤولين الإسرائيليين حول أسباب زيارة أوباما تعكس بشكل صحيح حقيقة الأمور، ومصطلح «العجالة» هو الذي يفرض الأجندة، ولا يوجد أدنى شك في أن هناك ساعة موَقتة فيما يتعلق بالموضوع الإيراني. وقال إن الموضوع السوري أيضا يتصاعد في الأيام الأخيرة وفي المقابل فإن الموضوع الفلسطيني (المفاوضات) ملح بدرجة أقل من هذين الموضوعين.
وقال أراد إنه لا يعرف ما إذا كان أوباما سيزور إسرائيل من أجل أن يوضح شخصياً لنتنياهو أن لا يهاجم المنشآت النووية الإيرانية، لكنه أشار إلى أن هذه هي المواضيع التي يبحثها الإسرائيليون في جميع المستويات، وحتى القيادة العليا، ولذلك فإن البحث لن ينتهي بزيارة أوباما. وأضاف أن ما تقوله السياسة الأميركية واضح، وحتى أنها حصلت على تأييد وزير الخارجية الأميركي الجديد وهو أن الموضوع الأهم لدى الولايات المتحدة الآن هو الخطوة السياسية (مقابل إيران) وذلك من دون المس بالغاية الاستراتيجية الشاملة بأن لا يكون لدى إيران سلاحاً نووياً.
وتابع أراد أن الولايات المتحدة عادت وأعلنت، كما صرح بذلك وزير الخارجية الجديد كيري، بأن الولايات المتحدة ستفعل كل ما ينبغي عمله من أجل ألا يكون لدى إيران سلاحاً نووياً.
وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون قد كرّر يوم السبت الماضي توقّعه بعقد قمة رباعية، وربما في الأردن، خلال زيارة الرئيس الأميركي، تشمل أوباما ونتنياهو وعباس وربما الملك الأردني عبد الله الثاني.
لكن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، استبعد حدوث تقدّم في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى أنه وصف احتمالاً كهذا بأنه مستحيل.
ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن نتنياهو حدّد الربيع المقبل على أنه نقطة زمنية ذات معنى خلال خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وأن أوباما يتخوف من أن يتخذ نتنياهو قراراً بمهاجمة إيران الآن، وفيما هو مدعوم من حكومة جديدة وبإمكانه تشكيل مجلس وزاري أمني جديد، فيما اثنين من معارضي الهجوم، (الوزيرين المنتهية ولايتاهما) دان مريدور وبيني بيغن، لن يشاركا في المجلس الوزاري الأمني.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن أوباما قرر المجيء بنفسه من أجل أن يمرر رسالة مباشرة إلى نتنياهو بأن «لا تهاجم إيران، ودعني أجري اتصالات مع الإيرانيين وفقاً لفهمي للأمور، وإذا دعت الحاجة فأنا سأعمل ضدهم، وتوجد لدينا قدرات (عسكرية) ليست موجودة لديكم».
وأشارت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن أوباما فضّل المجيء إلى إسرائيل لأنه لم يرغب باستقبال نتنياهو في واشنطن على هامش المؤتمر السنوي لمنظمة «آيباك» التي تقود اللوبي الإسرائيلي-اليهودي في أوائل شهر آذار (مارس) المقبل.
Leave a Reply