قبل عشر سنوات، كان عدد المتاجر العربية في ديربورن هايتس لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أما اليوم فشارع فورد بين تلغراف وإنكستر، أصبح سوقاً عربياً كبيراً يوفر معظم الخدمات التي يحتاجها آلاف العرب الأميركيين الذين تدفقوا الى المدينة في غضون العقد الماضي..
الأمر نفسه ينطبق على غرب ديربورن. حيث يقول أحد رواد مقهى «ستاربكس» هناك، «أنا زبون قديم لهذا الفرع.. منذ ١٥ عاماً كنت بالكاد التقي بزبائن عرب هنا لكن اليوم باتت معظم المحال التجارية هنا يملكها عرب أميركيون وأصبحت النسبة الأكبر من الزبائن من العرب.
التحولات الديمغرافية في الديربورنتين باتت جلية للجميع.. فالعرب باتوا يشكلون الإثنية الأكبر في المنطقة فقراؤهم يتمددون في أحياء جنوب غرب ديترويت ومدن جنوب النهر (داون ريفر)، أما الطبقة المتوسطة فوجدت في ديربورن هايتس متنفساً عملياً ولاسيما منطقة «كريستوود»، أما أصحاب الدخول الجيدة فشقوا طريقهم الى مدن أبعد مثل ليفونيا وكانتون في مقاطعة وين، فيما انتقل كثيرون للعيش في مدن مقاطعة أوكلاند التي تتمتع بمستوى رفاهية أعلى.
ولكن التمدد الطبيعي للعرب الأميركيين بات يواجه مطبات حقيقية لاسيما طبقة متوسطي الدخل التي تمثل الشريحة الأوسع من الجالية العربية. فالإنتقال الى ديترويت خارج حسابات هؤلاء بسبب غياب الأمن وتدني مستوى الخدمات، أما مدن جنوب النهر التي شيدت معظم منازلها خصيصاً لعمال المصانع لا تغوي أبناء الطبقة الوسطى للانتقال اليها. وكذلك بالنسبة لهؤلاء بات اكتظاظ شرق ديربورن يشكل عنصر طرد أساسي لهم، فتوجه معظمهم، خلال السنوات الماضية للعيش في غرب ديربورن وديربورن هايتس.. ولكن التزايد السكاني وارتفاع الطلب على المنطقة المرغوبة في ديربورن هايتس (كريستوود) جعل من أسعار المنازل فيها تحقق أرقاماً قياسية مقارنة بسعر السوق وهو ما يجعل الإنتقال الى ديربورن هايتس اليوم يحتاج الى تفكير ملي.. فمبلغ ٢٠٠ ألف دولار يوفر شراء منزل متواضع في منطقة «كريستوود»، في حين المبلغ نفسه يوفر منزلا كبيراً وحديث البناء في مدن مثل وستلاند وكانتون وليفونيا وفارمنغتون هيلز ونورثفيل.
هذا الإزدهار العقاري الذي تشهده منطقة كريستوود وغرب ديربورن، يشكل سيفاً ذا حدين، فهو إن يحفظ مدخرات العائلات العربية، فإنه يرفع الأسعار الى مستويات خارج نطاق قدرة الطبقة الوسطى من العرب الأميركيين التي ليس أمامها سوى التمدد غرباً، ليس الى غاردن سيتي الفقيرة أو إنكستر ذات الكثافة الإفريقية الأميركية ولا وستلاند التي يراها الكثير من العرب مدينة غير مرحبة، بل الى كانتون وما بعد كانتون والى ليفونيا وما بعد ليفونيا، ولكن حسرة هؤلاء تبقى أن هذه المدن لا توفر الكثير من الخدمات الأساسية في قاموس الجالية العربية.
يقول سام بيضون، وهو وسيط عقاري معروف في مكتب «كوران وكريستين» التابع لـ«سنشري ٢١»، إن طلب أبناء الجالية على المنازل في ديربورن وديربورن هايتس يبلغ حد السخاء المبالغ به. حيث يدخلون في مزايدات ترفع سعر المنازل عن المبلغ المطلوب ببضعة عشرات آلاف من الدولارات في الكثير من الأحيان ولاسيما في الأحياء المحيطة بشارع بيتش دايلي وجون دايلي، وصولا الى شارع انكستر، وذلك بين شارعي فورد (شمالاً) وميشيغن أفنيو (جنوباً). الأمر نفسه ينطبق على منازل غرب ديربورن في المنطقة المحيطة بشارعي آوتردرايف وشيري هيل.
ويؤكد بيضون أن هذا الاتجاه بدأ بالتصاعد بوضوح منذ سنة أو أكثر قليلا. وهو ما جعل أسعار العقارات في ديربورن وديربورن هايتس «ساخنة جداً» خاصة في منطقة الرمز البريدي 48127. فهناك العديد من عروض الشراء والقليل من المنازل المعروضة للبيع وذلك لعدم رغبة الكثيرين في الإنتقال للعيش في مدن بعيدة.
ويقول بيضون الذي يتمتع بخبرة 26 عاماً في السوق العقاري في ديربورن وديربورن هايتس «لم اشهد يوما نقصا في العقارات المعروضة مقارنة بارتفاع الطلب كما اليوم».
وكشف بيضون أنه قبل العام الماضي كان عدد المنازل المعروضة للبيع يتراوح عادة بين 700 و800 منزلاً في المدينتين. ولكن اليوم، في ديربورن مثلاً، هناك ٢٣٦ منزلاً معروضاً للبيع في حين أن هناك ٣٠٣ منازل تنتظر إنجاز صفقة البيع. أما في ديربورن هايتس هناك ١٤٨ منزلاً معروضاً مقابل ١٨٧ في طور البيع.
بيضون يرى أن حرص العرب على شراء منازل في هذه المناطق هو السبب الرئيسي للارتفاع الكبير بالأسعار «بمجرد وضع المنزل على قائمة البيع تبدأ العروض بالتدفق، وفي غضون أسبوع يكون هناك مشتر راغب بالحصول على المنزل.. وأحيانا في يوم أو يومين»، وتابع «إنهم يعرضون أسعاراً سخية للشراء بحيث اصبح من الطبيعي الآن بيع منزل في ديربورن هايتس بأكثر من السعر المطلوب».
وقال إن منازل مملوكة من البنوك مطلوب فيها 100 الف دولار تباع الآن بـ115 و120 الفاً أو أكثر. وأمام هذا الواقع لا تضطر البنوك الى تخفيض الأسعار المطلوبة بل باتت ترفعها باضطراد بسبب تواصل الطلب.
وسيط عقاري آخر في نفس الشركة، علي شرارة، يقول إن العرب حريصون على البقاء في مجتمع الجالية، «فهناك العرب الذين يقطنون في جنوب ديربورن (منطقة ديكس) بدأوا بالانتقال الى شرقها، بينما بدأ سكان شرق ديربورن للانتقال الى غربها والى ديربورن هايتس»، دون إغفال توافد مهاجرين جدد لاسيما مع الإضطرابات في المنطقة العربية وخاصة سوريا. وقال شرارة اضحت ديربورن هايتس الان مثلها مثل ديربورن في ثمانينات القرن الماضي حين بدأ اللبنانيون بالانتقال بكثافة الى المدينة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، و«لن يمر زمن طويل حتى تتحول ديربورن هايتس الى ديربورن أخرى». وأكد شرارة إن العقارات التجارية في ديربورن هايتس ساخنة هي الأخرى، «فهناك العديد من اصحاب الاعمال يرغبون بفتح المتاجر مواكبة للزيادة في عدد السكان العرب الاميركيين في هذه المناطق، وهناك العديد من محلات البقالة والمطاعم والمخابز قائمة هنا، وقد اشترى مؤخرا رجل أعمال عربي بناية تجارية على شارع فورد الى الغرب من تلغراف لفتحها متجرا للبقالة وقد دفع فيها مبلغاً سخياً».
وأضاف شرارة إنه من الطبيعي حين تنتقل جماعات الى منطقة معينة يسارع ساكنوها الى الانتقال لمنطقة أخرى، وهذا ما حدث في غرب ديربورن وديربورن هايتس حيث بدأ السكان البيض في هذه المناطق بالانتقال للعيش في ليفونيا ونوفاي وفارمنغتون هيلز وبرايتون. وهناك اعداد اصغر من العرب الأميركيين بدأوا بالانتقال الى كانتون وبليموث ونورثفيل، وقليل منهم انتقلوا الى فارمنغتون هيلز أو وست بلومفيلد حيث الكثافة من الكلدان الاميركين واليهود الاميركيين.
وقال ان العرب الأميركيين لا يرغبون تماماً بعد بالذهاب الى مثل هذه المناطق كونها تبعد 20-25 دقيقة عن ديربورن، إضافة الى خلوها تقريباً من المتاجر العربية. واجمع بيضون وشرارة على انه بالرغم من ارتفاع اسعار المنازل إلا انه لم يصل بعد الى ما كان عليه في 2005، مؤكدين ان الاسعار لن تهوي مرة اخرى مثلما حصل قبل بضع سنوات، وهذا يعني أن أصحاب الدخول المتوسطة إن رغبوا في الحصول على منزل جميل عليهم الإبتعاد عن كريستوود وغرب ديربورن.
ملاحظة: أعلنت هيئة التطوير الاسكاني في ميشيغن عن منح مشتري المنازل لأول مرة حوافز ضريبية تتراوح بين 3000 و5000 دولار. لمزيد من المعلومات حول هذا البرنامج www.michigan.gov/mshda
Leave a Reply