عزيزى المــواطن بتاع الـــــنـضال
يا راكـب دماغـك وغاوى الحـــلال
غمـّض عــــــيونك وربـّي العــيـــال
نصيحة يا صاحبي بلاش الخيال
إعقـَل وحِب الحكومة وحِب السلام
وعـــــلِّـم ولادَك يشــــــدّوا الحــــزام
وينسوا الأســـيّة وحــتى الخـــزوق
علشـان بــكرة ياكلـــو بطّ وحمــام
أحمد فؤاد نجم
الجبالي |
إتّهامات وإستقالات فـي «الترويكا»: التفكّك
تصديقاً لما كنّا أشرنا اليه في مقالات سابقة من أن حكومة «الترويكا» الحاكمة حالياً في تونس قد دخلت عنق الزجاجة في مقدمة لانهيارها وذلك لأسباب عديدة منها:
أوّلاً، سياسة «الديمقراكعكية» والمحاصصة التي قدمت مصالح الأحزاب وغيبت المصالح الحقيقية للدولة والشعب وانغمست في سياسات الترضية حيث تضخمت الوزارات شكلياً وغابت الكفاءة أمام سياسة «النهضة» في إرضاء الأحزاب الشريكة التي تحالفت معها على تشكيل الحكومة بعد إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011.
ثانياً، عدم التجانس داخل التركيبة الحاكمة بين تيارات حزب «التكتل» و«المؤتمر» اللذين يتكونان من نخب وأعضاء من تيارات الوسط واليسار، وبين التيار «النهضوي» الذي يشكو هو الآخر من عدم التجانس حيث تشقه تيارات سلفية وليبيرالية إلى جانب المرجعية الإخوانية التي تمثل التيار الغالب والأساسي.
إنّ بداية التفكك داخل «الترويكا» لم يكن فقط وليد الأزمة التي تلت اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد ولا نتيجة مقترح رئيس الحكومة حمّادي الجبالي بتأليف «حكومة كفاءات» (تكنوقراط)، بل هو تواصل لمسلسل التصدّع الذي حدث بخروج أمين عام حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، عبد الرؤوف العيادي، الذي كان قد خَلَفَ المنصف المرزوقي في رئاسة الحزب بعد أن تولى هذا الأخير رئاسة الجمهورية. وقد إستقال العيادي مع مجموعة كبيرة بلغت العشرة أعضاء بينهم قيادات بازرة ومؤسسون للحزب مثل الطاهر هميلة ونزيهة رجيبة (أم زياد). ويشكل المنسحبون قرابة نصف نواب الحزب في المجلس التأسيسي وقد انتمى أغلبهم إلى حزب «الوفاء للثورة» الذي أسّسوه بعد إنسحابهم من حزب المؤتمر. وأكّد العيادي بأنّ حوالي 19 مكتباً جهوياً من مجموع المكاتب الـ24 التابعة لحزب المؤتمر قد انضمت إلى حزب « الوفاء للثورة » الجديد وأعلن العيادي أنّ الإنسحاب جاء نتيجة «انحراف الشق الحكومي الممثل للمؤتمر عن مسار الثورة وأهدافها».
وقد تضعضع «حزب المؤتمر» بشكل كبير إثر إستقالة العيادي، الأمين العام السابق للحزب، وزادت استقالة أمينه العام الجديد محمد عبو الطين بلّة حيث استقال معه ثلاثة من الأعضاء البارزين داخل المجلس الوطني، وهم لزهر الشملي وسهير الدردوري وسامية عبو ممّا جعل مصير هذا الحزب الذي ينتمي اليه رئيس الجمهورية ويشكل أحد الأعمدة الثلاثة للحكومة التونسية في مهب الريح، خاصة بعد أن كشف محمد عبو عن إعتزامه تأسيس حزب جديد مع بعض أعضاء كتلة «المؤتمر» النيابية وأطراف سياسية أخرى.
وتُمثل الإنشقاقات والإستقالات داخل «المؤتمر» وداخل الحكومة ضربة موجعة للتحالف الحاكم الذي فقد أصواتاً عديدة داخل المجلس التأسيسي منها العشرة أعضاء الذين شكّلوا حزب « الوفاء للثورة » بسبب رفضهم لتبعية «المؤتمر» المطلقة لحكومة «النهضة» وخياراتها الإقتصادية والإجتماعية التي رأوا أنّها أخذت البلاد نحو مزيد من التأزم وتفاقم البطالة وركود النمو وتقلص الحريات.
لم يقف الأمر بالنسبة للإئتلاف الحاكم على الإنهيارات الحاصلة في حزب «المؤتمر»، بل عرف أيضاً حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» الذي يرأسه الرئيس الحالي للمجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، العديد من الإنشقاقات، سواء في أعضائه بالمجلس التأسيسي أو في مكاتبه الجهوية، ممّا ينذر بإمكانية انهيار هذا الحزب.
وقد بدأت متاعب «حزب التكتل» بإستقالة القيادي خميس قسيلة الذي إلتحق بحزب «نداء تونس»، ثم تلى ذلك خروج ثلاثة من أعضاء المجلس التأسيسي وهم سليم عبد السلام وسلمى مبروك وفاطمة الغربي، وقد برّر المستقيلون خروجهم من الكتلة البرلمانية للحزب بسبب قرار «التكتل» الإستمرار في حكومة «الترويكا» التي يعتقدون أنها «تقود البلاد إلى الهاوية».
لم تعانِ «الترويكا» الحاكمة من الإنقسامات التي كانت تشق الحزبين الحليفين «للنهضة» فقط، بل عاش حزب«النهضة» نفسه مؤخراً بعضا ممّا عرفه حلفاؤه من الصراعات والإختلافات، حيث رفض أمينها العام ورئيس الحكومة حمّادي الجبالي، مواصلة العمل مع الحكومة الحالية وسعى إلى حلّها وتأليف حكومة تكنوقراط لإعتقاده بأنّ الحكومة الحالية المُكَوَنة على أسس «الديمقراكعكية» والمحاصصة قد فشلت في إنجاز المهمة المنوطة بها نتيجة التجاذبات داخلها، والتي كان سببها وجود وزراء يعملون لمصلحة أحزابهم أكثر من عملهم لصالح وطنهم.
وقد ذهب الجبالي بعيدا في رفضه لدور الأحزاب السلبي في عمل الحكومة فقدم استقالته إلى رئيس الدولة ثم رفض عرضا جديدا من «النهضة» لرئاسة الحكومة الجديدة لإدراكه أنّ طريق نجاح الحكومة مسدود بسبب إصرار حزب «المؤتمر» وخاصة «النهضة» على المحاصصة كأسلوب لتقاسم السلطة والحكم.
وقد إنتقد الجبالي السياسة التي يُصِرُّ عليها ما يسمى بتيار الصقور الغالب على مصير «النهضة»، ووجد تضامناً من بعض زعماء «النهضة»، من بينهم عبد الفتاح مُورُو نائب رئيس الحركة كما سانده شق واسع من المعارضة داخل وخارج المجلس التأسيسي. وقد فشلت المجموعة التي تعرف بالحمائم داخل النهضة والتي يقودها الجبالي في أن تُحدث أي تغيير يذكر في سياسات النهضة نتيجة غلبة التيار المتشدد على كلّ مؤسسات الحزب وخاصة مجلس الشورى الذي يعتبر مصدر كل السلطات والحاكم الفعلي للبلاد.
من تصلب الدكتاتورية إلى هيمنة البيروقراطية: فشل سياسات المرحلة
عانت الدولة التونسية ما قبل ثورة «14 جانفي» من سيطرة الأجهزة القهرية على دواليب الدولة نتيجة دكتاتورية الرئيس بن علي، إلاّ أنّ سياسات ما بعد الثورة أو ما يعرف بمرحلة الإنتقال الديمقراطي ورغم توسّع نطاق الحريات لم تعرف النجاح المرجو خاصة من الناحيتين الإجتماعية والإقتصادية، كما من الناحية السياسة، حيث وقعت المؤسسات الجديدة في كماشة البيروقراطية، فلم تُكتب مسودة الدستور ولم تنجز الأطر المنظمة لحرية الصحافة وإستقلالية القضاء. ونتج عن هذا التباطؤ ركود في كلّ دواليب الدولة، وكلما عََلَتْ الأصوات مطالبة بالتغيير جُوبهت بموجة من الإستنكار بدعوى أنّ الأطراف التي تقود المرحلة الحالية هي أطراف مُنتخبة وشرعية ولن يتم تغييرها حسب رأي الحُكّام الجدد إلاّ عبر الشرعية وصناديق الإقتراع.
ظلت الأمور تراوح مكانها وظلت حُجّة «الشرعية» سيفا مُسلّطا في وجه كل من يطالب بتسريع وتيرة التحول الديمقراطي وتجاوز المؤسسات التي يتمترس داخلها الكثير من البيرقراطيون والإنتهازيين الذين يريدون الإستمرار أطول فترة ممكنة في السلطة.
لقد وقفت «النهضة» حتى ضد أمينها العام الجبالي الذي عمل جاهدا لإنقاذ المرحلة عبر دعوته إلى تأليف حكومة كفاءات إلاّ أنّ كل مساعيه باءت بالفشل ممّا اضطره إلى تقديم استقالته يوم الثلاثاء الماضي إلى رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي رافضاً عرضاً جديداً قُدّم له من «النهضة» للعودة إلى رئاسة الحكومة الجديدة. كما إعتبر الرجل الثاني في «النهضة» عبد الفتاح مورو الذي ساند الجبالي، أن «النهضة» مسؤولة عن البطء في كتابة الدستور ودعا حزبه وباقي أحزاب «الترويكا» إلى تسليم مقاليد السلطة إلى من هم أجدر منهم إن لم يستطيعوا إخراج البلاد من أزمتها.
ونسب موقع «مريانا» الفرنسي إلى مورو قوله للغنوشي عليك الرحيل لأنّ الثورة لم تقم من أجل تقديم مفاتيح السلطة للمتطرفين السلفيين أو اليساريين. ورغم أنّه نائب رئيس حركة «النهضة» الإسلامية فقد سبق وأن تعرّض الشيخ مورو إلى الإتّهام بالزندقة عند زيارته لمحافظة المنستير كما وقع الإعتداء عليه بالضرب من قبل سلفيين في محافظة القيروان.
و يرى راشد الغنوشي أنّ تشكيل حكومة تكنوقراط هو بمثابة «انقلاب مدني» في معرض ردّه على الأمين العام لحركته حمّادي الجبالي وعلى نائبه مورو جاء ذلك خلال المسيرة التي أقامتها الحركة الأحد الماضي في العاصمة تونس، حيث بعث الغنوشي من خلال خطابه الذي ألقاه في الجموع التي حضرت المسيرة برسائل في كلّ الإتجاهات ، إلى حركته وإلى المعارضة وإلى الخارج فكانت رسالته الى شق الحمائم داخل «النهضة» أنّ من يخرج على إجماع الحركة «سيجد نفسه في الفراغ»، مُلَمِحًا إلى الجبالي، ومؤكداً أنّ «النهضة» هي التي تجعل أعضاءها شخصيات مهمة و«هم بدونها لا شيء».
وأكّد الغنوشي خلال خطابه في كلام أعتبر مُوَجّها إلى المعارضة وإلى الخارج وخاصّة فرنسا، أنّ الشرعية الإنتخابية هي الأساس وأنّ «النهضة» لن تُسلم الأمانة (يعني السلطة) التي سلّمها إيّاها الشعب وقال:«النهضة لن تفرّط في السلطة مادامت تحظى بثقة الشعب وهو مصدر كل شرعية وهذه المسيرة الكبرى جددت مسيرة «14 جانفي» لتقول نحن مع الشرعية ومع إستقلال قرارنا الوطني ونرفض أيّ تدخل خارجي في شؤوننا».
بدائل المستقبل: وكأنك يا بوزيد ماغزيت
في ظل هذه الظروف تتبادر إلى الأذهان أسئلة كثيرة أهمها : ما هي آفاق مستقبل تونس؟ وهل ستدخل البلاد في مأزق تأسيس حكومة جديدة في ظل إصرار«النهضة» على تأليف حكومة من الكفاءات والسياسيين ورفضها التفريط في الوزارات السيادية (الداخلية والخارجية والعدل)؟ وهل تتجاوز«النهضة» خوفها من إقصائها وشكّها الذي طال حتى قياداتها حين إعتبرت دعوة امينها العام إلى تأليف حكومة تكنوقراط مشروعاً لإعادة حزب بن علي وإعتبرت الداعين اليها«ممّن يحنّون إلى العصر البنفسجي»وهو لون حزب بن علي؟ هل يعني ذلك تلميحاً لحديث يتردد عن وقوع الجبالي تحت تأثير حامد القروي والهادي البكوش الوزيرين الأوّلين السابقين لـ بن علي واللذين ينحدران من نفس الجهة التي ينحدر منها الجبالي؟.
وفي ظل تمسك الجبالي بموقفه بسبب «عدم التقارب في وجهات النظر مع حركة النهضة»، كما صرح زياد العذاري عضو مجلس الشورى للحركة، وفي ظل عجز التيار المعتدل الذي يقوده عبدالفتاح مورو والجبالي وسمير ديلو في إحداث أي تغيير في سياسة «النهصة»، يبدو أنّ الأمور ستعود إلى المربع الأوّل، أي ما قبل تكوين حكومة الجبالي، وسيستمر مسلسل تأليف الحكومة الجديدة في استهلاك الجهد والوقت والمال مع تفاقم أزمات البلاد المعقدة أصلاً، وهكذا يمكن أن يصدق المثل القائل «وكأنك يا بوزيد ما غزيت».
ويعتقد ملاحظون أن تشهد الساحة السياسية التونسية تغييرات دراماتيكية بعد بداية الحديث عن وجود تَوَجُّه داخل «النهضة» للإنشقاق ويعتقد محللون أن هذا الإحتمال قد بدأ فعلا باستقالة النائبة في المجلس التأسيسي عن كتلة «النهضة»، فطُّومة عطية، التي نسبت إحدى الصحف إليها أنّها قالت: «أعتذر لكل من انتخبني لأنّهم جعلوني كاذبة»، وأضافت حسب نفس المصدر أنّ رئيس الحكومة الجبالي صادق ووطني. وإذا أضفنا الى هذا موقف مورو الداعم للجبالي وتوجهاته والمنتقد للغنوشي فقد تبدو كل هذه المواقف هبوباً لرياح خفيفة إن لم تُطوّق بمزيد من الحوار الديمقراطي فقد تتحول إلى رياح صرصر.
وأخيرا هل تكون كل هذه المعطيات مؤشرات وتعبيرات عن توجه حقيقي للإنشقاق داخل «النهضة»؟ أم هي لا تعدو كونها ظاهرة عادية تدل على حالة ديمقراطية وظاهرة صحية داخل حركة «النهضة»؟
Leave a Reply