دمشق، عواصم – إذا كان مسار المفاوضات الأميركية الروسية حول الأزمة السورية قد شهد انفراجات منذ لقاء وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف في برلين والذي تبعه اتصال هاتفي بين الرئيس باراك أوباما وفلاديمير بوتين للتأكيد على التمسك بالحل السسياسي للأزمة، فإن المسارات والملفات المعقدة المرتبطة بالأحداث السورية، لا تنبئ بانفراجات قريبة على الساحة السورية مع التمسك الخليجي، ولا سيما القطري، بقرار الحرب على سوريا وزيادة تمويل وتسليح المعارضة لتحقيق مكاسب ميدانية علها تحسن الموقف التفاوضي للعديد من الدول المنخرطة في الأزمة.
المعارضة المسلحة، وفي محاولة للتأكيد على قدرتها في الصمود أمام ضربات الجيش السوري، قامت بالهجوم مطلع الأسبوع الماضي على مدينة الرقة التي ظلت بعيدة نسبياً عن الفوضى المسلحة في البلاد.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان الخميس الماضي، إن لافروف بحث مع نظيره الأميركي الوضع في سوريا، مشيرة إلى أن الاتصال جاء بمبادرة من الجانب الأميركي. وأضاف البيان ان «لافروف وكيري ناقشا أيضا المسائل المرتبطة بالتسوية السلمية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عدد من المشاكل في العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن ضمنها حالة الأمور المتعلقة بأوضاع الأطفال الروس الذين تبنتهم عائلات أميركية» في إشارة تؤكد أن المفاوضات الأميركية الروسية لا تقتصر على الأزمة السورية بل على ملفات المنطقة برمتها إضافة الى العلاقة بين الدولتين العظمتين.
وجاء الاتصال بين لافروف وكيري قبل ساعات من اجتماع بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد وزير الخارجية الأميركية ويليام بيرنز، في لندن، لايجاد مخرج للازمة السورية.
على المسارات الإقليمية المتشابكة وبعد أن تكثفت الاتصالات بين موسكو وواشنطن. وفيما كانت دمشق وانقرة تتبادلان الانتقادات، تحرك العراق لمحاولة ضبط حدوده المهددة بامتداد النيران السورية اليها، فيما تزايد القلق في اسرائيل من الوضع في منطقة هضبة الجولان، وذلك في وقت كان الطيران السوري يواصل غاراته على الرقة بعد أيام من استيلاء المسلحين عيها.
وأعلن العراق إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود السورية، وبدأ باعتماد مراقبة جوية لطول الحدود اثر الاشتباكات على معبر اليعربية بين القوات السورية والمسلحين، الذين قتلوا 48 جنديا وموظفا سوريا في الانبار أثناء إعادة نقلهم إلى بلادهم.
وفيما كانت دمشق تكشف عن أجهزة تجسس إسرائيلية قرب طرطوس، أعربت الدولة العبرية عن مخاوفها من تسخين جبهة الجولان بعد خطف مسلحين متشددين 21 عنصرا من «الاندوف». وفي حين دارت اشتباكات بين الجيش السوري ومسلحين من المعارضة في قرى قريبة من منطقة الجولان، اشارت تقارير الى ان مخاوف اسرائيل نبعت من تزايد نفوذ القوى الإسلامية، خصوصاً تنظيم «القاعدة»، في المناطق التي سقطت في أيديهم. وزادت هذه المخاوف بشكل كبير إثر الإعلان عن سيطرة جماعات إسلامية على مخازن أسلحة، وقواعد صواريخ من طراز «سكود» في مناطق بعيدة حتى الآن عن الحدود. كذلك، فإن سقوط قذائف هاون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في هضبة الجولان فاقم من هذه المخاوف.
ودخلت الأزمة السورية منعطفا جديداً الأسبوع الماضي، بعدما بدا أن جامعة الدول العربية، تخلّصت أكثر من صورتها الجامعة والموحّدة، ولو افتراضيا، وتحدثت بشكل لم يسبق له مثل في تاريخ الأزمة المستمرّة منذ عامين، كما لو أنها تعلن الحرب على سوريا، سياسيا وعسكريا.
وفي ظل ضغوط علنية واضحة من قطر والسعودية، وتعثّر محاولات التسليح واللجوء الى «البند السابع» في مجلس الأمن الدولي بسبب الرفض الروسي والصيني، بدا كأن الجامعة العربية قررت «تعريب» عملية تسليح مقاتلي المعارضة في سوريا، ما سيؤدي حتما إلى وصول أنواع أقوى وأكثر تطورا من الأسلحة إلى الداخل السوري، ما قد يفاقم من حدة المعارك، وسقوط أعداد أكبر من القتلى والجرحى والمزيد من الدمار والبؤس.
كما أن وزراء الخارجية العرب تجاهلوا وجود قوى المعارضة السورية المتنوّعة لمصلحة «الائتلاف الوطني السوري» الذي ولد في الدوحة، وطالبوه بتشكيل «هيئة تنفيذية» لتسلم مقعد سوريا في الجامعة والمشاركة في القمة العربية في الدوحة في 26 اذار الحالي. وسارعت دمشق إلى الرد برفضها القرار، مع التأكيد على تعاونها مع الجهود الدولية لحل الأزمة، لكن من دون أي دور للجامعة فيها.
وقال وزراء الخارجية العرب، في بيان في ختام اجتماعهم في القاهرة، «جدد مجلس وزراء الخارجية العرب تأكيده اعتبار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية السوري الممثل الشرعي للشعب السوري والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية».
وأكد البيان «أهمية مواصلة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، مع التأكيد على حق كل دولة وفق رغبتها تقديم كافة وسائل الدفاع عن النفس، بما في ذلك العسكرية، لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر»، داعيا إلى «عقد مؤتمر دولي في الأمم المتحدة من أجل إعادة الإعمار في سوريا».
وتابع البيان «تحفّظ العراق والجزائر على البند المتعلق بدعوة الائتلاف إلى تشكيل هيئة تنفيذية لشغل مقعد سوريا في الجامعة، باعتباره يتعارض مع أحكام الميثاق، فيما نأى لبنان بنفسه عن القرار» بعد أن تقدم وزير الخارجية اللبناني بطلب إعادة سوريا الى الجامعة وهو ما قوبل بـ«غضب ووعيد خليجي».
وأعلنت دمشق رفضها لقرار الوزراء العرب. وذكرت وزارة الخارجية السورية، في بيان، إن «سوريا تؤكد تمسكها بمبادئ أساسية لا تراجع عنها في إطار التعامل مع أي مسعى دولي لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، وهي أولاً أن جامعة الدول العربية اختارت منذ تدخلها في مسار الأزمة في سوريا أن تكون طرفا منحازا لصالح جهات عربية وإقليمية ودولية تستحضر التدخل العسكري الخارجي في الأزمة، وتعرقل أي حل سياسي يقوم على الحوار الوطني، وتشجع وتموّل أطرافاً في المعارضة ومجموعات إرهابية متطرفة تعمل على تأجيج الأزمة من خلال عمليات قتل الأبرياء وتخريب البنى التحتية واستهداف الجيش العربي السوري وقوى الأمن وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد».
الإستشراس القطري، جاء بعد زيارة كيري للدوحة الذي قدم ضوءاً أخضر أميركيا لعملية تسليح المعارضة، معتبرا أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما واثقة بأن غالبية الأسلحة التي تقدمها دول حليفة لواشنطن تصل إلى «المعتدلين» في سوريا، لكنه شدد على أن «بيان جنيف» هو الحل بالنسبة للمعارضة والحكومة السورية.
كما كان التناغم القطري الأميركي واضحا في الهجوم على الرئيس السوري بشار الأسد، حيث شن رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، كما فعل كيري ايضا، هجوما على الاسد، مدافعا عن تقديم أسلحة إلى المعارضين، موضحا «الآن هناك تغيير في الموقف الدولي والأميركي (من الأزمة السورية) وهم يتكلمون عن أسلحة»، معربا عن أمله في أن «يؤدي ذلك إلى نصر الشعب السوري في أسرع وقت ممكن».
من ناحيته، حذر الرئيس السوري بشار الأسد من أن «سوريا هي بمثابة خط تماس جغرافياً وسياسياً، واجتماعياً، وأيديولوجياً، لذلك فإن اللعب بهذا الخط ستكون له تداعيات خطيرة في سائر أنحاء الشرق الأوسط»، وشن هجوماً على تركيا وقطر والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة لدعمهم «الإرهابيين»، مؤكداً استعداده للتحاور مع المعارضين، بمن في ذلك من «يسلمون سلاحهم».
في هذا الوقت، كانت القوات السورية تحرز تقدماً ميدانياً مهماً على الأرض، وسيطرت بشكل كامل على الطريق الدولية من حماه إلى حلب، وهو أمر يتيح لقوى الجيش وقواعده في مدينة حلب الحصول على تعزيزات مباشرة وسريعة، في المعركة المستمرة منذ ثمانية أشهر.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أكدا، في بيان مشترك في لوزان، أن «الأمم المتحدة سترحب وتكون مستعدة لتسهيل الحوار بين وفد قوي يمثل المعارضة ووفد للحكومة السورية يتمتع بمصداقية ولديه تفويض منه». وأعربا عن «خيبة أمل شديدة لفشل المجتمع الدولي في القيام بتحرك موحد» لوضع حد للنزاع في سوريا.
Leave a Reply