عواصم – تحولات لافتة شهدتها الأزمة السورية عشية الذكرى الثانية لاندلاعها، لعل أبرزها كانت الدعوة الأميركية الصريحة للمعارضة السورية بضرورة الجلوس الى طاولة المفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن ظلت واشنطن لأشهر طويلة متمسكة بشرط تنحي الأسد عن الرئاسة للسير في الحل السياسي للأزمة. ولكن الموقف الأميركي المتماهي مع الموقف الروسي عاد وعكره موقف فرنسي-بريطاني يسمح بتسليح المعارضة السورية رغم الإعتراف الغربي الصريح بأن «جبهة النصرة» المصنفة على لائحة الإرهاب الأميركية باتت تشكل الجزء الأكبر من قوة المعارضة المسلحة.
حريق يندلع في أحد المباني في مدينة الرقة التي اقتحمها مئات المسلحين وسيطروا عليها. (رويترز) |
واللافت أن قرار باريس-لندن جاء عكس الإرادة الأوروبية، ولاسيما ألمانيا التي اقتربت وجهتها من الوجهة الروسية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وهو حسب المراقبين ما منع الإتحاد الأوروبي حتى الآن من إعتماد قرار حول تسليح المعارضة رغم الإغراءات الخليجية التي يبدو أنها آتت أكلها في لندن على الأقل، حيث ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» نقلاً عن مصادر مطلعة، أن قطر بدأت محادثات مع الحكومة البريطانية، لاستثمار ما يصل إلى عشرة مليارات جنيه استرليني (14,92 مليار دولار)، في مشاريع حيوية للبنية التحتية في بريطانيا.
وبالعودة الى المسار الأهم، الروسي-الأميركي، فقد تطابقت رؤية واشنطن مع النظرة الروسية للحل السلمي القائمة على إعلان جنيف الذي أصبح حسب التفسير المتفق عليه ينص على تشكيل حكومة انتقالية تنبثق عن حوار بين المعارضة و«فريق الأسد».
وبعد يوم من تقديم لندن رؤية مخالفة للتوجّه الأوروبي حول تسليح المعارضة السورية، ردّت موسكو من العاصمة البريطانية بموقف واضح عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف يرى في التسليح خرقاً للقانون الدولي، ويشدد على ضرورة التحرك حسب بيان جنيف.
وفي تطوّر لافت، رأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنّ تشكيل حكومة انتقالية في سوريا لا يتطلب فقط أن يغيّر الرئيس السوري من حساباته، بل والتوصل إلى توافق أكبر بين القوى المعارضة له. وقال كيري، في مؤتمر صحافي مع نظيره النرويجي أسبين بارت إيدا، «نريد أن يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تم التوصل إليه في جنيف». وبحسب قول كيري «هذا ما نسعى إليه… والتوصل إلى هذا الأمر يتطلّب أن يغيّر الرئيس الأسد الحسابات لكي لا يظن أنّه يستطيع إطلاق النار إلى ما لا نهاية، كما يجب أيضاً أن تجلس إلى طاولة المفاوضات معارضة سورية مستعدة للتعاون». وأشار إلى أنّ الولايات المتحدة تستمرّ في الضغط على المعارضة السورية لتأمين وحدة صفوفها.
أما فرنسا وبريطانيا فقد أعلنتا الخميس الماضي عزمهما على تزويد المعارضة السورية بالأسلحة، سواء بموافقة الإتحاد الاوروبي أم بدونها، في خطوة دفعت بالاخير الى إعلان استعداده للبحث في هذا الملف «بلا تأخير» لا سيما بعدما أبدت ألمانيا استعدادها للبحث في هذه المسألة في إطار الإتحاد.
وصرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مقابلة مع اذاعة «فرانس إنفو» إن فرنسا وبريطانيا تطلبان «من الأوروبيين الآن رفع الحظر ليتمكن المقاومون من الدفاع عن انفسهم». ولاحقا اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قبيل افتتاح قمة الإتحاد الأوروبي في بروكسل أنه يأمل أن «يرفع الأوروبيون الحظر» على الاسلحة للمعارضة السورية.
وعقد الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اللذان يلتقيان على الموجة نفسها حول هذا الموضوع، لقاء على انفراد قبل بدء القمة رسميا، فيما برزت دعوة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وهو أول رئيس إسرائيلي يتحدث في البرلمان الأوروبي منذ حوالي 30 عاماً، إلى تدخل قوة تابعة للجامعة العربية في سوريا «لوقف المجزرة» في هذا البلد، داعياً إلى «إحلال السلام» في الشرق الأوسط.
وقال بيريز في خطاب أمام النواب الأوروبيين إن «الجامعة العربية يمكنها، ويجب عليها، أن تشكل حكومة مؤقتة في سوريا لوقف المجزرة، ومنع سوريا من الانهيار. على الأمم المتحدة أن تدعم قوة حفظ سلام عربية»، مضيفاً «لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي فيما الرئيس السوري يقتل شعبه وأطفاله».
وتابع «الحل الأفضل لوقف المأساة السورية هو السماح للجامعة العربية، وسوريا عضو فيها، بالتدخل»، مشيراً إلى أن «تدخلاً غربياً سينظر إليه على أنه تدخل أجنبي».
وأدى النزاع في سوريا بحسب الأمم المتحدة الى سقوط أكثر من 70 الف قتيل منذ اندلاعه في 15 اذار (مارس) 2011.
وفيما كان كيري يطلق تصريحه حول الحوار مع الأسد، انفجر الخلاف داخل «الائتلاف» السوري المعارض حول دعوة رئيسه معاذ الخطيب إلى التفاوض مع النظام، مشيراً إلى بدء العدّ العكسي لإخراجه من زعامة «الائتلاف».
وينسف الكلام الأميركي حسابات المعارضة السورية والمحور التركي-القطري-السعودي الذي لا يراهن إلا على الحلّ العسكري، وبضرورة تنحي الأسد.
وخرج الخلاف بين الصقور والحمائم في «الائتلاف» إلى العلن. واشتعلت حرب الرسائل الإلكترونية بين الخطيب الأمين العام للائتلاف المعارض مصطفى الصباغ الذي ردّ على رسالة الأول برفضه عقد اجتماع اسطنبول قبل أيام لتشكيل تلك الحكومة، مستخدماً كل الاتهامات التي تقارب التخوين. وهكذا أضحت المساكنة بين الطرفين مستحيلة، ليس بسبب عدم القدرة على إدارة الخلافات بين دعاة اختبار الحل التفاوضي الذي يدعو إليه الخطيب وأنصار الحلّ العسكري في كتلة الصباغ فحسب، بل بسبب الروزنامة القطرية الضاغطة التي تستعجل الحصول على حكومة مؤقتة من «الائتلاف» الذي رعته وتموّله منذ أن أنشأته بشراكة أميركية، وحتى أنها عيّنت أكثرية أعضائه كما يردد الكثيرون من «الائتلاف» قبل انعقاد القمة العربية بعد أسبوعين لإيلاء المقعد السوري إلى تلك الحكومة، وطرد النظام السوري نهائياً من الجامعة العربية وإسقاط شرعيته.
وكذلك شهد المسار اللبناني للأزمة السورية تطوراً بارزاً حيث أكدت وزارة الخارجية السورية في برقية وجهتها إلى وزارة الخارجية اللبنانية أن «القوات السورية المسلحة لاتزال تقوم بضبط النفس بعدم رمي تجمعات العصابات المسلحة داخل الأراضي اللبنانية التي تقوم بالتسلل إلى الأراضي السورية، لمنعها من العبور إلى الداخل السوري لكن ذلك لن يستمر إلى ما لا نهاية».
كما أشارت الخارجية السورية إلى أن «تدفق المسلحين والأسلحة بدأ بشكل لافت منذ صباح يوم 12-3-2013 من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي السورية في منطقة القصير وجوسية وحتى تاريخه وكذلك الدعم اللوجستي الواضح من داخل الأراضي اللبنانية وكذلك نقل القتلى والجرحى من العصابات المسلحة بسيارات إسعاف إلى داخل الأراضي اللبنانية».
ميدانياً، واصل الجيش السوري استهداف معاقل المعارضة المسلحة في ريف دمشق وشمال البلاد، وسط استمرار نزوح الأهالي في العديد من المناطق خاصة في محافظة الرقة التي سيطر المسلحون على مركزها ومناطق متفرقة منها. كما يستمر تدفق اللاجئين الى الدول المجاورة حيث بات يقدر عدد هؤلاء بأكثر من مليوني لاجئ.
من جهة أخرى، قال مدير المخابرات الأميركية جيمس كلابر الثلاثاء الماضي إن قوات المعارضة تكتسب قوة وتربح أرضا لكن المعارضة السورية ما زالت مجزأة وتجد صعوبة في احتواء تدفق المقاتلين المتشددين الاجانب.
وقال كلابر في جلسة للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأميركي عن المخاطر الامنية العالمية ان أجهزة المخابرات الأميركية لا تعرف إلى متى سيستطيع الرئيس السوري بشار الاسد الاحتفاظ بسيطرته على الحكم في البلاد.
وأضاف «يطرح السؤال: إلى متى سيستمر الاسد؟ وردنا المعتاد هو: أيامه معدودة. لكننا لا نعرف عددها. في تقديرنا هو ملتزم للغاية بالبقاء هناك والاحتفاظ بسيطرته على النظام».
واشار كلابر الى تزايد المقاتلين الأجانب بين معارضي الاسد وكثيرون منهم مرتبطون بـ«جبهة النصرة» المنبثقة عن تنظيم «القاعدة» في العراق.
وفي سياق متصل قالت أسبوعية «دير شبيغل» الألمانية نقلا عن معارضين سوريين إن الولايات المتحدة تقوم بتدريب مقاتلي المعارضة في الأردن.
وقالت الصحيفة إنه ليس واضحا ما اذا كان الأميركيون الذين يتولون تدريب المقاتلين السوريين يعملون لصالح شركات خاصة ام انهم من عناصر الجيش الأمريكي، ولكنها أكدت ان بعضا منهم على الأقل يرتدون الزي العسكري. ويتركز التدريب على استخدام الأسلحة المضادة للدروع.
وقالت الصحيفة إن 200 مقاتل تقريبا قد اكملوا التدريب بالفعل في الاشهر الثلاثة الماضية، وان هناك خطة لتدريب 1200 من عناصر «الجيش السوري الحر» في معسكرين يقعان جنوبي وشرقي الأردن.
من جانبها، قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية إن مدربين أميركيين يقومون بتدريب مقاتلي المعارضة السورية في الأردن، مضيفة ان مدربين بريطانيين وفرنسيين يشاركون في هذا النشاط الذي تقوده الولايات المتحدة.
وقالت «دير شبيغل» إن جهاز المخابرات الأردني يشارك ايضا في برنامج التدريب الذي يهدف الى إعداد 12 وحدة تقريبا تضم 10 آلاف مقاتل باستثناء الاسلاميين المتشددين. وقد رفض ناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية التعليق على ما جاءت به الصحيفة الألمانية، كما امتنعت وزارة الخارجية الفرنسية ووزارتا الدفاع والخارجية البريطانيتان عن التعليق.
من جانبه، قال وزير العدل الأميركي إريك هولدر الذي زار السعودية الأسبوع الماضي، إن بلاده ترفض تزويد قوات المعارضة السورية بالسلاح، لأن عناصر تنظيم «القاعدة» يشكلون جزءاً كبيراً من «الجيش السوري الحر».
Leave a Reply