Do not pray for easy lives, pray to be stronger men. Do not pray
for tasks equal to your powers, pray for powers equal to your tasks.
Philip Brooks
«لا تطلبوا من الله حياة سهلة، بل اطلبوا منه أن يجعلكم أناساً أقوياء. ولا تطلبوا أن تكون مهامكم على قدر طاقاتكم، بل ادعوا أن تكون طاقاتكم على قدر مهامكم». (فيليب بروكس)
أنت تقرأ هذا المقال بالعربية، والكاتب درس على مقاعد الدّراسة في لبنان وصاغ أولى أفكاره بالعربية وظن وهو يبني طموحاته أنه لن يغادر وطنه ولن يبتعد عن أكثر الأماكن والأشخاص حميمية بالنسبة إليه. ولكنه، وبلا طول سيرة، هاجر كما هاجرت أنت أيها القارئ. والكاتب –وإن كان يكتب بلغة الضاد– رأى أن مكوثه في هذه البلاد سيطول فقرر أن لا يضيّع الوقت بل أن يجعل وجوده في هذا المجتمع أكثر راحة له وأن يمهّد الطريق لراحة أبنائه في هذا الوطن الجديد في زمن بات بقاء أوطاننا الأم أمراً غير معلوم العواقب.
هذه ليست أفريقيا حيث الأمراض والمجاعات والإنقلابات الكفيلة بتهجير المهاجرين العرب عوداً إلى أوطانهم في «ليلة ما فيها ضو قمر»، بل نحن هنا في أميركا وما أدراك ما أميركا. هنا لسنا في دول الخليج ولن «يزعبنا» أحد تعسفا بلا إنذار أو إعلام، هنا لن يصادر الكفيل- «المواطن» الخليجي- أموالنا وأرزاقنا التي نكدح من أجلها. إنها أميركا يا عزيزي، أميركا الدولة-القارة، أميركا بولاياتها الخمسين، أميركا رمز الحرّية ومصباح العدالة، أميركا وحلمها الجميل، فرصها، تفوّق جامعاتها العلمي، أميركا الهدف الحلم لمئات الملايين من البشر. نحن في أميركا، وهذا ليس حلماً، وعلى عكس إفريقيا والخليج وغيرها من بقاع الهجرة، يبدو أننا ماكثون هنا الى ما شاء الله. لذا فعلينا أن نتوقّف قليلاً لننظر ماذا صنعنا كمجتمعات وكأفراد في عمر هجرتنا الذي فاق القرن. بل وعلينا أيضاً أن نستشرف المستقبل ونضع له تصوّرات وخططاً نعمل على تحقيقها.
من درس في العالم العربي لا بد وأن تساءل ذات عشية وهو يحاول حفظ درس التّاريخ عن السبب الذي يجعله مضطراً لدراسة تاريخ الأمويين والعباسيين والحربين العالميتين وتاريخ لبنان والعالم العربي وغيرها من الأسماء والتواريخ التي ما أنزل الله بها من سلطان. «لماذا عليّ أن أحفظ وأدرس هذا الكم الهائل من المعلومات؟ بماذا ستنفعني دراسة التاريخ في حياتي العملية؟ لماذا كل هذا الحشو في مقرراتنا التّعليمية؟» لقد تبيّن لي بعد تفكير أن دراسة التاريخ تكاد تكون أهم ما يفيد المرء في أي إختصاص يدرسه وأي حقل يعمل فيه، هذا ناهيك عن أن من لا يعرف التاريخ لا يعرف المستقبل. فالمهندس على سبيل المثال إنما يدرس التّاريخ حين يقرأ نظريات نيوتن الفيزيائية ونظريات أينشتاين الرّياضية فهؤلاء أصبحوا تاريخا، ومهندسو اليوم بحاجة لدراسة تاريخهم وإنتاجاتهم لصنع سيارات وطائرات وأبنية وطرق الحاضر والمستقبل. والأمر كذلك بالنسبة للطبيب الذي يدرس نظريات الأطباء الأولين وتجاربهم واكتشافاتهم من أبقراط الى أبو بكر الرّازي وصولاً الى مندل وباستور وغيرهم. وهذا ينطبق على المحامين والقانونيين وحتى على من يدرس أصول التجارة والأعمال. لذا فالنظر في التاريخ والتّعلم من تجارب الآخرين من شأنه أن يوفر علينا الجهد والوقت. وكمجتمع لا بد أن نستفيد من تجارب مجتمعات وجاليات سبقتنا في هذه البلاد ونجحت، أن نقرأ تاريخهم ونتعلّم من نجاحاتهم ونتجنّب الوقوع في ما أفشلهم.
في جاليتنا العربية طاقات خلاقة من المثقفين وحملة الشهادات العليا والناجحين في مجالات الأعمال. كل عام أعداد أكبر من الشّباب يتخرّجون من الجامعات بأعلى الدرجات وأرفع الشهادات، وأصبح بإمكاننا القول أن جاليتنا العربية أصبحت زاخرة بالأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة والأكاديميين من حملة الماجستير والدكتوراه في العديد من الإختصاصات.
لكن هذه الكثافة في المثقفين والمتعلمين لم تُثمر سوى نجاحات ضئيلة على مستوى الجالية ككل، بل إنحصر النجاح بالشّخص والفرد ولم تستطع الجالية بعد في أن تسخّر هذه الطاقات لخدمة مجتمعها بالحجم المطلوب.
لماذا؟؟ سؤال مهم ويجب التّفكير به ملياً والتّوصل لإجابة لكي تتم معالجتها.
– انخراطنا وعملنا السّياسي كمواطنين، إقتراعاً وترشيحاً، في هذا البلد وفي هذه المنطقة لا يزال خجولاً. لم يكن لأحد منا حتى الأمس القريب أي منصب منتخب مهم في ديربورن عاصمة العرب والمسلمين في أميركا. وأمامنا إمتحان الإنتخابات المحلية في الصّيف القادم ولنرى ماذا سنفعل.
– المؤسسات الدينية لم تعد تُلبّي طموحات الناس وتطلعاتهم وتحول معظمها الى منابر لجمع التبرعات دون تقديمات تذكر.
– عدد لابأس به من أهلنا في الجالية يعاني من الفقر، البعض يكتفي بالولفير، تخدره الدفعة الشهرية ويكم فاهه «الفودستامب» من شهر لآخر، بينما باستطاعته لو عمل وكدح أن يُحصِّل أضعاف ذلك، ولكنه حدّ من طموحه وثبطت عزائمه خوفاً من أن ينقطع المدد.
– يوجد لدينا سوء فهم لنظام الضرائب بل لدينا إختصاص في إيجاد مخارج قانونية وغير قانونية للتهرب منها. وكأن هذه الأموال لن تعود في النهاية الى صاحبها في أيام شيخوخته.
– المؤسسات الإجتماعية غير فعالة سوى في المناسبات ويقتصر عملها على ردة الفعل والعراضات من دون تخطيط وأخذ لزمام المبادرة.
– غرف التجارة والمؤسسات والأندية الإقتصادية تهتم أكثر بتعاملاتها مع الخارج، أما أصحاب الأعمال والمتاجر والمحال وكأنهم لم يسمعوا قط بجمعيات التجار وأهمية التعاون التجاري.
– أماكن ومرافق الترفيه في الجالية تتركز في المطاعم والمقاهي التي شهدت انتفاخاً هائلاً في الآونة الأخيرة.
– المؤسسات والأندية الثقافية نادرة وغير فعالة بشكل كاف.
– حتى الأطباء والصيادلة والمحامين غير سالمين من العدوى، وما قرأناه في وسائل الإعلام من آفات في هذه المهن خلال الأشهر الماضية أصدق برهان.
لدينا إمكانات هائلة، طاقات علمية ومتمولون وأشخاص راغبون في التغيير للأحسن، تراهم يبحثون عن عمل خير يساهمون فيه. يتبرعون بالأموال لأعمال البر، وينتفضون عند كل نازلة تحل بالوطن العربي، يحرصون على أن يحصل أبناؤهم على ما حرموا هم منه. لكن ليس هناك عمل جماعي يؤسس لهؤلاء الابناء ليصبحوا من قادة وسادة هذه البلاد، العمل الفردي ينتهي بموت الفرد بينما تبقى المؤسسة ولو توفي كل مؤسسيها.
اللائحة أعلاه ليست للإنتقاص من أحد وليست «للنّق» على العيوب. بل هي باب للدخول الى هذه المشاكل واحدة تلو الأخرى والغوص فيها. الإنتقاد بدون تقديم الحلول ليس عملاً بنّاءً لذا سنأخذ هذه المواضيع كلاً على حدة في المقالات التي ستأتي تباعاً وسنقدم بعض الحلول والمقترحات. واهلاً وسهلاً بكل آرائكم s-alameen@hotmail.com
Leave a Reply