أنظروا إلى هذا المشهد في البلد الفلتان الذي اسمه لبنان! رئيس الحكومة الذي خان وأغضب من أوصلوه ولم يرض من غضبوا عليه رغم كل تزلفاته الكثيرة لهم فخسر الدُّنيا والآٓخرة، أطلق مزحةً ثقيلة وهو غير معروف بخفَّة دمِّه، وكأنَّ البلد يحمل المزاح وسط الضغط المعيشي، فطالب بتطبيق المشروع «الأرثوذكسي» للانتخابات بالمقلوب أي ينتخب المسلم النائب المسيحي وينتخب المسيحي النائب المسلم. نجيب الحريري «يقرِّق» على الشعب اللبناني ولسان ُحالِه يقول «يا جبل مايهزّك ريح» فلا يهم عنده أنَّ طلاب المدارس الرسمية من دون تعليم منذ أكثر من أربعة أسابيع بسبب إضراب المعلِّمين المحِّق، طبعاً ماعدا طلَّاب المدارس الخاصَّة التي يتعلَّم فيها أولاد النواب والوزراء وأذيالهم من طبقة الـ٤ بالمئة، ولا يهم أن الحق المفروض للعمَّال بالنسبة لسلسلة الرُّتب والرواتب هو في أسفل اهتمامات أسوأ رئيس حكومة بعد فؤاد السنيورة طبعاً، رغم إقرار مجلس النوَّاب لها ولو خرِب البلد لأنَّ زيادة رواتب العمَّال وذوي الدَّخل المحدود ستُقتطع من جيبه وماله الخاص. بالنهاية، في عهد سليمان-ميقاتي لايعاني إلا الفقير و«الزَّودة» لا تحق إلا لأصحاب الجيوب الممتلئة مثل الرؤساء والوزراء والنواب «المعتِّرين» (حرام.. شي بيقطِّع القلب).
لكن ميقاتي لم يفوِّت جلسة واحدة من جلسات مجلس الوزراء من دون أن يرضخْ، مثل «التلميذ النجيب»، لمطالب أصحاب محطَّات المحروقات «الزناكيل» ويرفع الجعالة على صفيحة المازوت لتزيد الأعباء على اللبنانيين الفقراء! ذلك أن النجيب هو نصير أصحاب المليارات أحباب قلبه. ألم يظهر اسمه على «ليستة» أصحاب المليارات في العالم؟ مليارات ميقاتي هي فخرٌ للبنان تماماً مثل أكبرصحن حمّص وتبّولة؟! والُمضحك المُبكي في ذلك أنَّ ميقاتي ليس مشهوراً «السَّلعْدة»، كما يقول أهل جبل عامل، بنبوغه المالي أو الاقتصادي فمعظم ثروته جمَّعها من خلال علاقاته وأعماله في سوريا التي أنعمت عليه وعلى معلِّمه وأتَتْ به رئيساً للحكومة بينما كان أقصى طموحه هو أن يصبحَ وزيراً، ولكنَّه في أقربِ فرصةٍ ارتدَّ عليها (مثل رئيسه) بدليل أن جُلَّ همِّه اليوم اقتصرَ ليس على لقمة عيش النَّاس بل على «تأديب» وزير الخارجية الوطني عدنان منصور، صاحب الأصل والضمير، بسبب تعبيره عن وجهة نظره ودعوة «جامعة الخربة العربية» لإعادة عضوية سوريا للمساهمة في الحل السلمي في البلد الشقيق وسط القرارات المجنونة وصيحات الحرب وتزويد الجماعات المسلَّحة علناً بالسلاح النوعي للإمعان في قتل الشعب السوري. حتى سيِّدهم الأميركي سلَّم بوجود الأسد، فماذا هم فاعلون؟ ولم يشفعْ لمنصور التزامه سياسة «النأي بالنفس» المنافقة الأفَّاكة الموجَّهة ضد سوريا، كما لم يشفعْ له كلامٌ سابقٌ لميشال سليمان مماثل تماماً لكلمته أمام الجامعة والذي كشفته «الأخبار». إذ كيف يترك صاحبا الحياد السلبي، نهرو وسوكارنو، هذه «المؤامرة» من قبل منصور تمرّ وقد أثارت غضب قطر والسعودية إلى درجة إرسال موفد «مجلس التعاون الخليجي» إلى بيروت من اجل هزّ العصا للدولة المرتعدة الأوصال حتى من «كراكوز» في صيدا، وملوِّحاً بورقة ابتزاز رخيصة بطرد العمَّال والموظفين اللبنانيين من الخليج؟ لكن منصور ليس مقطوعاً من شجرة وليركب «١٤ عبيد زغار»، وحلفاؤهم السرُّيون والعلنيون، أعلى ما في خيلهم وْليجرِّبوا أن «يدقّوا» بالوزير الوطني إذا استطاعوا.
ميشال سليمان بدوره أنَّب وزير الخارجية على موقفه المشرِّف وذلك إرضاءً لـ«قرطة حنيكر» متناسياً كلامه هونفسه عن ذات الموضوع، ثم غادر مجدداً في رحلة إلى الخارج تأخذه إلى أفريقيا لتفقد أحوال اللبنانيين هناك متناسياً، بل غير مهتم، بأحوال اللبنانيين المعرَّضين لخطر الطرد التعسٌّفي الجبان في الخليج واللبنانيين المطرودين من الامارات، أو بأحوال الحجَّاج اللبنانيين المختطفين على يد العصابات المجرمة في سوريا وتركيا! لكن مهلاً، أليس هو القائل لأهاليهم «لشو جايين لعنٌا روحوا لعند جماعتكن»؟ وفي الوقت الذي يتعرَّض فيه ٤٠٠ ألف طالب لتعطيل دراستهم ومثلهم من العمال والموظفين المهدَّدين بقطع أرزاقهم، تتوقَّف طائرة ميشال سليمان في الجزائر من اجل تناول طعام الغذاء مع حاشيته، مما يكلِّف الخزينة المفلِّسة والمحرَّمة على العُمَّال والأساتذة وذوِي الدَّخل المحدود، أعباءاً ضخمة نتيجة إقلاع وهبوط وتكاليف الرَحَلات الرئاسية التي لم نعرف خيرها من شرِّها حتى الآن ولم نعلم ما اذا كانت متعلقة بالامن القومي والاهمية القصوى في وقتٍ يعيش فيه البلد على كفِّ عفريت. تكاليف الاسفار، التي هي لزوم ما لا يلزم، قد تعيلُ أُسَراً مستورة لا تملك غذاءاً فاخراً لا يشكِّل واحداً بالمئة من غذاء الرئيس في الجزائر!
ولم يكنْ ينقص هذا المشهد«الخلَّاب» إلَّا عَبَث «كراكوز» صيدا وتحريضه المذهبي على الجيش واستجابة بعض السلفيين لدَجَله بعد نَهْش كرامة الجيش وانتزاع «جَدَع» من جدعان الأسير الذي كان يقود سيارة بأوراقٍ مزوَّرة. كما لم ينقصه الَّا مشهد أشرف ريفي وهو يمنح درعاً تقديرياً لزوجة ميلاد كفوري، جاسوس فرع «المعلومات» الذي قدّم لهم الوزير ميشال سماحة، الله وحده يعلم كيف؟! كفوري المتواري عن أنظار القضاء والمتمتِّع بحراسةٍ مشدَّدة وجُعب ٍمن المال المسروق من لقمة عيش الفقراء، وصفه ريفي بـ«البطل» ورفض «إعارته» للقضاء ورغم تهمة العمالة لإسرائيل التي تحوم حوله. لقد احبَّ ريفي أنْ يفتخر بإنجازه «الأعظم» بإدانة سماحة من دون «الشاهد» قبل رحيله من الخدمة. فريفي أمبراطور يفعل ما يشاء، حتى رئيس الجمهورية ليس له سلطة عليه! والله هذا بلد مزحة، فبالأمس كَرَّم رئيس الجمهورية الخائن سعيد عقْل واليوم لا يستأهل بطلٌ من أبطال المقاومة درعاً تقديرية رغم أن دمَّه على كفَّه وهو يحمي الثغور، أوعلى الأقل أن يكفُّوا شرهم عنه، لكنَّك تراهم يساهمون في «أبلسة» المقاومة ويشاركون المحكمة الإسرائيلية في التاَمرعليها والنَّيل من ُسمعتها!!
رأسا السلطة مستعجلان على المهل الدستورية وإقرارها في مجلس الوزراء إذا تعلَّق الأمر بقانون «الستين» الميِّت وغير الدستوري، لكنَّ موضوع التصويت على شهود الزور ومحكمة الزور ليس وارداً عندهما أبداً لان حماية المقاومة يغضب جماعة «الدنيا هيك».
لو كان المتنبي حياً اليوم لاعتذرمن كافور الأخشيدي وعدَّه من أوفى الأوفياء!
Leave a Reply