أبا حسّان..أيُّها الراحلُ الكبير، الحاضرُ أبداً في الوجدان.. المُقيمُ حيّاً في الضمير، ليسَ لي وأنا أتَقَفّى أثَرَ رحيلِكَ المُفْجِع، سوى أنْ أكفْكِفَ الدمعَ لِأسْتَبْدِلَهُ بمؤاساةِ الكلِمات. أيُّها النظيف اليد، الطاهر القلب، الرحيض الثوب، الجريء غير المُحابي في حضرةِ مقالةِ الحقّ، الأنوف غير المُصانِع في حلَبَةِ السِجالِ المُنتَصِر لإرادةِ الإستقامةِ والخير. أيّها الودودُ كأنَّكَ المجبولُ مِنْ رقّةِ الملائكة، أو المُهِلُّ مِنْ طلعَةِ الصباحِ النديّ الذي يتنفَّسُ بداياتِه.
لقد عرفْتُكَ مثالاً ساطعاً في مرآةِ الأخوّةِ الصادِقة، والقَدَمَ الثابتةَ على الوفاء، والشمسَ الربيعِيّةَ الدائمة المُشِعَّةَ بالتفاؤل. وأنا أرافِقُ مسيرتَكَ العطِرةَ في الحياة والتي امتدَّتْ لأكثرَ من ستّينَ عاماً لأجِدَكَ قد حشَّدْتَ تجرُبَةً غنيّةً مشرِقَةً ملؤها العطاء والعزيمة والإندفاع في اجتِراحِ كلَّ ما هو خير، ذلك العطاء المُفعَم بمَصْدَرِهِ المنَوَّر من شُعاعِ الإيمان القويّ.
إنَّ سيرتَكَ العطِرة قد أخذَتْني إلى حيثُ أراكَ وقد أغنيْتَ الحياةَ بجُهدِكَ وعملِكَ الدؤوبَيْن ليجعلانكَ واحةَ برَكَةٍ في وجدانِ الجاليةِ بخاصّة والأمّة بعامَة. كما أراكَ وقد انصّهَرْتَ في حياةِ المركزِ الإسلاميّ منذُ بواكيرِ أيّامِهِ شآبيبَ رحمةٍ توزَّعُ إلفَتَها وإنسانيَّتَها على الجميع، وتُشيعُ المودَّةَ والأخُوَّةَ بين القائمين خلفَ مِحرابِه، رافِعاً راياتِ الإيمان مناراً لقِيَمِ الصدقِ والطُهْرِ والنقاءِ الإنسانيّ. ولمْ يكن ذلك غريباً عليك فلقد عاشَ المركزُ في قلبِكَ مثلما تَغَلْغَلَ في كلِّ هواجِسِك، فمنَحَكَ نبضَ الطمأنينة في مسيرتِكَ الإيمانيّة المتواصِلة.
إنَّ لِغِيابِكَ يا أبا حسّان وقْعُ الألَم بقُوَّةِ وقْعِ الحضور لأنّكَ ذلك النوع من الرِجال الذين لا يتجاسرُ الزمنُ على المُغامرةِ في الوصولِ إلى حدودِ النسيان ليُغَيِّبَ ذِكْرَهُم، كما لمْ تكنْ كائناً عابِراً في حياةِ الجاليةِ ولا في سِجِلِّ(المركز الإسلامي) الحافل بالأسماءِ الكبيرة والحبيبة.
رَحَلْتَ ممتَلِئاً بإيمانِكَ وصدْقِكَ، هذا الرحيل الذي يُنْبِؤنا بأنّكَ ستظَلُّ معنا، مع كلِّ شرفاءِ الجاليةِ حيّاً. أجل ستظلُّ إسماُ لايغيب..يسطعُ نقاءً واستِقامَةً. نستذكِرُ أيّامَكَ وطيبتَكَ ونسْتَعيدُها كلّما اشتدَّ الظلامُ في ليالينا الحالكة، ورغم أنّكَ قد غِبْتَ عن الأعيُن، لكنّكَ انتقلْتَ مقيماً عزيزاً في قرّةِ عينِ الذاكرة.
نودِّعُكَ ونحنُ أحوجُ ما نكون إلى أمثالكَ في المناقبيّةِ واستجلاءِ حسنِ الخُلُق والمواقف الإنسانيّة المأثورة.
وفي ذكراكَ ياأبا حسّان أحيّي بآسمِكَ جميعَ الشرفاءِ أولئكَ المؤسّسين للمركزِ الإسلامي، وفي مقدِّمتهم المؤسّس الأوّل الراحل الإمام محمد جواد شري، وفقيد الدين الداعية الكبير لأهلِ البيت(ع) المرحوم الشيخ خليل بزي.
Leave a Reply