الــى الأمة العربية .. بعد «الطز»
لم يعد يليق بكِ التحية
لم يعد يليق بكِ سوى النعيق
والنهيق على أحلامك الوردية
لم يعد يليق بكِ شعارات الثورة
حين صار ربيعك العربي مسرحية
لم يعد يليــق بكِ أن تصرخيّ بالاسلام
وتهمتـكِ بالأصل أنـكِ ارهابيــة
لم يعد يليق بكِ التحيةّ..
يا أمة دفنت كرامتها وعروبتها
تحت التراب.. وهي حية
أحمد فؤاد نجم
مسرحية خان العسل: كومبارس
رغم الوجه السافر لأهداف الحرب التي شنت على ليبيا ثم على سوريا، ظلت الدعاية المناوئة تفعل فعلها لتنويم الشعوب العربية بالحديث عن أنّ أهداف العملية التي تجري في سوريا هي لتحقيق الديمقراطية. ولا نريد هنا العودة إلى المُحاججة وتأكيد أنّ فاقد الشيء لا يعطيه وبأنّ حجم التدمير والتخريب الذي يجري لا يمكن أن تكون وراءه نوايا خيّرة ولا يمكن أن تقوده إلاّ معاول الهدم.
ورغم أن المسارات الذي اتخذتها الأزمة السورية يدل، بما لا يدع مجالا للشك، أن المستهدف بالحرب لم تكن إلاّ وحدة شعب وأرض سوريا، خاصة بعد إجبار قوى إقليمية ودولية المعارضة الخارجية على تأليف حكومة في الخارج، ممّا يعني تقسيم البلاد بين حكومتين وهو ما قد يكون مقدمة لتنفيذ مشروع تقسيم البلاد إلى دويلات عرقية أو طائفية. في ظل كل هذه المعطيات ظل البعض يشكك، أو في احسن الأحوال يأمل أن لا يكون الهدف كذلك.
كان للتقدم الميداني الذي أحرزه الجيش السوري خلال الفترة الأخيرة، رد فعل عنيف من القائمين على توجيه الحرب على سوريا. فقرر هؤلاء أن يُصعِدوا الموقف علّهم يحدثون إنقلابا في معادلة الصراع لصالحهم، فكان قرارهم الكيمياوي ناراً أحرقت كل الأقنعة وأسقطتها لتبدو الحقيقة أكثر سفوراً وظهوراً. كان الصاروخ الغادر الذي أطلق على أبرياء في خان العسل بحلب آخر مسمار يُدَقُ في نعش السََفَهْ والعَتَهْ والبلاهة العربية، لأنّ الذين أطلقوا الصاروخ كانوا يأملون في قيام حرب كونية على سوريا على طريقة غزو العراق، لكن المسرحية بدت هذه المرة ساذجة وسيئة الإخراج والتمثيل، لأنها ببساطة مسرحية من عمل كومبارس ومبتدئين، لذلك لم تكن مقنعة ولم تنطل على الكثير. بين تشكيل حكومة الخارج، أو بالأحرى تعيينها، وصاروخ خان العسل أراد القائمون على تنفيذ الأجندات التدميرية في سوريا وأدواتهم من أغلب معارضة الصالونات والفنادق الفاخرة أن يبعثوا برسائل في كل الإتجاهات.
رسالة أولى للعالم: التدويل
بعد أن فشلت كل المحاولات التي قادتها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بمظلات غربية وتحت مسميات متعددة، مثل حماية المدنيين ومناطق عازلة وإغاثات إنسانية، نهاية بمقترح توجيه جيش عربي لتحرير سوريا، كانت مسرحية خان العسل حسب بعض الملاحظين محاولة أخرى أكثر إستفزازا للمشاعر البشرية للتسويغ للتدخل الدولي في سوريا. ما حصل من ضرب المدنيين الآمنين هو عمل بربري وبشع ومُدان بكل المقاييس وهو حسب المحللين رسالة مفضوحة تنطوي على دعوة مفتوحة لتدويل الأزمة وشن حرب على سوريا على الطريقة التي دُمّر بها العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل والتي رغم فرق التفتيش والبعثات الدولية لم يعثروا على شيء منها أبدا، ورغم ذلك تم تقسيم العراق بحجة الديمقراكعكية، ورغم الاسم الجامع (دولة العراق) تعيش البلاد في الواقع تقسيماً فعلياً إبتدأ بتمرد الشمال الكردي ويتواصل الآن بمظاهرات شبه يومية لسكان المناطق الغربية ذات الأغلبية السنية.
ورغم إجراء الإنتخابات وتشكيل الحكومات لا زالت البلاد، وإلى الآن، وبعد أكثر من عشر سنوات على الحرب، تعاني من سياسة التطييف التي رُكِزَت في البلاد على أساس قانوني، والتي رغم ذلك لم تمنع الصراعات من أن تخمد والتي لم تكن لتخبو إلاّ لتستعر من جديد. ولا زالت مدن العراق وشوارعها ترزح تحت الخوف من التفجيرات التي لا زالت تطال البشر والحجر. ويبدو أنّ هذه الرسالة التي أريد لها أن تُكَرِر النموذج العسكري الذي نُفِذ في العراق في سوريا وذلك بدخول قوى دولية مباشرة على خط المعارك الدائرة هناك لم تفعل فعلها المرجو، لأنّ الحجة -أي استعمال الكيمياوي- لم تنطل على الكثيرين، ووجد المروجون لكيمياوي النظام صعوبة في إقناع الرأي العام، لأنّه لا يمكن للنظام الذي يواجه مشاكل أمنية كبيرة أن يفتح على نفسه بابا خارجيا قد يجعل البلاد كعصف مأكول. وقد طلبت سوريا عبر سفيرها في الأمم المتحدة بشار الجعفري من أمين عام المنظمة فتح تحقيق مستقل بخصوص الهجوم الكيمياوي الذي شُن بخان العسل بحلب.
رسالة ثانية الى السوريين: التقسيم
ظل أمر تشكيل حكومة معارضة في الخارج أمرا يراوح مكانه نتيجة عدم إجماع المعارضة، التي يخشى بعضها أن ينتهي الأمر إلى تقسيم البلاد بين حكومتين (الحكومة الحالية وحكومة المعارضة) ممّا قد يشجع المُكون الكردي على تكوين حكومة في المناطق التي يسيطر عليها، فتتحول هذه الحكومات من مجرد حكومات متصارعة على السلطة إلى حكومات لدويلات ثلاث، قد تكون هي الهدف الذي يُسعى إليه في إطار أجندات تفتيت المنطقة.
ويعتقد أكبر مُكون من المعارضة، وهم «الإخوان المسلمون»، أنّ الحكومة الحالية في سوريا هي حكومة طائفية علوية النفوذ وأنّ حكومة المعارضة بالخارج التي يسيطرون عليها ستكون غالباً حكومة الإخوان الذين يتصورون أنّهم الممثل «الشرعي» للسُنة. أمّا المناطق الكردية فقد تجد هي الأخرى دعما دوليا مثلما حصل في العراق لتتكون بعد ذلك حكومة كردية كمقدمة لمشروع دويلة في تلك المناطق.
ورغم المعارضة الشديدة التي أبداها معارضو الداخل (التنسيقيات) والعديد من أعضاء معارضة الخارج الذين ينشطون ضمن «الإئتلاف»، تمكنت قطر، حسبما جاء في تصريحات بعض المعارضين الذين جمّدوا عضويتهم في «الإئتلاف»، من إجبار كثير من المعارضين على تشكيل حكومة إنتقالية يرأسها أحد المغتربين بأميركا وهو السوري الكردي الأصل غسان هيتو، وهو تكنوقراطي متخصص في تكنولوجيا المعلومات. وتحدثت مصادر مطلعة على مراوغة قطر للسعودية ودفعها بهيتو للواجهة بعد أن كان الإتفاق السابق بينهما ينص على تعيين وزير الزراعة السابق في الحكومة السورية أسعد مصطفى في رئاسة حكومة المعارضة.
وقد أعلن يوم الأربعاء الماضي أعضاء بارزون في «الإئتلاف السوري المعارض» بلغ عددهم ١٢ معارضاً تجميد عضويتهم مباشرة بعد تعيين رئيس حكومة المعارضة، منهم وليد البني المتحدث باسم «الإئتلاف» وسهير الأتاسي النائب الثاني لرئيس «الإئتلاف» ومروان حاج رفاعي ويحيى الكردي وأحمد العاصي الجربا.
ويعتقد معارضون آخرون من الإئتلاف من الذين رأوا في حكومة المعارضة مشروعاً خفياً لتقسيم سوريا أنّ ما حصل هو عملية غير ديمقراطية وأنّ حكومة الخارج لا تمثل الشعب السوري، حيث قال كمال اللبواني عضو «الإئتلاف» المعارض أنّ «الإئتلاف هو هيئة غير منتخبة، ولذلك فليس لها الحق في إختيار رئيس وزراء على أساس تصويت الأغلبية بل كان يجب أن يتم ذلك بالتوافق»، وأكد على أنّ الحكومةَ المُشكّلة «لا تمثلُ الثورةَ السورية» كما دعا إلى «إعادةِ هيكلة الإئتلاف السوري المعارض» مندداً بمحاولة «الإخوان» الهيمنة على قرار المعارضة بدعم من قطر، حيث إتّهمهم بمحاولة سابقة للتحالف مع النظام وإقتسام السلطة معه لكنّه رفضهم. وفي نفس السياق قالت نائبة رئيس الإئتلاف سهير الأتاسي على «فايسبوك» «لأني مواطنة سورية، فإنني أرفض أن أكون رعية أو زينة، إنّي أعلن تجميد عضويتي في الإئتلاف الوطني».
وقد تمّ التصويت لإنتخاب رئيس للحكومة المعارضة بالخارج يوم الثلاثاء الماضي في اسطنبول فصوّت خمسة وثلاثون من بين خمسين عضواً، وهو عدد أعضاء الإئتلاف، لصالح هيتو، فيما غادر قاعة التصويت بعض الأعضاء تعبيراً عن رفضهم للطريقة التي تم بها «تعيين» رئيس حكومة المعارضة.
رسالة ثالثة الى النظام: التسليم
الرسالة التي حاولت القوى الإقليمية والدولية المسؤولة على إدارة الصراع المُسلح في سوريا أن تبعثها إلى النظام هي:
– أولا: رسالة سياسية، وهي أنهم بتشكيلهم حكومة معارضة في الخارج هم مستعدون إلى الذهاب إلى الآخر في مشروعهم لإسقاط النظام وأنّهم سيحاولون أن تأخذ هذه الحكومة المُعارضِة مكان النظام السوري في كثير من المنظمات.
– ثانيا: رسالة عسكرية، وهي أنّهم لن يتركوا باباً إلاّ طرقوه من أجل إضعاف النظام أو تشويهه لتبرير إستمرار الحرب التدميرية والعمل على حشد الدعم العالمي لتدويلها، وحسب ملاحظين فصاروخ باب العسل الكيمياوي هو برهان على أنّهم ذاهبون في ذلك إلى أبعد الحدود بما في ذلك تجاوز الأخلاق والأعراف الدولية، والهدف هو إنهاك النظام ودفعه للإنهيار تحت ضرباتهم أو الرحيل وتسليم السلطة لهم طوعا وإعترافا بالأمر الواقع.
ويرجح مُحللون أنّ كل الرسائل التي أرسلت لم يحالفها النجاح لأنّ العديد من معارضي الداخل والخارج رفضوا أن يكونوا بيادق، أو «رعية» و«زينة» على حد وصف الأتاسي. فبعد رفض المعارض وممثل التنسيقيات بالخارج هيثم مناع للسياسة التدميرية الجارية في سوريا ها هي أصوات أخرى بارزة من المعارضة الخارجية تعارض نفس السياسة مثل اللبواني والأتاسي ومروان حاج رفاعي ويحيى الكردي وأحمد العاصي الجربا وغيرهم ممّن أيقنوا من بداية سقوط المشروع التفتيتي الذي تفطّن له كثير من أبناء الشعب السوري، الذين لم يعودوا يصدقون تصريحات أعضاء المعارضة الذين يحاول بعضهم تبرير ما لا يبرر من قتل المدنيين بصواريخ عشوائية واستهداف شخصيات دينية مرموقة، مثل قتل العلامة رمضان البوطي بسبب دعوته منذ أسبوع في خطبة الجمعة لمساندة الدولة السورية وأصدر فتوى للإلتحاق بالجيش النظامي السوري للدفاع عن بلادهم ضد المجموعات المسلحة. وبتكَشُفِ أغلب ملامح الأجندات التي خُطط لتنفيذها في المنطقة، ورغم دفع بعض الدول الغربية نحو مزيد تسليح المجموعات المسلحة، فقد بدأت ترتفع أصوات دولية كثيرة ترفض ما يجري في سوريا بإسم الديمقراطية متسائلة: هل لم يبق إلاّ سوريا خارجة عن واحة الديمقراطية على كوكبنا حتى توجه إليها كل هذه النيران؟.
Leave a Reply