دمشق – مع دخولها عامها الثالث تتجه الأزمة السورية الى مزيد من التصعيد. إذ بدا واضحاً من خلال تطورات الأسبوعين الأخيرين أن المفاوضات الروسية- الأميركية ستبقى معلقة بانتظار الفصل الميداني، وأن المحور الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والإقليميون والعرب قد اتخذ قرار مواصلة «الحرب بالواسطة» على سوريا التي أثبتت على مدى العامين الماضيين تماسكاً كبيراً في قيادتها وجيشها وشعبها بمواجهة ما بدأ على أنه «ثورة سلمية» وسرعان ما تبين أنه حرب كونية تشن على آخر الأنظمة العربية الرافضة للهيمنة الأميركية على المنطقة.
طبول الحرب علا صوتها فوق كل الأصوات، فبعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى المنطقة وتأكيده انحيازه التام لإسرائيل ومطالبته العرب بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، تكللت قمة الدوحة، وكما كان متوقعاً، بنجاح قطر في تنفيذ أبرز نقاط جدول الأعمال برفع علم المعارضة على المقعد السوري، قبل أن تعود قطر و«تمنح» المعارضة مبنى السفارة السورية في الدوحة الخميس الماضي.
وكانت القمة العربية في الدوحة سلمت مقعد سوريا إلى «الائتلاف الوطني السوري» المعارض واعتبرته «الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري» واستبدلت العلم السوري بعلم المعارضة في ظل تحفظ جزائري وعراقي ونأي لبنان بنفسه. وقد شدد البيان الختامي للقمة «على حق كل دولة وفق رغبتها بتقديم كافة الوسائل للدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر».
وجلست المعارضة السورية الثلاثاء الماضي للمرة الاولى على مقعد سوريا في قمة الدوحة، وترأس الوفد السوري رئيس الائتلاف المعارض احمد معاذ الخطيب الذي جلس في مقعد رئيس وفد «الجمهورية العربية السورية» بعد دخول إستعراضي صفق له أمير الدوحة، فيما رفع «علم الإنتداب» الذي تعتمده المعارضة بدل العلم السوري.
من جانبه، اعتبر الاعلام السوري ان «السطو» على مقعد سوريا في الجامعة العربية ومنحه الى المعارضة السورية «جريمة قانونية وسياسية واخلاقية» و«استبدال الأصيل بالمسخ المنحرف».
روسيا تنعى مهمة الإبراهيمي
انجراف الجامعة العربية هذا بقيادة قطر قابلته موسكو بنعي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مهمة الوساطة التي يقودها المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، موضحا أن قرارات القمة العربية في الدوحة تظهر رفضها للحل السلمي في سوريا وتشجع على الحرب. وحول قرار الجامعة الذي يسمح بتوريد السلاح إلى المعارضة، قال لافروف «حتى من دون التطرق إلى مدى تناسبه مع القانون الدولي، يمكن الاستنتاج بأنه يهدف إلى تشجيع المجابهة، وتشجيع طرفي النزاع على الاستمرار في الحرب حتى الانتصار».
وجاء إعلان لافروف بعد إصدار الروسي فلاديمير بوتين أمراً مفاجئاً بإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في البحر الأسود. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «أصدر الرئيس بوتين في الساعة الرابعة من فجر يوم الخميس، امرا باجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في منطقة البحر الأسود»، مشيراً الى أن «المقصود اختبار مفاجئ للمناورات الواسعة النطاق». وأضاف «فعلا كان هذا اختباراً مفاجئاً، ففي الساعة الرابعة فجرا تسلم وزير الدفاع مظروفا مغلقا، بعد فتحه تعرف على أمر القائد العام الأعلى». وأعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن موسكو «تعارض بحزم» أية محاولة لمنح مقعد سوريا لدى الامم المتحدة الى المعارضة، موضحا ان مثل هذا التغيير «سيقوض سمعة الامم المتحدة». وقال ديبلوماسيون إن دولا عربية تحضر لحملة من اجل منح مقعد سوريا لدى الأمم المتحدة للمعارضة، لكن بكل الأحوال لا يمكن ان يحدث اي تغيير قبل انعقاد الجمعية العامة في أيلول المقبل.
وكررت بكين دعوتها لإيجاد حل سياسي للقضايا المتعلقة بسوريا. وتعهدت بمواصلة الحفاظ على اتصالات مع الحكومة السورية والمعارضة.
ميدانيا، تشهد دمشق في الأيام الأخيرة تصاعدا في أعمال العنف، وسط تقارير إعلامية تشير الى استعداد الطرفين لمعركة دمشق التي ستحسم الكثير من مصير الصراع الدولي على سوريا، حيث ستسعى قوات المعارضة الى دخول العاصمة والسيطرة عليها في محاولة لقلب موازين القوى. وسجل الأسبوع الماضي تكرار سقوط قذائف الهاون على مناطق سكنية في وسط العاصمة السورية كان أبرزها استهداف المسلحين لجامعة دمشق التي استشهد فيها ١٢ طالباً في مقصف كلية الهندسة المعمارية في حي البرامكة. فيما واصل الجيش السوري استهداف مواقع المسلحين في جنوب العاصمة وريفها. وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، المعارض في بيانات، أن «اشتباكات عنيفة تدور على أطراف العاصمة، لا سيما في حي القابون والأحياء الجنوبية». وتحدث «عن اشتباكات عنيفة في شارع الثلاثين الواقع بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق وحي الحجر الأسود المجاور له، إضافة إلى حي القدم القريب منهما».
قمة الدوحة
سوريا كانت العنوان الأبرز للقمة العربية التي عقدت في الدوحة، ليس فقط في بيانها الختامي واستحواذ المعارضة على مقعد دمشق في الجامعة، بل حتى في الكواليس التي انشغلت في قراءة المغزى القطري من القمة بالاساس، وسط تساؤلات عن حضور رئيس الائتلاف، أحمد معاذ الخطيب، بعدما كان أعلن استقالته قبل يومين.
الخطيب وائتلافه خطفا الأضواء، بعد الدخول المسرحي الذي نظمه أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى قاعة المؤتمر، معلناً جلوس المعارضة على مقعد سوريا. كذلك كان لافتاً خطاب الخطيب نفسه في القمة، الذي أكد رفض الشعب السوري لوصاية أحد، وتأكيده على قرار الشعب في اختيار حاكمه، من دون أن ينسى الغمز من قناة الدول العربية عبر دعوتها إلى احترام شعوبها وإطلاق معتقليها.
غير أن كلمة الخطيب كانت جزءاً من المشهد السوري في القمة، الذي بدأ مع مساعي «جلب» رئيس الائتلاف المستقيل إلى الدوحة. وأكد دبلوماسي عربي أن الدولة المنظمة أجرت اتصالات ضاغطة على الخطيب دفعته لاستقلال طائرة قطرية خاصة مع وفد من ثمانية أشخاص والتوجه إلى مطار الدوحة، مع قرار أولي وافق عليه جميع وزراء الخارجية العرب كتسوية وسطية للخلاف يقضي بأن يوجه الخطيب خطابا للقمة العربية. ومساء الاثنين استقبل ولي العهد القطري الضيف السوري وتجول الأخير على السجادة القطرية الحمراء واستعرض حرس الشرف، لكن بدون تحية في رسالة سياسية بروتوكولية واضحة المعالم من قبل القطريين.
وكان لافتاً ترتيب جلوس المعارضين السوريين على مقعد «الجمهورية العربية السورية». إذ جلس الخطيب وخلفه رئيس الحكومة المؤقتة غسان هيتو وسهير الاتاسي وجورج صبرا وعبدالباسط سيدا، بنفس الترتيب الذي كان يجلس فيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم والمستشارة بثينة شعبان خلف الرئيس السوري.
وعلى هامش أعمال القمة، كانت الكواليس زاخرة بالتعليقات، التي ركّزت على الوضع السوري، ولا سيما حضور المعارضة وتوليها مقعد دمشق في الجامعة، لتكون القمة «قمة نزع الشرعية عن بشار الأسد»، بحسب ما ردد القطريون وعشرات الإعلاميين.
وأكد الباحث في «المعهد الملكي للدراسات والدفاع» في الدوحة، مايك ستيفنس، أن ما يهم القطريين الآن هو تقديم معارضة موحدة ولو شكلياً للقمة العربية، لكن استقالة الخطيب «ضيعت عليهم حتى هذه الفرصة»، لافتاً إلى أن دعم الجيش الحر لقرار الخطيب بالتأكيد على رفضه الاعتراف بالحكومة الانتقالية، ممثلة بغسان هيتو، إشارة واضحة لثقل وشعبية الخطيب التي «لا يمكن تجاهلها» بحسب رأيه. واستبعد مدير مركز «بروكينغز»، سلمان شيخ، أن تنجح القمة العربية في احتواء «تشرذم المعارضة»، منوهاً إلى أن استقالة الخطيب وعودته عنها هي بمثابة إعلان صريح عن أن «أيام الائتلاف السوري المعارض برمته باتت معدودة».
أوباما والمصالحة التركية الإسرائيلية
لم يغادر الرئيس أوباما، إسرائيل خالي الوفاض من إنجاز سياسي سجله على جبهة غير متوقعة، هي جبهة العلاقات التركية الإسرائيلية التي أفلح في إعادة الحرارة إليها بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، تسببت به حادثة الاعتداء على سفينة «مرمرة»، التي كانت في طليعة أسطول يحمل مساعدات انسانية الى قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار البحري الاسرائيلي المفروض على القطاع في 2010.
وبات التنسيق بين أنقرة وتل أبيب ضرورياً في ظل الحرب المفتوحة على النظام السوري. ولم يعد خافياً أن الدولتين جعلتا أراضيها ممراً للمسلحين المجندين القادمين من مختلف أنحاء العالم لمحاربة الجيش السوري. كما كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية حصيلة رسمية أفادت أنه على امتداد شهر مضى عولج في المستشفيات الاسرائيلية 11 مقاتلا سوريا، فيما اعيد 8 منهم الى سوريا وبقي 2 في الأراضي المحتلة.
ومن على أرض مطار بن غوريون، وقبيل إقلاع طائرته بدقائق، اتصل أوباما برئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردغان، وتحدث معه للحظات قبل أن ينقل الهاتف إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أدى دوره في تطبيق صيغة أعدت سلفاً لإنهاء أزمة العلاقات مع تركيا. وخلال محادثة استمرت، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، ثلاث دقائق تبادل نتنياهو وأردوغان الحديث عن بنود التسوية قبل أن تصدر على نحو متزامن ثلاثة بيانات رسمية في كل من تل أبيب وأنقرة وواشنطن تعلن عودة المياه إلى مجاريها بين إسرائيل وتركيا، وفقاً لاتفاق بين الجانبين الأساس فيه استجابة الأولى لمطالب الثانية في ما يتعلق بشروط إنهاء الأزمة، وفي مقدمتها تقديم اعتذار رسمي عن قتل المواطنين الأتراك الـ19 على أيدي القوات الإسرائيلية.
أما البيت الأبيض، فأكد أن الولايات المتحدة «تعلق اهمية كبرى على استعادة العلاقات الايجابية بين تل أبيب وأنقرة من اجل تعزيز السلام والامن الاقليميين».
تراجع أوروبي
في تغير ملحوظ في الموقف الفرنسي من تسليح المعارضة السورية، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن بلاده لن ترسل الأسلحة للمعارضة طالما أنها لم تتأكد بشكل قاطع من عدم وصول هذه الأسلحة لجماعات إرهابية. وكان الإتحاد الأوروبي قد رفض تسليح المعارضة السورية رغم ضغط صريح من باريس ولندن. ويرجع المراقبون القرار الأوروبي بسبب الضغط الروسي على ألمانيا، التي يرتبط اقتصادها بشكل مباشر بخطوط الطاقة الروسية. ويخشى الأوروبيون من تكرار «التجربة الأوكرانية» حين لجأ بوتين الى قطع إمدادات الغاز عن أوروبا ما اضطر الأخيرة للتخلي عن «الثورة البرتقالية» التي لا تزال زعيمتها تقبع في السجن.
وفي مقابلة مع قناة تلفزيونية فرنسية قال هولاند رداً على سؤال عما إذا كان يعتقد بوجود خطر في أن تقع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات إرهابية، «في الوقت الراهن، هذه القناعة التامة ليست متوفرة لدينا. لن نقوم بهذا الأمر طالما أننا غير واثقين تماماً من أن المعارضة لديها السيطرة التامة على الوضع»، وتابع «اليوم هناك حظر ونحن نحترمه»، مؤكداً أن هذا الحظر «ينتهكه الروس الذين يرسلون أسلحة إلى الأسد، وهذه مشكلة».
Leave a Reply