بيروت – على وقع الأزمة السورية وتردداتها تتوالى الأحداث متسارعة على الساحة اللبنانية تنذر بشر مستطير. فبعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي المفاجئة، يمكن القول أن البلاد دخلت في النفق السوري المفتوح على كافة الإحتمالات.
وفي ظل الإشتباكات المتقطعة في طرابلس والوضع الأمني الخطير في البلاد، قدم ميقاتي استقالته لسبب لم يقنع أحداً في لبنان، فالاصرار على قانون الستين المرفوض من معظم اللبنانيين، وتمديد ولاية مدير عام الأمن الداخلي، أشرف ريفي، لا تستوجب اللجوء إلى الاستقالة حسب معايير الأعراف المتّبعة، ولا هي استمرار للنهج المتّبع من قبل رئيس الحكومة على قاعدة الوسطية التي كثيرا ما نظّر إليها، كما أعلنها، برنامج عمل وصولا إلى شعار النأي بالنفس الذي لم يترجم أفعالا على الأرض، حيث تحولت الأراضي اللبنانية الى ممر ومقر لمسلحي وأسلحة المعارضة السورية.
ولكن على أي حال، استقال ميقاتي ولم تنقلب الدنيا، بل على العكس توجت السياسة اللبنانية ملكاً جديداً قديماً هو النائب وليد جنبلاط الذي بات مصير تشكيل حكومة جديدة في البلاد بيده. ففي ظل الإتصالات القائمة بين مختلف الفرقاء السياسيين من أجل التوصل إلى تصور شامل بعد إستقالة الحكومة، ينتظر الجميع موقف رئيس جبهة «النضال الوطني»، القادر على «قلب» الموازين في حال أراد ذلك، من خلال نقل الأكثرية النيابية من ضفة إلى الضفة المقابلة بإشارة منه. وطبعاً سيستغل جنبلاط هذا الموقع قدر المستطاع فـ«البيك» لا يستهوي العودة إلى التحالفات السابقة مع قوى «١٤ آذار»، ولا يريد الإستمرار في التحالف مع قوى «٨ آذار» الذي لم يعجبه كثيراً، هو يفضل الموقع الذي أوجده لنفسه في «الوسط».
أما من جهة إقرار قانون الإنتخاب، فبدأت قوى ٨ آذار تلوح عملياً بإقرار المشروع الأرثوذكسي، في حين يصر رئيس «الحزب الاشتراكي» على عدم حضور أي جلسة تشريعية يُطرَح فيها الأرثوذكسي مؤكداً أن قانون الستين قائم، وأن الباب مفتوح للتوافق حيث قال الرئيس نبيه بري إن المجلس قادر على التشريع حتى 19 حزيران».
وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان حدّد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف يومي الجمعة والسبت المقبلين. وأراد سليمان الذي يتمسك بإجراء الإنتخابات وفق قانون الستين قطع الطريق على دعاة عقد جلسة نيابية عامة لإقرار «الأرثوذكسي».
أيضاً أراد سليمان بدعوته إحراج الجميع بعامل الزمن، فمهلة الأسبوعين، على استقالة الحكومة الميقاتية أكثر من كافية، للأخذ والردّ بين الجميع، وداخل البيت السياسي الواحد، وإذا تعذر التوصل إلى نتيجة (اسم)، يمكن تأجيل الاستشارات، لمدة يومين أو أكثر، إفساحاً للمجال أمام فرص التوافق.
وقالت صحيفة «السفير» «اذا تمّت تسمية رئيس الحكومة، يمكن الاستفادة عندها من الفاصل الزمني، بين التكليف والتأليف لعقد جلسة حوار وطني، تعيد ترتيب الأولويات الوطنية، بحيث تتوضح معالم الحكومة المطلوبة لاحقاً: حكومة انتخابات أم حكومة إنقاذ؟» وقد أظهرت مشاورات الأسبوع الماضي، أن برودة علاقة بري-عون تخيم على أجواء «٨ آذار» فيما سعد الحريري لم يحسم أمره في موضوع ترشحه لرئاسة الحكومة، برغم عدم حماسة المملكة العربية السعودية لذلك فضلاً عن أن قطر وتركيا وبريطانيا وعواصم غربية أخرى، أبدت حرصها على إعادة تكليف ميقاتي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة رئيس «تيار المستقبل» الذي قالت أوساطه انه إذا تم اعتماد قاعدة التشطيب، «يمكن بداية حذف اسم ميقاتي من اللائحة، فالرجل لم يعد اسماً مرغوباً به عندنا»، وقالت إن الحريري «يبقى الناخب الأول ضمن فريق 14 آذار»، «ولا يجوز لأي من حلفائه أن يقول كلمته، قبل أن يفصح «دولته» عن مرشحه». وبدوره، أكد ميقاتي أمام وفود زارته أن استقالته أراد منها فتح ثغرة للحوار بين اللبنانيين لانه لا يوجد حل سوى الحوار موضحا انه لم يضع شروطا على اعادة تكليفه وانما حدد مقومات ومعيار نجاح الحكومة المقبلة.
Leave a Reply