Detroit is a place where we’ve had it pretty tough. But there
is a generosity here and a well of kindness that goes deep.
Mitch Albom – American Author
«ديترويت مكان عانينا فيه صعوبة الحياة.. لكن في طيّات هذه المدينة سخاء ولطف عميقان»
ميتش ألبوم – كاتب أميركي
أضأنا في مقال سابق بعض النقاط التي يمكننا العمل عليها لتطوير الواقع الإقتصادي والتجاري في مدينتنا ديربورن وجوارها (مثل إنشاء جمعية تجّار فاعلة) ودفع مجتمعنا الى التفاعل والإنخراط مع المحيط الذي نعيش فيه. في هذه المقالة سنتطرّق الى بعدٍ آخر من الواقع الإقتصادي للعرب الأميركيين في ديربورن ومحيطها وهو ما يتعلّق بالعقارات والتمدد الديموغرافي لمجتمعنا.
لا شك أن وصف مدينة ديربورن بعاصمة العرب الأميركيين ينبع من واقع سكاني وإجتماعي حقيقي في المدينة. فقد طبّع العرب الذين تركزوا تاريخياً في جنوب وشرق ديربورن هذه المدينة بطابعهم، وشكّلوا في العقود الماضية ثقلاً أساسياً لا يستهان به. وقد فرضت الزيادة السكانية الطبيعية بفضل معدل الولادات والهجرة المتواصلة توسعاً سكانياً كان لا بد له أن يتمدد في المدنية ونحو المدن المجاورة. وأدّت البحبوحة الإقتصادية للأسر المتوسطة الدخل الى انتشار سلس نحو ديربورن هايتس، وخير دليل على ازدهار هذه المدينة هو القفزة النوعية التي شهدتها المحال التجارية على شارع فورد في السنوات الخمس الماضية.
لكن صغر الرقعة المناسبة لسكن الأسر ذات الدّخل المتوسط من حيث حجم البيوت وغيرها من خدمات والتي تنحصر في منطقة «كريستوود» خلق أزمة للباحثين عن منزل ملائم. وقد انعكست رغبة الأغلبية من الأسر العربية في البقاء قرب ديربورن في الإرتفاع المستمر لأسعار البيوت والمحلات. هذا الامر شكل ظاهرة عقارية فريدة استرعت انتباه الخبراء في الشأن العقاري ليس على مستوى ميشيغن فحسب بل حتى في الولايات الاخرى. وقد أضاءت «صدى الوطن» هذا الموضوع في عدد سابق حيث أظهر إستقراء سريع لحركة البيع والشراء للمنازل في منطقة «كريستوود» في ديربورن هايتس ومنطقة غرب ديربورن زيادة كبيرة في الإقبال على العقارات السكنية، وهذا أدّى الى مضاربات وارتفاع في أسعار البيوت بشكل يفوق قيمتها السوقية وأسعار مثيلاتها في المدن المجاورة حتى في خضم الازمة الاقتصادية الاخيرة. صعود الأسعار هذا ليس سوى نتيجة طبيعية للتمدد السكاني العربي ورغبة أبناء الجالية في الحفاظ على تكتلهم الإجتماعي والإقتصادي والثقافي، ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد ديربورن هايتس؟.
ارتفاع أسعار سوق العقارات في ديربورن وديربورن هايتس بات يجبر الكثيرين على التوجه الى مدن أخرى، وإذا كان التوسع من ديربورن الى ديربورن هايتس متوقع منذ بداية الألفية الحالية فإن الأسر العربية بدأت تنتشر في العديد من المدن المجاورة والقريبة، مثل كانتون وليفونيا وفي مدن جنوبي مقاطعة أوكلاند وحتى المدن الأبعد في ماكومب وواشطناو.
وفي قراءة للخيارات المتاحة للتمدد السكاني العربي في منطقة ديربورن، يتبين أن المدن الملاصقة للكتلة العربية في ديربورن وديربورن هايتس لا تغري معظم الأسر العربية للانتقال اليها وهو ما يساهم في مواصلة ارتفاع الأسعار الجنوني الذي تحدثنا عنه، فالتوجه غرباً باتجاه غاردن سيتي ووستلاند وإنكستر(غرب ديربورن هايتس) لا يبدو مشجعاً بسبب هامشية هذه المدن وتواضع منازلها وخدماتها إضافة الى الإقتصادية المحدودة وتركيبتها السكانية التي تتمتع بكثافة عالية للأميركيين البيض حيث تزدهر التيارات غير المرحبة بالمهاجرين عموماً (باستثناء إنكستر التي). وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة ريدفورد التي تحد ديربورن هايتس شمالاً ولكن فقر المدينة وتواضع منازلها لا يلبي طموحات الأسر العربية التي عادة ما تبحث عن بيوت واسعة.
كانتون مثلاً مدينة جديدة نسبياً وتشكّل بديلاً لا بأس به عن ديربورن هايتس، وبيوتها ملائمة للأسر ذات الطبقة المتوسطة. ولكن بعدها النسبي عن ديربورن وعدم وجود المحال التجارية العربية بكثرة فيها، اضافة الى كونها «مدينة نوم» إذ يعمل معظم سكانها في مدن أخرى ويعودون للنوم في بيوتهم مساء.
أما المدن الأخرى جنوب منطقة ديربورن، كتايلور وروميلوس وملفينديل وألن بارك، أو ما يسمى بمدن جنوبي النهر (داون ريفر) فهي مدن فقيرة وبيوتها ضيقة وقديمة وهي أصلاً مصممة للأسر المحدودة الدّخل وعمال المصانع، ولا تناسب الأسر العربية ذات الدّخل المتوسط.
أما مدينتا ليفونيا وفارمنغتون هيلز شمالاً تقدمان حلاً لمن يبحث عن بيت مناسب في مدينة ذات تقديمات ملائمة وبأسعارٍ معقولة، ولكن المدينتين تفتقران الى ما تمتلكه ديربورن وديربورن هايتس من محلات ومؤسسات عربية بشتى أنواعها، كما تفتقد الى الإتصال والإمتداد الجغرافي المباشر مع ديربورن.
تبقى ديترويت، التي يتجنبها العرب وغيرهم هرباً من الجرائم وتدنّي مستوى الخدمات وانعدام الأمن والإستقرار. ولكن يبدو أن اهتمام الولاية بديترويت وحجم الإستثمار المتدفق اليها بواسطة رؤوس الأموال والشّركات الكبرى دليل واضح على ملامح نهضة جديدة لمدينة السيارات.
وقد بدأ بالفعل العمل بخطّة أمنية لمكافحة الجريمة في المدينة بالتنسيق مع السلطات الفدرالية. ويأتي هذا بالتوازي مع جهود ضخ الحياة في وسط المدينة، حيث أقدمت شركات كبرى مثل «دي تي إي» و«كويكين لونز» على تحفيز موظفيها للسكن في ديترويت عبر تقديمات مالية للموظفين الذين ينتقلون اليها. كما أن وضع المدينة تحت سيطرة الولاية في إطار قانون الطوارئ المالية جعل الراغبين في الإستثمار في ديترويت أكثر إيجابية في نظرتهم للمدينة، وهذا ما أكدته وكالة «موديز» للتصنيف الإئتماني. وقد رصدت حكومة الولاية أموالاً ووضعت خطط نهوض شاملة لمكافحة الفساد الإداري وتفعيل وسائل المواصلات في المدينة وجوارها، دون إغفال مشروع الجسر الثاني المزمع إقامته ليصل ديترويت بمدينة ويندسور الكندية.
ولا يخفى على أحد أن للعرب الأميركيين مصالح تجارية عديدة في المدينة، فلماذا لا نستدير الى ديترويت ونستثمر فيها ونكون مساهمين في نهضتها وإعادة إحيائها، والعيش فيها. على المستثمرين العرب أن يحذوا حذو العديد من المستثميرن الاميركيين واليهود الذين ضخوا مئات ملايين الدولارات في المدينة. فهؤلاء لا يرمون دولاراتهم في الهاوية، حيث تشكل مدينة ديترويت فرصة استثمار حقيقية بسبب رخص عقاراتها اليوم.
وفي ديترويت أحياء مرموقة ذات بيوت كبيرة فاخرة شهدت «ايام عز» قبل أن يدور عليها الزمن، وتوجد أحياء فارغة ملاصقة لديربورن لجهة الغرب والشمال مثل منطقة وورنديل بين شارعي غرين فيلد وإيفرغرين، وهذه المناطق قابلة للاستثمار الحقيقي والتأهيل. بل على قيادات المجتمع العربي الضغط على إدارة المدينة لتحسين مستوى المعيشة في هذه المناطق الملاصقة لكتلة ديربورن، وذلك لتشجيع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال لاستصلاح هذه المناطق الحيوية للتمدد العربي.
Leave a Reply