تمُرُّ علينا هذه الأيّام الذكرى المئويّة لِمَقْدِمِ النورِ الساطع وصدرِ الموكبِ الإيمانيِّ البهِيّ اللاّمِع الشيخ خليل بزي، مُعَطِّراً تربةَ الولايات المتّحِدة، محفوفاً باندِفاعِهِ الإيمانيّ مِن أجلِ ترسيخِ تعاليمِ الإسلام والحفاظِ على ديمومتِها بينَ أفرادِ الجالياتِ الإسلاميّة.حيثُ حفلتْ سيرتُهُ العطِرةُ بالمآثِرِ العِظام والإنجازاتِ الروحيّةِ الجِسام، من أجلِ رفعةِ الدينِ الحنيف. فكانتْ جهودُهُ التي انطَلَقَتْ من مناجِمِ الصبر، وعبر طريقِ المثابرةِ الشاقّ، البذرةَ المبارَكَة التي أينعَتْ وأورقَتْ وأثمرَتْ مانراهُ اليوم بخفقةِ الروحِ المستأنِسة وبمدى اتّساعِ البصر، سعادةَ أبناءِ الجالية وهي تحيا سموَّ الإنتِماء، وزهوَ الهوِيّة، والإغتِناءَ الروحيَّ المُهَفْهِف، والتواصلَ المُطْلَق معَ أصولِ وفروعِ دينِهِم الحنيف.
ولمّا كانت الأممُ تفخرُ برموزِها، وبرِجالِها العِظام، أصحابِ المآثِرِ المرموقَةِ الإستثنائيّة، فإنّنا هنا في مُغتَرَبِنا على بقاعِ الولاياتِ المتّحِدة، يحِقُّ لنا أنْ نُمَجِّدَ بكلِّ مظاهرِ التعظيمِ وحفاوةِ الإجلالِ وحرارةِ الإكبار هذهِ الشخصيّة العظيمة التي يكفيها في الإنبِصامِ على لائحةِ الفخرِ والإعتِزازِ الأبدِيّيْن، الأخذُ بزِمامِ المُبادَرَةِ والريادةِ والسبْقِ من أجلِ الإسهامةِ الخارقة في تثبيتِ مسيرةِ المسلمين على الصراطِ المستقيم، وعلى ما أوْضَحَهُ القرآنُ الكريم. وما شرَحَهُ وفصَّلَهُ ويسَّرَهُ للناسِ ذلك الشيخ الجليل مِنْ آياتِهِ المُتَشابِهات.
تُجْدَرُ الإشارةُ هنا إلى المفارَقَة التي لا تخلو من خوارقِ الأمور، والتي لا يمكنُ أنْ تقطعَ علينا غموضَ الفضول، أو تجعلَنا نتلمّسُ التفسيرَ العلميّ لمثلِ هذهِ الظواهر، إلاّ مُعْطَيات الباراسايكولوجي، ذلك أنَّ شيخَنا حينَ قَدِمَ إلى الولاياتِ المتّحدةِ كانَ لا يُتْقِنُ اللّغةَ الإنجليزيّةَ، مثلما كانَ لا يُجيدُ القراءَةَ والكِتابَةَ العربيّة، إذْ لمْ يتعلَّمْها في بلَدِهِ الأم لبنان، غيرَ أنّهُ تعلَّمَها هنا على أرضِ الولاياتِ المتّحدة وعلى يدِ مُتَطَوِّعٍ نبيلٍ مِنْ آلِ سمْحات. وقد روى الشيخ في حياته أنّهُ في بدايةِ مباشَرَتِهِ بتعَلُّمِ اللّغةِ العربيّة كان يكتُبُ الحروفَ الأبجدِيّةَ على باطِنِ يديه ليسهلَ عليهِ حِفْظُها عن ظَهْرِ قلب.. هكذا كانت البِداية، وبعدَ إتقانِهِ للّغةِ العربيّةِ لمْ يتَخَرَّجْ مِنْ أيّةِ مدرسَةٍ، كما لمْ يتخرَّجْ من أيَّةِ حَوْزةٍ دينيّة، سوى ما انْكَبَّ عليه بالجهدِ الشخصِيِّ من عناءِ التعلُّمِ والدراسةِ والمُواظبة المستميتة، حتّى نالَ تلكَ المكانة الدينيّة العلميّة التي أهّلَتْهُ لتبَوُّءِ هذه المنزِلةِ السامية.
وبمزيدٍ من الإعتزاز، بحلولِ هذه المناسبةِ التاريخيّةِ، يُغْبِطُنا أمامَ القرّاءِ الأعِزّاء أنْ نُدْرِجَ إرشيفاً بانوراميّاً مُتَعَدِّدَ المصادر يُجلي خلاصةً متواضِعَةً، سيرةَ الشيخِ العطِرة عبرَ مقتَطَفاتٍ من أقوالِ المراجِعِ الدينيّة الكِبار في زمانِهِ، ومجايليهِ، وكذلك المُطَّلِعين الشاهدين على إنجازاتِهِ الدينيّةِ والإجتِماعيّة القيِّمة، وكما مدَوَّن أدناه، مستَنِدين إلى المصادرِ المُوَثَّقَةِ في كتابِ سيرتِهِ المُبارَكةِ وحياتِهِ النبيلةِ، لمؤلِّفَيْهِ الأديب كامل محمود بزي والدكتور الحاج يحيى شامي، بالإضافةِ إلى ما زوَّدَنا بهِ مشكوراً صديقهُ الأديب كامل محمود بزي الذي نهضَ بمُهِمَةِ البحثِ والتنقيبِ عن المصادر في الكِتابِ القيِّمِ آنِفِ الذِكْر.
قالوا في الشيخ خليل بزي
«إنّي قدْ خوّلْتُ جنابَ التقِيِّ الزكِيِّ الحاج خليل بزي إيقاعَ عقدِ النكاح والطلاق وبثّ الأحكامِ وتوضيح الحلال والحرام وحفظ أموالِ الأيتامِ الذين لاولِيَّ لهم، وقدْ أذِنْتُ لهُ أيضاً في قبضِ الحقوقِ الشرعيّةِ وإمامة صلاةِ الجماعة والأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر».
المرجعُ الأعلى آية الله السيد محسن الحكيم
«إنّ الشيخ خليل بزي، لا يوجَد نظيرُهُ في بلادِ المِهجرِ في دينِهِ واستِقامَتِهِ».
آيةُ الله السيد محسن الأمين العامِلي
«جزاكَ الله ياشيخ خليل، خيرَ جزاءِ المُحسِنين، وشكَرَ لكَ قِيامَكَ بالأمرِ بالمعروفِ والنهْيِ عن المُنْكَرِ والدعوةِ إلى الخير، وللّهِ أبوكَ ما أكرم مقامكَ في أميركا وأشرف مُنْقَلبكَ منها».
آيةُ الله السيد عبدالحسين شرف الدين.
«إنّ جنابَ الحاج خليل بزي قد وجَدْناهُ مِنْ أهْلِ الإيمانِ الراسخِ والدينِ القويم والمعرِفَةِ الواسِعة والغيرةِ الإسلاميّة.ومِنْ ذوي الورع والسدادِ والسالِكينَ سبيلَ الرشاد».
آيةُ الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
«لايخفى أنَّ الشيخ خليل بزي، هوَ رجل الخيرِ والدِيانة والصلاحِ والإصلاح والغيرةِ الدينيّة، وهو لَعَمْري أهلٌ لكلِّ تَجِلَّةٍ واحتِرامٍ وإعزازٍ وإكْرام، وجديرٌ بأنْ يُعْتَمَد عليه، ويُرْكَن في الأمورِ الشرعيّةِ إلَيْه».
آية الله الشيخ محمدرضا آل ياسين
«الشيخ خليل بزي هوَ مِنْ ذوي الفضلِ اللاّمِع، ومن أهلِ الإيمانِ الحُرِّ الراسخِ والغيرةِ الإسلاميّةِ المتَوَقِّدة. وقد أجَزْتُ لهُ أنْ يتَصَدّى للأمورِ الحسبيّةِ وسائر الشؤونِ الدينيّة المتوَقِّفة على الإذِن والإجازةِ من الحاكمِ الشرعيّ»
آيةُ الله الشيخ عبدالكريم الزنجاني
«لوْ سارَ الناس على مثالِكُمْ لّسّهُلَ كُلُّ عسيرٍ على هذهِ الجالية، فجزاكم اللهُ عن الإسلام وأهلِهِ خيرَ الجزاء».
سماحة العلاّمة الشيخ محمد جواد شِرّي
«يحتاجُ العالِمُ الدينِيّ والداعية الإسلاميّ والشيخُ إلى الوَرَعِ والتقوى وقُدسِيّة النفسِ قبلَ العِلمِ والفقه، وهذا ما جلّى شخصِيّة سماحة الشيخ خليل بزي قبلَ أنْ يُعَلِّمَ نفسَهُ الفقهَ وعلومَ الإسلام. فكانَ مِثالاً للشيخِ المقَدَّسِ الطاهر الذي خَدَمَ الإنسانَ والإنسانيّةَ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلّ».
آيةُ الله الشيخ عبداللطيف بري
«لقد كانَ المرحوم الشيخ خليل بزي أوّلَ مَنْ تصَدّى للتوعِية الإسلاميّةِ وتقديم الخدمات في الشؤون الدينيّة لِأبناءِ الجالية بدونِ أنْ يتَقاضى أجراً. وقد عُرِفَ بالتُقى والتواضُع ِ والصلاحِ ونُكْرانِ الذات».
الإمام السيد حسن القزويني
«إنّكَ بحمدِالله ممّنْ يُمَثِّلُ الدينَ بفعلِهِ وقولِهِ وحركاتِ نفسِهِ تمثيلاً صحيحاً، ونحنُ في زماننا هذا الذي ذهبَتْ فيه المقاييس وفسَدَتْ فيه الأخلاقُ وعُبِدَتْ فيه المادّةُ وطُمِسَتْ فيهِ المُثُلُ العليا، والقيَم الروحيّة أحوجُ ما نكون إلى مَنْ يُمثِّلُها تمثيلاً صحيحاً».
آيةُ الله السيد عبدالرؤوف فضل الله
«كانَ يملكُ بينَ جنْبَيْهِ ثروة لا تُقَدَّرُ من الإيمان والحبّ والإخلاص، ففاضتْ على الناس رحمةً وبِرّاً.. وطهارة قلب وصفاء سريرة، وخدمات جُلّى في سبيلِ الدينِ والفضيلة»، «ولقد أثبتت الأيّام أنّهُ أمّةٌ قائمةٌ بنفسِهِ».
سماحة العلاّمة السيد علي الحكيم
«إنّ الشيخ خليل بزي هو البَرُّ التقِيُّ والورِعُ الصفِيُّ، ذو الشِيَمِ الحميدةِ والأوصاف الفريدةِ والأخلاق الرضِيّةِ والأفعال المرْضِيّة».
سماحة العلاّمة الشيخ عبدالله بزي
«للّهِ درُّكَ يا شيخ خليل، ما أحسن ثباتكَ وأصَحّ عزيمتكَ وأبعد نظركَ».
العالِم والمخترِع اللّبناني حسن كامل الصبّاح
«لقد وجدْتُ بما كشفَ الله من مواهب هذا التقِيّ الجليل الشيخ خليل بزي أنَّ فِكْراً جديداً، ورؤيا بعيدةً، وآمالاً تنسجِمُ معَ نظرةٍ دينيّة إلى المستقبل مِمّا لا أجدهُ في غيرِهِ. إنّهُ شيخٌ بلا عمامة، ولكنّ إيمانَهُ العميق الثابت بالله، وإخلاصهُ للإسلام وخدمة الإسلام، تركَ على رأسِهِ طيفَ تاجٍ من نورِ الإيمان».
الباحث الأديب الشيخ عبدالله بري
«كان الشيخ خليل بزي شديدَ الإخلاصِ لله تعالى، جريئاً في قولِ الحقِّ لاتأخُذُهُ في اللهِ لومةُ لائم».
الأستاذ الحاج محمد طُرفة
«كانَ الشيخ خليل بزي شرارةَ التنوير التي هيّأتْ الساحةَ لمجيء عُلَماء آخرين».
الباحث الدكتور طلال طرفة
«لقد أمْسَكْتَ بنبراسِ الدين تتعاملُ مع النور، وسلكْتَ دربَ الهدى، وعكَفْتَ على طريقِ الله».
الأديب حسن محمد عبدالله شرارة
«ما فتَنَتْكَ دنيا متاعٍ ولا غرَّكَ منها مالٌ، فكانَ الزهدُ فيها عنوان الرِحلةِ الطويلةِ بين الممّرِّ والمُسْتَقَرّ. عابِداُ خادِماً في محرابِ دينِ الله، عامِلاً كادِحاً في سبيلِ كرامةِ الحياة. أعطَيْتَ وما أخَّذْتَ، بنيْتَ وما فاخرْتَ، شقيتَ وما كللْتَ ولا يئِسْتَ».
الصحفي الأديب عباس بيضون
«إمتازَ الشيخ خليل بزي بهِمَّةٍ عاليةٍ ورغبةٍ في خدمةِ الناس ورفع الضرَر والأذى عنهم، وكانَ دؤوباً على احتِضانِ العلَماء المهاجِرين النابِغين وفي الطليعةِ منهم العالِم المختَرِع حسن كامل الصبّاح».
الكاتب الأديب سعيد الصبّاح
«في بدايةِ القرنِ العشرين، كانت الجالية الإسلاميّة تعتمدُ على الشيخَيْن خليل بزي وحسين خرّوب للقيامِ بالواجِباتِ الدينيّة المطلوبة، وكانا بمثابةِ الجسرِ الذي يربطُ بين العالَمِ الإسلاميّ والبلادِ الأميركيّة»، «كانَ الشيخ خليل بزي عميقَ الإيمانِ بدينِهِ، معروفاً ومحتَرَماً كإمامٍ في الجالية.»، «كانَ الشيخ خليل بزي لايفرِّقُ بين المسلِمين على أساسٍ مذهبِيٍّ. كانَ يؤمِنُ بأنَّ جميعَ المسلِمين أخوةٌ في الدين».
الدكتورة سالي هاول
الأستاذة المُساعِدة في مادّةِ التاريخ، والباحثة في مركزِ الدراساتِ العربيّة الأميركيّة بجامعةِ ميشيغن-ديربورن.
«الشيخ خليل الحاج عبدالله بزي من أنصارِ مجلة العرفان في الولاياتِ المتّحدة وهو ولوعٌ بتعليمِ بني قومِهِ في المِهجَر، ويطبعُ على نفقتِهِ الرسائلَ الدينيّة ويوزِّعُها عليهم مجّاناُ».
مجلة العرفان (1926)
«للإمامِ الفاضل الشيخ خليل بزي مآثر خالدة في سبيلِ القضيّة الوطنيّة، وقد خدَمَ الدينَ الإسلاميّ الشريف في هذه الحاضِرة وغيرها من المدُن دونَ مقابل، وهو يكتب ويبشِّر في الإخلاصِ لهذه الجمهوريّة الديموقراطيّة العظمى التي يعتقِدُ أنّنا أصبحنا جُزءاً حيّاً منها».
الدليل السوريّ اللبنانيّ لولاية ميشيغن (1943)
«الشيخ خليل بزي مِنْ كِبار وجوهِ الجالية اللبنانيّة في الولايات المتحدة. وكان القيِّمَ الدينيَّ الأوّل للمسلِمين في ولاياتٍ عِدّةٍ. والمُهاجِرُ الكريم أقامَ مشاريعَ خيرِيّة عِدّة في وطنِهِ الامّ وفي العراق (النجف الأشرف) كذلك. وهوَ مِنَ الذين دعموا المختَرِعَ اللبنانيّ الشهير المهندس حسن كامل الصبّاح في بِدايةِ صعودِهِ».
صحيفة الأنوار اللبنانيّة (1974)
«كانَ الشيخ خليل بزي معروفاً بِعِصاميَّتِهِ وفكرِهِ النيِّر وأعمالِهِ الدينيّة والإجتِماعيّة التي تركَتْ أثراً كبيراً في نفوسِ مُحِبّيه ومجلّيه. وكانَ صاحب علاقاتٍ عربيّةٍ هامّة».
صحيفة «صدى الوطن» 1988
الخاتمة
وفي مِسْكِ ختامِ هذا السِفْرِ الخالد يطيبُ لنا أنْ ننقلَ القارئ الكريم إلى أبياتٍ من نظمِ المغفور لهُ المرحوم الشيخ علي شرارة قد ثُبِّتَتْ ونُقِشَتْ على لوحةٍ حجرِيّةٍ في أسفلِ مئذنةِ جامعِ بنت جبيل الكبير في لبنان عام 1365 هجرية، تلك المئذنة التي أعادَ بناءَها الشيخ خليل بزي إبّانَ تلك الفترة الزمنيّة:
مئذنةٌ تأسَّسَتْ على التُقى
للذِكْرِ فيها غدْوَةً وفي الأُصُلْ
أسَّسَها يبغي ثوابَ ربِّهِ
بِهِمَّةٍ ماعَرَفَتْ قطُّ المَلَلْ
خليلُ عبدُ اللهِ وابنُ بزَّةٍ
وذو المعالي الغُرِّ والنُدْبِ الأجلّ
حتّى إذا ما بلَغَتْ غايتَها
وارتَفَعَتْ كأنّها أعلى الجبَلْ
علا عليْها ذاكِراً مُكَبِّراً
مُهَلِّلاً لِرَبِّهِ عزَّ وجَلّ
مؤذِّناً أرَّخْتُ وهوَ قائمٌ
مُنادِياً حيَّ على خيرِ العَمَلْ.
Leave a Reply