أثناءَ إقامتِنا القاسية والمُضنِية في مخيّمِ رفحاءِ الصحراويّ، هرباً من بطشِ النظام الديكتاتوريّ الدمويِّ المنقرِض، أسّسْنا مكتبَةً متواضعة ساهمَ في إثرائها العديدُ من الأدباءِ العراقيّين المغترِبين وعددٌ ضئيلٌ من إخواننا الأدباء العرب. كما مدَدْنا جسورَ التواصلِ مع العديد من أولئكَ الأدباءِ الكِبار في الروحِ وفي الإنجاز الإبداعيّ. وكان من بينِ الذين قاسموني الهمَّ الثقافيّ في جحيمِ ذلك المخيَّم، الشعراء خضيّر النزيل، حيدر الكعبي، ناجي رحيم، وكريم الدريعي، إضافةً إلى القاصّين رياض سبتي، رياض كاظم الخضيري، وحسن حمّود.
هنا ولمناسبةِ مرورِ 22 عاماً على ورودِ الرسالةِ الجوابيّة من شاعرِ العراقِ الكبير بلند الحيدري، الذي يُعَدُّ أحد أبرزِ روّادِ الحداثةِ الشعريّة العربيّة، تلك الرسالة التي أعادت فينا بصيصاً من بريقِ الحلم. وكان فرحي بوصولِها قد طغى على معاناةِ مخيّمِ السجنِ الرفحاويّ الكبير، إذْ زرعتْ في نفوسِنا الأملَ كلَّ الأمل في غدٍ زاهرٍ ومشرقٍ تحت الظلِّ الثقيل لتلك الأيّامِ السود.
الشاعر الكبير بلند الحيدري |
وإذْ أطْلِعُ القرّاءَ الكِرامَ على نصِّ الرسالة، فإنّما أودُّ أنْ أبيِّنَ عظَمَةَ التواضعِ لأولئكَ الشعراء الأفذاذ وحميميّة تواصُلِهِم مع ذوي السُبُلِ المقطوعةِ عن منافذِ الحياة.
نصّ الرسالة:
العزيز سعد:
ألفُ شكرٍ لرسالتِكَ الكريمة. وآملُ أنْ أكونَ أهلاً لِمَظنَّتِكَ الخيِّرَةِ بي.. أيُّها العزيز.. أعرفُ أنَّ رِحلتَنا كانتْ صعبةً وصعبةً جِدّاً.. ولكنْ لاأظنُّ أنّ الفجرَ بعيد.. إنَّ هذا الحبَّ الكبيرَ للوطن الذي تمتليء به صدورنا، لهُوَ الذي سيُعيدُهُ إلينا ويعُيدُنا إليه.. أشُدُّ على أيديكم الكريمة، واسلموا أيّها الأصدقاء الأعِزّاء.
بلند الحيدري 1992 لندن
Leave a Reply