ديربورن – في إطار مجموعة الندوات التي ينظمها مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن والتي دشنها المجلس بندوة أولى في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2012 وكان محورها: «موقع المغترب اليمني في الحوار الوطني»، نظم المجلس ندوته الثانية في قاعة الندوات بمكتبة «هنري فورد» بديربورن يوم الأحد الماضي، تحت عنوان «دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق العدالة الإنتقالية باليمن».
وقد لاقت الندوة نجاحاً كبيراً إذ يكفي أنّها استطاعت أن تجمع حول طاولة مستديرة واحدة، أغلب الوجوه البارزة للطيف السياسي اليمني بكل أحزابه وتكتلاته، ويعتبر هذا علامة فارقة في تاريخ العمل السياسي اليمني بالمهجر حيث تجاوزت كل التيارات مصالحها الحزبية الضيقة وإختلافاتها وتناقضاتها لتلتقي في حوار جاد وهادف من أجل المصلحة العليا لليمن وللشعب اليمني.
الدكتور محمود العزاني نزل ضيفاً على الجالية اليمنية في منطقة ديترويت، وكان المتحدث الرسمي في الندوة حيث ألقى محاضرة تحت عنوان: «مقدمة حول مفهوم العدالة الانتقالية وأهميتها». والدكتور العزاني هو أحد مؤسسي «مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن» ومنسق أول لفرعه ببريطانيا التي يقيم فيها، وهو كذلك باحث اكاديمي وجامعي وناشط في مجال الحقوق المدنية والسياسية وأحد الوجوه السياسية البارزة في المعارضة اليمنية.
الدكتور محمود العزّاني |
وللدكتور العزاني إطلالات عديدة عبر البرامج الحوارية والسياسية سواء من خلال المؤتمرات والإذاعات والفضائيات البريطانية والعربية حيث شارك كمحلل سياسي لأوضاع المنطقة العربية التي تعيش مرحلة مفصلية من تاريخها.
افتتح الندوة عبد الولي ثابت عضو «مجلس التنسيق العالمي»-فرع ميشيغن، بالترحيب بكافة الحضور، وفي مقدمتهم المتحدث الرسمي في الندوة وضيفها الدكتور محمود العزاني، وقدمه بنبذة أشار فيها الى خلفيته الأكاديمية والسياسية ودوره الطلائعي في الدفع بدور السياسيين والمثقفين اليمنيين المغتربين ليكون لهم صوت مسموع في بناء مؤسسات دولة الحق والقانون اليمنية الحديثة. وفي كلمته تحدث د. العزاني عن مفهوم العدالة الانتقالية الذي يختلف عن مفهوم العدالة المشمول بالمحاكم العادية. وأوضح أن العدالة الإنتقالية «أسلوب استثنائي لحالات استثنائية». وقدم العزاني نماذج لذلك مثل تجارب المغرب وجنوب افريقيا وتشيلي والارجنتين لتلك العدالة، ورأى انّ اليمن هو اقرب للنموذجين الأخيرين بحكم استمرار جزء من النظام بعد الثورة.
وأكد الدكتور العزاني على انّ اهداف العدالة الانتقالية هو تحقيق مصالحة بين كل مكونات المجتمع بعد احقاق الحق وطلب العفو وجبر الضرر للمتضررين، وهي الشروط التي يمكن ان تساعد على بناء الثقة من جديد وفي تركيز الاستقرار وبدء مسيرة البناء بدون احقاد وضغائن.
وبدوره ألقى الدكتور دحان النجار، وهو رئيس «مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن»، ويقيم في ميشيغن، كلمة في الندوة تحدث فيها عن «منظمات المجتمع المدني وقانون العدالة الإنتقالية» مشيراً الى اختلال قانون العدالة الانتقالية اليمني، سواء النسخة التي اعدتها وزارة الشؤون القانونية اليمنية أو النسخة المعدلة من طرف الرئيس عبدربه منصور هادي.
واكد النجار، وهو استاذ جامعي سابق بجامعة صنعاء واكاديمي وباحث، على موقف الرفض الذي ابداه المركز اليمني للعدالة الإنتقالية، نتيجة الثغرات في مشروع القانون المقدم الذي حصر العدالة الإنتقالية في جبر الضرر ومنح الحصانة المطلقة ممّا يقف حائلاً دون عقاب المذنبين. كما أكد الدكتور النجار على توجس كل الناشطين والمؤسسات المدنية من امكانية الانقلاب على مطالب الشارع الأساسية في الحرية والكرامة والعدالة، مما قد يكون سبباً في عودة نظام الاستبداد بشكل آخر.
ودعا الدكتور النجار الى ضرورة عدم حصر سريان قانون العدالة الانتقالية بتاريخ معين مطالباً بتطبيقه على أيّ مرحلة تاريخية وقع فيها الاعتداء على حقوق الانسان في اليمن دون حصر ذلك بمرحلة الثورة، كما يريد من تلطخت ايديهم بتجاوزات وانتهاكات سابقة لهذه الفترة خوفاً من أن تطالهم قوانين العدالة الانتقالية.
وساهم عبد الملك الوجيه، وهو مثقف وناشط سياسي يمني مقيم بميشيغن، بمداخلة تحدث فيها عن «انسجام العدالة الانتقالية مع القانون الدولي»، وعن اقرار قانون العدالة الانتقالية، الذي اعتبره اعترافاً بحدوث انتهاكات لحقوق الانسان، مؤكداً أنه «قانون خاص لحالات خاصة». وأشار الوجيه الى انّ القوانين الدولية لا تنص على مبدأ الحصانة لمرتكبي جرائم ضد الانسانية، وذكّر بإدانة مجلس الأمن الدولي لسياسة القمع التي ارتكبتها الحكومة اليمنية ضد الثوار وضد النساء والأطفال ودعاها للإمتثال الى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما دعا الى اجراء تحقيق نزيه بكل التجاوزات والجرائم المرتكبة ضد المظاهرات السلمية ومحاسبة مرتكبيها.
نقاش
يمكن أن نجمل أهم المداخلات والملاحظات التي ذكرها المعقبون من الحضور في النقاط التالية:
لم تكن هناك استفاضة كافية في الحديث عن الانتهاكات التي ارتكبها النظام ضد يمنيي الجنوب وضد سكان صعدة والحوثيين. حيث أشار أحد الحضور الى انه «لا يمكن الحديث عن قانون العدالة الانتقالية إلاّ بعد انتهاء الحوار الوطني»، كما طالب آخر بتأجيل قانون العدالة الانتقالية الى ما بعد الانتخابات.
وقال آخر «الثورة فشلت فشلاً ذريعاً وفقدت زخمها الثوري، وإن بعض أطراف النظام تحولوا الى ثوريين وكانوا وراء مقترح المبادرة الخليجية وبعضهم عين في مناصب دبلوماسية مما يمنع ملاحقتهم حسب القانون الدولي، معنى هذا انهم اصبحوا يتمتعون بحصانة مزدوجة». فيما قال آخر «عودة العدالة الى الوراء تثقل كاهل الدولة»، مطالباً بتمثيل صحيح للمناطق الوسطى التي تعرض سكانها للإهمال وللإنتهاكات. وشدد آخرون على ضرورة توحيد قوى المغتربين من اجل عمل جماعي اكثر فاعلية منددين بتغييب سبعة ملايين مغترب عن المشهد السياسي.
كما دعا البعض الى رفض اقتصار القانون على فترة ما بعد سنة 2011 «لأنها تعني مساواة الظالم بالمظلوم» مطالبين بتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدسن قبل تطبيق قانون العدالة الانتقالية. وأكد البعض الآخر على وجود «شرفاء داخل النظام والمؤتمر»، فيما طالب متحدث آخر باستغلال الزخم الثوري لمزيد الضغط خلال الحوار لايجاد حلول لمشاكل الجنوب وصعدة.
وفي الختام أعلن د. النجار عن موعد الندوة القادمة والتي ستقام يوم السبت ٢٠ الجاري في نيويورك بالتعاون مع قيادات الجالية هناك.
ما يجب أن تعرفه
عن قانون العدالة الانتقالية فـي اليمن
أصدرت وزارة الشؤون القانونية مشروع قانون للعدالة الانتقالية ثم توجهت به الى الرئيس الحالي هادي الذي لم يبق على نصوص القانون نفسها بل قام بتعديلها وأوقف المحاسبة القانونية لفترة ما بعد 2011. ويؤكد وزير الدولة للشؤون القانونية بأن مشروع القانون ادخلت عليه تحويرات من قبل اعضاء المؤتمر الشعبي العام في مجلس الوزراء مما أفرغ مشروع القانون من مضامينه. وقد أكد المركز اليمني للعدالة الإنتقالية رفضه القاطع لمشروع القانون الذي أصدرته وزارة الشؤون القانونية وكذلك لمشروع الرئيس هادي المعدل.
Leave a Reply