بوسطن – هز انفجاران «بدائيان» يوم الإثنين الماضي وسط مدينة بوسطن، ليدخل معهما المشهد الأميركي منعطفاً بارزاً وضع الرئيس باراك أوباما وإدارته أمام لغز أمني يستوجب حله لمعرفة الأبعاد السياسية للإعتداء الذي أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى و180 جريحاً قبل «خط النهاية» من سباق ماراثون بوسطن الدولي.
وفي المعطيات الأولية عن الهجوم ومستوى قوته و«مشهديته» وتوقيته، بقيت جميع الإحتمالات مفتوحة ليجد أوباما نفسه في موقف يذكّر الى حد ما بما حصل بعد مقتل السفير الاميركي كريس ستيفنز في ليببا حين تردد البيت الابيض في وصف هذا الاعتداء بأنه «عمل ارهابي»، ما أدى الى معارك سياسية مع الجمهوريين في الكونغرس.
هذه المرة أيضاً تردد أوباما في وصف الهجوم بـ«الإرهابي»، لكنه تحدث إلى الأميركيين أكثر من مرة منذ التفجير دون أن يكشف عن وجود معطيات كافية لكشف أهداف العملية. فدروس الماضي علّمت الإدارات المتعاقبة بأن الصمت المطول أمام حدث على هذا المستوى قد يكون مكلفا سياسياً، والأفضل خروج الرئيس الى العلن وتطمين الأميركيين ومواساتهم والوعد بتحقيق العدالة. العام 2009، بعد محاولة تفجير فاشلة لطائرة مدنية فوق ديترويت، انتظر اوباما ثلاثة ايام قبل التحدث الى الأميركيين، فتعرض الى انتقادات من الجمهوريين، لا سيما أنه كان في عطلة الميلاد في هاواي مع عائلته.
تعهد أوباما بمحاسبة منفذي التفجيرين وقال أوباما في مؤتمر صحفي عقب الانفجار إنه أعطى توجيهات للحكومة الفدرالية برفع مستوى الحماية في جميع الولايات عقب التفجيرين. وأشار إلى أن التحقيقات لم تقد حتى الآن إلى معرفة الفاعلين والأسباب التي دفعتهم للهجوم مؤكدا أن المتورطين سيخضعون للمساءلة.
لاحقاً وصف أوباما تفجير بوسطن بأنه «عمل شائن وجبان، واستنادا الى ما نعرفه الآن عما حدث، مكتب التحقيقات الفدرالي يحقق بذلك على أنه عمل ارهابي. في أي وقت يتم استخدام تفجيرات لاستهداف مدنيين، هذا عمل إرهابي»، مضيفاً «ما لا نعرفه حتى الآن هو من نفذ هذا الاعتداء ولماذا، وإذا ما تم التخطيط والتنفيذ من قبل منظمة إرهابية اجنبية أو محلية أو إذا كان عملا فردياً حاقدا. هذا ما لا نعرفه بعد، وبشكل واضح نحن في بداية تحقيقنا». كما أكد أوباما أن دوافع التفجير لا تزال مجهولة و«كل شيء آخر هو تكهنات في هذه المرحلة».
مقتل مشتبه به
وظل البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي يؤكد أنه يجب عدم القفز إلى استنتاجات لغياب الأدلة الكافية، لمعرفة من قام بالاعتداء وما الغاية وراءه. ومع صدور هذا التقرير أكد قائد شرطة بوسطن أن رجلاً مشتبه به أوقفته الشرطة، صباح الجمعة الماضي، توفي في المستشفى متأثرا بجراحه، مضيفا أن الشرطة تطارد مشبوها ثانيا. ونقلت مصادر في بوسطن أن المشتبه بهم في تفجيري بوسطن روس من إقليم الشيشان وعاشوا في الولايات المتحدة منذ عام على الأقل. وأضافت أن الشرطة تعتقد أن المشتبه بهما هما شقيقان، الأول عمره 19 عاماً والثاني الذي قتل 20 عاماً.
وقال طبيب في مستشفى أميركي استقبل أحد المشتبه بهما في تفجيري ماراثون بوسطن إنه توفي نتيجة إصابته بعدة جروح ناجمة عن طلقات رصاص وربما انفجار مادة ناسفة. وأضاف الطبيب، الذي يعمل في مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن للصحفين أن الرجل وصل إلى المستشفى مصابا بتوقف في وظائف القلب، وبه آثار إصابات أكثر من مجرد إصابات طلقات رصاص.
من جانبها طلبت الشرطة من سكان ووترتاون قرب بوسطن «الابتعاد عن النوافذ»، بينما تواصل مطاردة مشبوه ثان في الاعتداء، وعلى إثر ذلك توقف القطارات والحافلات في منطقة بوسطن أثناء عملية المطاردة.
مشهدية الإعتداء
في العاصمة الثقافية والتاريخية للبلاد، وفي الأمتار القليلة الأخيرة من ماراثون على طول 26,2 ميلا شارك فيه أكثر من 25 ألف عدّاء وسط بوسطن، التي كانت في يوم عطلة نتيجة «عيد الوطنيين» في ولاية ماساتشوستس، دوّى انفجاران في ساحة «كوبلي» على مسافة شارعين فاصلين بينهما، وبفارق زمني بلغ حوالي 20 ثانية.
ومع مقتل أحد المشتبه بهم ازداد الترقب الأميركي بخصوص ما إذا كان تفجير بوسطن بداية لسلسلة من الاعتداءات التي تستهدف الأماكن العامة والأحداث الرياضية الكبيرة والمتتالية في الولايات المتحدة، وبالتالي دخول عامل جديد من العنف المتنقل الذي يُضاف إلى خطر الأسلحة الفردية المنتشرة. من هنا، فإن تحديد مسار التحقيق وهوية المخططين والمنفذين ودوافعهم، والذي قد لا يتضح في المدى المنظور، قد يكون له تداعيات على الحكومة الفدرالية عند معرفة ما إذا كانت دوافع المرتكب قضايا داخلية أميركية أو استهدافا خارجياً من تنظيم «القاعدة» أو أي جهة أخرى.
وكان «أف بي آي» قد أصد تعميم بصور الشخصين وسط شكوك بارتباط انفجار معمل الأسمدة في تكساس بهجوم بوسطن. وفيما لا تزال السيناريوهات موزعة بين «إرهاب خارجي» و«داخلي»، بدأت التحقيقات تتأكد حول طبيعة التفجيرات المستخدمة، الأمر الذي يعوّل عليه المسؤولون الأميركيون من أجل إيصالهم إلى المتورطين.
وخلال التحقيقات الأولية انتاب أجهزة الاستخبارات القلق مع بروز أدلة ترجح بأن هجمات بوسطن الدموية ربما من تنفيذ شخص واحد قام بإعداد العبوات الناسفة من مواد متوفرة واتباع إرشادات متاحة، في إشارة الى مجلة «إنسباير» التي يصدرها تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية باللغة الإنكليزية وتتضمن إرشادات حول كيفية صناعة قنابل من مواد متوفرة «ويسهل التخلص منها إذا قام العدو بتفتيش بيتك».
وأوضح خبير متفجرات لشبكة «سي أن أن» بأن الدخان الأبيض الذي تلا الانفجار يعني استبعاد استخدام مواد متفجرة عسكرية الاستخدام، كتلك المستخدمة في صناعة القنابل والقذائف.
ويقول الخبراء إن المواد المستخدمة في صناعة تلك العبوات المتفجرة البدائية، هي مواد متوفرة في متناول الجميع، تجعل من الصعوبة بمكان ملاحقة مصدرها وبالتالي تحديد المنفذ.
ومع صدور هذا العدد تتواصل عمليات الإستجواب والإطلاع على كمية هائلة من قاعدة بيانات من كاميرات مراقبة وصور ومعلومات من الموطنين، إضافة إلى تطويق وسط المدينة ومنع خروج أي سيارة منها قبل الانتهاء من جمع الأدلة وملاحقة المشتبه به الثاني. وصرّح مدير مكتب «أف بي آي» في بوسطن، ريك ديلورييه، للصحافيين أنه «من بين الأشياء التي عُثر عليها قطع من النايلون الأسود قد تكون من حقيبة ظهر، وما بدا كشظايا خردق ومسامير يحتمل أنها كانت في طنجرة ضغط». وقد أكدت الشرطة أن المنطقة خضعت للتمشيط مرتين قبل السباق ولم يعثر على أي متفجرات، فيما أفاد عمال أجهزة الطوارئ والأطباء الذين عالجوا الضحايا بأن العبوتين أطلقتا المسامير والخردق والقطع المعدنية، ما أدى إلى جروح في الجزء الأسفل من الجسم على الأخص، وأجبر على بتر أطراف بعض الجرحى.
تنديد عالمي
أجمعت عواصم العالم، على إدانة تفجيري بوسطن، داعية إلى ردّ منسق من المجموعة الدولية. فقد دانت إيران «بشدة» الاعتداء بالتفجيرات، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست الذي وصف الهجوم بأنه «مصدر قلق». وأضاف «لا أحد وفي أي ظرف كان يجب أن يدعم الإرهاب والتطرف سواء كان في الولايات المتحدة أو في الشرق الأوسط».
وأردف مهمانبرست قائلاً «إننا ندين بشدة أي عمل يودي بحياة إنسان بريء، ونحن نعتقد أنه على جميع الدول أن تبذل جهدها لتوجد أرضية للأمن والاستقرار لجميع مواطنيها، ونشدد على ضرورة اقتلاع جذور الإجراءات الإرهابية في أي بقعة من العالم».
ومن جهته، شجب الملك السعودي الأعمال «الإرهابية» في بوسطن، مشيراً إلى أن من قام بذلك «يمثل نفسه فلا دين أو أخلاق تقبل هذا الأمر». وقال الملك، في برقية الى اوباما، «نشجب هذه الأعمال الإرهابية المشينة التي تستهدف عادة الأبرياء العزل، وتقوم بها فئة مجرمة آلت على نفسها إلا أن تكون عدوا لكل الاعتبارات الإنسانية».
وكان لقطر الموقف ذاته، حيث دانت التفجيرات، بحسب مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أعرب عن «تضامن دولة قطر مع شعب وحكومة أميركا».
العراق أيضاً، المكتوي بنار التفجيرات في اليوم ذاته، طالب العالم بوقفة موحدة «لإدانة ومواجهة» الإرهاب. وقال علي الموسوي، وهو المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي، «ندين هذه الأعمال الإجرامية بغض النظر عن الجهات التي تقف وراءها».
وفي السياق، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساعدة روسيا في التحقيق في «هذه الجريمة الهمجية». وفي برقية وجهها إلى الرئيس الأميركي، دان بوتين بشدة هذه الجريمة الهمجية، وعبر عن «قناعته بأن مكافحة الإرهاب تتطلب تنسيقا نشطا لجهود كل المجموعة الدولية».
كما ندد بالهجوم كل من رؤساء الصين وفرنسا والإتحاد الأوروبي والأمينان العامان للأمم المتحدة ولحلف شمال الأطلسي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الإسرائيلي.
كما قدم الرئيس الأفغاني حميد قرضاي تعازيه لعائلات الضحايا وعبر عن تفهم الشعب الأفغاني لمعاناة الأميركيين. وكانت حركة طالبان الباكستانية نفت أي ضلوع لها في تفجيرات بوسطن. وقال الناطق باسم الحركة إحسان الله إحسان «نحن نؤمن بمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها، لكننا لسنا ضالعين في هذا الهجوم»، مضيفاً «ليس لنا أي علاقة بهذا التفجير لكننا سنواصل استهدافهم في أي مكان كان».
Leave a Reply