دمشق – لم يعد الحديث عن معركة دمشق الكبرى الكفيلة بإسقاط النظام السوري ممكناً بعد التطورات الميدانية والسياسية البارزة التي ظهرت على المشهد السوري في الأسبوعين الماضيين. فالجيش السوري يواصل تحركاته الإستراتيجية لتشديد الخناق على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، أما الرئيس بشار الأسد فكان واثقاً من التغلب على الأزمة حسب مقابلة خاصة أجراها مع قناة «الإخبارية السورية» اكد فيها أن لا خيار أمام سوريا إلا الانتصار في الحرب الدائرة والا ستنتهي سوريا. ولفت الرئيس السوري الى أن بلاده تتعرض لمحاولة غزو من الخارج، مشدداً على أن الوضع الحالي في بلاده أفضل مما كان عليه في بداية الازمة.
وعلى مستوى المفاوضات الروسية الأميركية، لا يثق الروس كثيراً بالإدارة الأميركية، وربما واشنطن تبادلهم عدم الثقة، ولكن سوريا باتت جزءا من ملفات كبيرة بين الطرفين. لا شيء يمنع التفاهمات على مراحل، حتى ولو أن ثمة من يقول إن من مصلحة واشنطن وحلفائها عدم التوصل إلى حل الآن طالما أن سوريا تتعرض لأبشع عملية تدمير.
جنود من الجيش السوري في حمص |
الرئيس الأسد أكد أن بلاده تحارب القوى التكفيرية بعدما سعى الغرب لتصدير «القاعدة» الى سوريا، مشيراً الى أن هذا الغربَ سيدفع ثمن «تمويله» للقاعدة في سوريا في «قلب أوروبا وقلب الولايات المتحدة».
وذكر الأسد بما قاله منذ بداية الأزمة عن «مؤامرة» هو الذي صار واقعاً الآن. سعى للتأكيد، غير مرة، على أن الوضع الآن بات أفضل مما كان عليه في بداية الأزمة، ليصل إلى نتيجة واحدة مفادها أنه «لا يوجد خيار أمامنا سوى الانتصار… إن لم ننتصر فسوريا تنتهي».
وانتقد الرئيس السوري تغاضي الأردن عن دخول المسلحين عبر الحدود إلى سوريا، داعياً المسؤولين الأردنيين أن يكونوا أكثر وعياً وإدراكاً لخطورة الأزمة في سوريا لأن الحريق سيطال الجميع.
وقال الرئيس الأسد «إنه من غير الممكن أن نصدق أن الآلاف يدخلون مع عتادهم إلى سوريا من الأردن، في الوقت الذي كان الأردن قادراً على إيقاف أو إلقاء القبض على شخص واحد يحمل سلاحاً بسيطاً للمقاومة في فلسطين عبر السنوات الماضية».
وأشار الرئيس الأسد إلى أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان مستعد أن يقدم كل بلده مقابل نفسه، لافتاً بحسب وكالة سانا، إلى ان الخسائر التي مني بها ارودغان سياسياً داخل تركيا على خلفية فشله بما سمي سياسة صفر مشاكل، تحولت إلى صفر سياسة وصفر أصدقاء وصفر أخلاق.
وحول زيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري إلى المنطقة، أكد الرئيس الأسد أن هذا يدل على أن العامل الخارجي هو عامل أساسي بما يحصل في سوريا منذ اليوم الأول، وأنه كلما حققنا نجاحات فسوف نشهد المزيد من التصعيد.
تراجع أميركي
كلام الأسد الذي اعتبره «الإئتلاف» السوري المعارض، كعادته، منفصلاً عن الواقع، قابله كيري، بإبداء خشيته من أن يؤدي النزاع في سوريا إلى «تفكك» هذا البلد، وذلك عشية اجتماع لمجموعة «أصدقاء سوريا» في اسطنبول (مع صدور هذا العدد)، فيما شككت قيادات عسكرية أميركية بإمكانية التدخل المباشر في الأزمة السورية.
وقال كيري، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، إن «الوقت ليس في مصلحة حل سياسي، إنه يؤدي إلى مزيد من العنف ومزيد من العناصر المتطرفين والى تفكك سوريا».
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن كيري سيلتقي في اسطنبول «شركاء أساسيين وأعضاء في ائتلاف المعارضة السورية ليبحث في العمق سبل تمكن المجتمع الدولي من دعم المعارضة والتعجيل في (حصول) عملية انتقال سياسي في سوريا». وأضاف إنه سيزور بروكسل بين 22 و24 نيسان للمشاركة في اجتماع لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي، وسيلتقي على هامشه نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وأضاف كيري، في مجلس الشيوخ، «ما زلت آمل أن يظهر الروس روحاً بناءة في هذه العملية وأن نتمكن من إيجاد طريق للتفاوض». وأوضح أن الهدف من هذه المحادثات هو «وضع الجميع على الموجة نفسها» بالنسبة إلى مرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد، مشدداً على ضرورة التوصل إلى تفاهم بين قطر والسعودية ودولة الإمارات وأوروبا.
وسيتم التطرق أيضاً إلى مسألة إمداد المقاتلين المعارضين بالأسلحة في ظل خشية الدول الغربية من أن تصل هذه الأسلحة إلى مجموعات متشددة. ولفت كيري إلى أن المخاوف تزداد في سوريا من «مواجهة بين الطوائف، بالغة الخطورة على المدى البعيد، ومن إمكان أن يحصل أشخاص سيئو النية على أسلحة كيميائية».
وقال مدير وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الجنرال مايكل فلين إن الأسد «لا يزال ممسكاً بالسلطة»، مضيفاً إن الحكومة السورية «تحافظ على الأفضلية العسكرية، خاصة في القوة النارية والتفوق الجوي»، كما أنه يبدو أن «الدائرة الضيقة المحيطة بالأسد لا تزال متماسكة إلى حد كبير»، لكنه أشار إلى أن السلطات السورية «تواصل صراعها مع المنشقين ومشكلة المعنويات وعدم قدرتها على هزيمة المعارضة بشكل كامل». وتابع «لا يوجد أي مجموعة معارضة استطاعت توحيد المجموعات المختلفة حول استراتيجية لاستبدال النظام».
وكان وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل أعلن أن التدخل العسكري الأميركي لدعم المعارضة السورية «هو الحل الأخير»، لكنه قد يدخل الولايات المتحدة في نزاع طويل. وأضاف إن «التدخل العسكري في هذه المرحلة قد يؤدي إلى إعاقة العمليات الإنسانية، وقد يورّط الولايات المتحدة في حرب عسكرية طويلة، وقد تكون له عواقب غير مقصودة عبر دخول الولايات المتحدة في نزاع إقليمي واسع أو حرب بالوكالة».
وفي حين تعهّد هايغل «بإيجاد طريقة ما يمكننا عبرها مساعدة المتمردين السوريين»، فإنه أشار إلى أن الرئيس باراك أوباما لم يطلب منه أي توصيات بشأن عمل عسكري.
وحيال مطالبة نائب ديمقراطي بإنشاء «مناطق آمنة» للمسلحين ونقل منظومات صواريخ «باتريوت» الموجودة في تركيا إلى قرب الحدود السورية، قال رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي إن نشر «الباتريوت» سيكون غير ذي جدوى لإنشاء «مناطق آمنة»، لانه يجب ان يكون هناك سيطرة على الأرض. وأعلن ان عملية تسليح المعارضة معقدة، لأنها غير منظمة ولا يُعرَف إلى أين ستذهب الأسلحة.
من جهتها أفادت صحيفة «لوس انجلوس تايمز» أن مقابلة الاسد مع قناة «الاخبارية»، رمى من خلالها الى «خطب ود السوريين القلقين على ما آلت اليه الاوضاع الدموية، والذين خاب املهم ببرامج كافة القوى ويتلهفون لانهاء الصراع في سوريا».
ميدانياً
العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذها الجيش السوري في درعا وريف دمشق والقصير وحلب ووادي الضيف في إدلب تحمل على استنتاج أولي بأنه بدأ يستعيد المبادرة على الأرض، وسط تفكك فصائل مسلحة بدأت بالتفاوض مع بعض وسطاء النظام والمصالحة بغية التوصل إلى تفاهمات خصوصاً بعد هيمنة «جبهة النصرة» وجهاديي «القاعدة» على جزء كبير من المشهد وإعلان الرئيس السوري عن عفو عام عن جميع الجرائم المرتكبة قبل ١٦ الجاري باستثناء الإرهابية منها.
وحالياً تشير المعلومات الى وصول السلاح إلى مجموعات معارضة مدربة فقط، بينما مجموعات أخرى ما عادت تتلقى شيئا. وتقدر السلطات السورية أن في سوريا حالياً 300 فصيل أو مجموعة يحملون السلاح ومعظمهم متنافرون في ما بينهم.
وبعد إنجازات الجيش السوري بالإطباق على الغوطة الشرقية وتأمين مطار حلب الدولي، شددت القوات السورية، الخناق على المسلحين في محافظة حمص، بسيطرتها على قرية واقعة بين مدينتي حمص والقصير، فيما سيطر المسلحون على مطار الضبعة الذي أخلاه الجيش في ريف القصير.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض، في بيانات: «سيطر مقاتلون من اللجان الشعبية المسلحة الموالية للنظام السوري وحزب الله وجنود من القوات النظامية على بلدة آبل» جنوب مدينة حمص، والواقعة على بعد أربعة كيلومترات من الطريق الدولي دمشق-حمص- حلب.
وتحاول القوات السورية عزل المسلحين بين مدينتي حمص والقصير القريبة من الحدود اللبنانية. وتدور في المنطقة اشتباكات عنيفة بهدف عزل مقاتلي المعارضة في هذه النقطة الأساسية لربط دمشق بالساحل. كما قال «المرصد» اللندني إن القوات النظامية تسعى إلى فرض سيطرتها على الطريق الواصل بين مدينة خان شيخون ومعسكريْ وادي الضيف والحامدية بريف معرة النعمان، المدينة الإستراتيجية التي دخلها مسلحو المعارضة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وفي إدلب، استفاد الجيش السوري في منطقة وادي الضيف الاستراتيجية في ريف إدلب من تفكك المعارضة وانسحاب ألويتها نحو الرقة، وقامت القوات المحاصرة في معسكري وادي الضيف والحامدية بعملية التفافية عبر قرية صهيان وفاجأت المسلحين في بابولين وقتلت 21 منهم.
موضعياً تعيد المعركة خلط الأوراق في ريف إدلب، التي كانت قد وضعت في سلة المعارضة منذ أشهر، فالجيش السوري بات يشرف على هضبتين تطلان على الطريق الاستراتيجي «حلب-دمشق» بالقرب من جنوب معرة النعمان ويسيطر بالرماية على هذه المنطقة من جنوب المعرة حتى خان شيخون.
وإذا ما استمر تدفق التعزيزات العسكرية نحو مواقع الجيش في المنطقة واستبدال الوحدات المقاتلة، سيؤدي ذلك إلى فتح الطريق باتجاه سراقب، وبعد أن كان محاصراً أضحى الجيش قادراً على محاصرة وحدات المعارضة الموجودة في المنطقة…
أما في الشمال الحلبي فقد أتاحت استعادة تلة «عزيزة» الاستراتيجية في جنوب شرق حلب وضع الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة تحت نيران الجيش السوري، التلة نفسها تتعرض لهجمات لاستعادتها، لكن الجيش السوري يحاول الاستفادة من إشرافها على هذه المنطقة لبدء عمليات قصف ومحاولة قطع طرق الإمداد في حيي المرجة والشيخ سعيد واستهداف تجمعات لواء التوحيد والنصرة في المنطقة..
عنصران مستجدان أتاحا الإنعطافة في ميزان القوى الذي يحتاج للمزيد من الوقت من أجل الثبات على الارض هما، استيعاب الجيش السوري الضربات الأولى التي تلقاها خلال عام ونصف من القتال، من حرب عصابات لم يعهدها واكتسابه خبرات في هذا الميدان، وأيضاً إعادة هيكلة وتوزيع في قيادات المناطق العسكرية السورية وظهور قوات الدفاع الوطني بشكل بنيوي واضح ومنظم لتسد ثغرة كبيرة في الإمساك بالأرض بعد استعادتها من المعارضة المسلحة.
Leave a Reply