واشنطن – تعلق الحكومات على جانبي الاطلسي آمالا كبرى على مستقبل علوم المخ والاعصاب في حين ينسحب عدد كبير من شركات الأدوية في هذا المجال.
ففي الأسبوع الماضي كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما النقاب عن مبادرة كبرى لرسم خريطة لخلايا المخ لكل فرد على حدة والتفاصيل الدقيقة للمخ البشري. وجاء الإعلان بعد قرار الإتحاد الأوروبي في كانون الثاني (يناير) الماضي منح 1.3 مليار دولار لمشروع ينفذ في سويسرا بهدف تكوين مخ صناعي يتلقى اوامره من جهاز كمبيوتر.
وتعقد مقارنة بين البرنامجين -أبحاث المخ من خلال تطوير تكنولوجيا المخ والأعصاب المبتكرة ومشروع المخ البشري- ومشروع رسم خريطة جينية للانسان (الجينوم) الذي استكمل في 2003 وفي الواقع إن المشروعين أكثر طموحا نظرا لطبيعتهما اللا نهائية.
الا ان الامر يحتاج الى سنوات وربما عقود قبل أن يحدث البرنامجان اختلافاً كبيراً للملايين حول العالم يعانون من اضطرابات في المخ وهو تحد لعلماء متخصصين في المخ والصناعة في آن واحد.
وقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً عن إطلاق مشروع بتكلفة مائة مليون دولار لرسم خريطة لدماغ الإنسان، وذلك من خلال فريق بحثي تقوده كوري بارجمان عالمة الأحياء العصبية في «جامعة روكفيلر»، ووليام نيوسام عالم الأحياء العصبية في كلية طب ستانفورد. إذ يرأسان مبادرة أبحاث المخ عبر التكنولوجيا العصبية المبتكرة، والتي تعرف اختصارا باسم «برين».
وتراود شكوك هائلة العديد من شركات الأدوية إزاء جدوى الاستثمار في علوم المخ مع انحسار الطفرة التي شهدتها عقاقير لعلاج الأمراض النفسية والني كانت تجني أرباحاً مرتفعة في فترة ما فضلا عن صعوبة ابتكار أدوية جديدة.
وتقول كوري إن الخطوة الأولى في المشروع هي العثور على الأشخاص الملائمين الذين سيتمكنون من تحديد أولويات البحث. مضيفة أن «برين» ليس كأي مشروع بحثي آخر، فحتى مشروع الخريطة الوراثية للإنسان «الجينوم» كان هدفه مركّزاً على تحديد التسلسل الدقيق للقواعد الكيميائية التي تمثل التركيبة الكاملة للحمض النووي لدى البشر. أما مشروع «برين» -تتابع الباحثة- فهو على عكس السابق، إذ يحاول حل لغز واحد في العقل البشري حتى يضع البنية العلمية الأساسية للوصول إلى طرح الأسئلة السليمة.
أما نيوسام فيعتقد أن علوم الدماغ ستكون بالنسبة للقرن الحادي والعشرين كما كانت فيزياء الكم وعلم أحياء جزيئات الحمض النووي في القرن العشرين. ويقول إن «المخ هو أكثر الكيانات غموضاً وتعقيداً في الكون، ولكن التكنولوجيا الحديثة التي تطورت خلال السنوات الخمس الماضية سوف تمكننا من تبديد غموض حقائق المخ بطرق لم تحلم بها الأجيال السابقة من العلماء قط».
ومن القفزات التكنولوجية التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية القدرة على تسجيل النشاط الكهربائي لمئات -بل حتى آلاف- من الخلايا العصبية، وهو تحسن كبير عن الوضع السابق الخاص بدراسة كل خلية عصبية على حدة. وبما أن مخ الإنسان يتألف من نحو مائة مليار خلية عصبية، فإن دراسة خلية عصبية واحدة كانت عملية بطيئة تؤخر الأبحاث كثيراً.
ويشير رئيس المعاهد الوطنية الأميركية للصحة فرانسيس كولينز إلى أن الهدف الأساسي هو فك شفرة نشاط المخ، وذلك لمساعدة الباحثين على فهم الأمراض المعقدة كالإصابات الدماغية وآثار ما بعد الصدمة والفصام والزهايمر، وهي أمراض تكلف الأميركيين خمسمائة مليار دولار سنوياً.
وبهذا ربما تكون قد بدأت انطلاقة علم المخ نحو عصر جديد ولكن على المدى القصير يبدو من الصعب لدرجة مخيبة للآمال تحسين الفعالية المتفاوتة للأدوية الحالية مثل عقار «بروزاك» لعلاج الاكتئاب المتداول منذ 25 عاما أو إيجاد علاجات جديدة لمرض إلزهايمر.
Leave a Reply