في مقالات سابقة سلّطنا الضوء على بعض العوائق والأزمات التي تواجه جاليتنا بهدف تحريك الجمود في النقاش حول مواضيع حيوية تمس حياتنا اليومية ومستقبلنا في الولايات المتحدة، وبالتحديد في منطقة ديترويت. لكن تسليط الضوء على السلبيات يجب ألا يمنعنا من الشعور بالفخر ورفع رؤوسنا عالياً بما حققناه حتى الآن في وطننا الجديد.
فكما نتحدث عن المشاكل ووجوب تداركها يحق لنا أيضاً أن نتباهى بإنجازاتنا الشبابية والعلمية والإقتصادية التي قدمت للمنطقة التي نعيش فيها إزدهاراً عمرانياً وزخماً حضارياً لا يمكن إنكاره، الى جانب الإنجازات الفردية في شتّى المجالات.
وفي ظل الهجمات المستمرة في استهداف العرب والمسلمين في عموم الولايات المتحدة، بغية تصويرهم كرجعيين وصنّاع للإرهاب وقامعين للنساء، يجب أن نقف أفراداً وجماعات بشجاعة وفخر لبلورة دورنا الحضاري في هذه البلاد وإظهار ما أنجزناه وقدّمناه، والرد على كل من يشكك بدورنا أو ينتقص من كرامتنا أو يلفق لنا التّهم.
في الأعوام القليلة الماضية، ومنذ هجمات «١١ أيلول» والغزو الأميركي للعراق ثم حربي تموز 2006 وغزة 2008، علت الأصوات المعادية للعرب والمسلمين عموماً، وللجالية في منطقة ديربورن خصوصاً. حيث اتهمنا بالإستيلاء على مدينتنا وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية فيها (Sharia Law)، وذلك في ظل موجات متتالية من حملات تسعير «الإسلاموفوبيا»، عبر «بهلوانيات» القس تيري جونز التي حازت على تغطية إعلامية واسعة ثم حملة الإساءة للنبي محمد (ص) وصولاً الى الفيلم الرديء-المسيء وغيرها من الفقاعات.
واليوم وبعد هجمات بوسطن المؤسفة تجدنا مضطرين مجدداً ان نسمع تلك الاصوات الحاقدة على الإسلام والمسلمين المتهمة إيّاهم بالإرهاب والتخلف والمطالبة بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو حتى «ردّهم الى بلادهم».
كلا أيّها السادة، لسنا مضطرين ان نبرهن على براءتنا في كل مرّة يقوم بها سفيه أو مجرم يدّعي الإسلام بعمل مشين. لسنا مضطرين أن نثبت إنسانيتنا أو ولاءنا للقيم الحضارية عند كل منعطف. إنه وقت الدّفاع بالهجوم، والهجوم يكون بإعلاء الصوت في كل منبر متاح لإظهار ما انجزناه وما قدّمناه لنسيج هذه البلاد الإقتصادي والعلمي والحضاري.
وفي زمن كثر فيه استعمال مصطلح «الجيش الإلكتروني» آن لنا أن نتحيّن الفرص لإبطال الإفتراءات التي تطالنا على صفحات الإنترنت من مقالات أو تعليقات على كل خبر يتعلّق بالعرب والمسلمين الأميركيين. ويكفي القارئ أن ينظر الى التعليقات على المقالات والأخبار المنشورة في الجرائد والوسائل الإعلامية الأميركية، المحلية والوطنية، ليرى كمية الكره والإفتراء والحقد الأعمى الذي تحتويه تلك التعليقات.
أليس حريّ بنا أن نرد على هؤلاء ونبيّن الحقيقة للذين قد يلتبس عليهم الأمر؟ نعم بهويتهم وقيمهم ويدافعوا عنها في المجتمع الافتراضي والواقعي، فلا أحد باستطاعته أن يخرج من جلده وكل من يتبرأ من جلدته يعيش حياته وحيداً ذليلاً.
تسمع البعض أحياناً في مجتمعنا ينتقد العرب أو المسلمين ويستعار منهم، كأنه ليس واحداً منهم، لهؤلاء يجب أن نقول: هنالك فرق بين النقد البناء الإيجابي وبين كره الذات والنقد الهدّام. فلدى البعض منا «عقدة نقص» أو «شعور بالدونية» تجاه الأميركي الأبيض. أحدنا يقول: «الأميركان أحسن منا في كل شيء» أو «العرب ما بيطلع منهم شيء… العرب جرب…» وغيرها من عبارات كره الذات. إن لدينا الكثير من الإيجابيات كما حققنا الكثير من الإنجازات في عمر هجرتنا القصير الى هذه البلاد.
نعم هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن نحسنها ونطورها في مجتمعنا، ولكن رويداً رويداً. وبالطبع، فإن السلبية لن تساعد أبداً.
يجب أيضاً أن نعي أن أموال هذه الجالية وطاقاتها وقدراتها وجهد أبنائها هي التي أثمرت عمراناً وصروحاً في المدن الأميركية. فالمؤسسات العربية التجارية والدينية والإجتماعية في كل زاوية من منطقة ديربورن، عاصمتنا. هذه المؤسسات ملك للجالية ولأبنائها. أنتم بنيتموها بأموالكم وجهدكم فلا تقبلوا أن يتقمصها البعض وتتحول الى ملكيات وإمبراطوريات خاصة على طريقة ما يحصل في بلداننا العربية بل علينا أن نطالب برفع الصوت من على منابرها، لتلبي تطلعاتنا الى العيش الكريم والساواة مع مواطنينا. هذه المؤسسات يجب أن تفعّل في خدمة مصلحة مجتمعنا، تدافع عنا وتعيننا في السراء والضراء، لا فقط حين يحل وقت «الدّفع».
الجالية العربية أيضاً ساهمت كثيراً في ازدهار مدن ديربورن وديربورن هايتس إن كان في العمران والتحديث التي شهدته هذه المدن بفضل إقبال العرب والمسلمين على شراء المنازل وتحديثها وشراء المحال التجارية والنهوض بها وهذا ما ساهم في عدم وقوع هذه المدن في ذات المشاكل المالية التي وقعت بها مدن أخرى في الأزمة الإقتصادية الأخيرة.
وكذلك فقد ساهم شبابنا في إثراء هذه البلاد بالأفكار والإبتكارات والإنجازات في شتى العلوم والمجالات ومنها الإقتصاد والطب والسّياسة والفن والأدب والصحافة والقانون والهندسة وغيرها من حقول أبدع فيها العرب والمسلمون ويمكنني بسهولة ذكر أمثلة عن كل واحدة من هذه المجالات.
إذن لسنا عالة على أحد ولسنا نكرة أو نقيصة في هذه البلاد بل نحن أصيلون هنا وسندافع عن حقوقنا التي يكفلها الدّستور الوضعي والطبيعي لممارسة حياتنا وأعمالنا وشعائرنا وحقنا بالتعبير، وبرؤوس مرفوعة ندافع عن مصالحنا ووجودنا ولا نعتدي.
Leave a Reply