البلد الخائب في أسوأ حالاته وهو يُبرهن ويعطي المثل تلو المثل والنموذج الحي كل يوم بأنَّه كيانٌ عبارة عَنْ قرطة مجموعات بشرية «حنيكرية» وُجدت في قطعة أرضٍ شُبِّه لها أنَّها وطنٌ، لا يجمعها رابطٌ واحدٌ ولا مواطنيةٌ حَقَّة ولا مُجتمعٌ مدني بعكس الذي كانوا يُدرِّسونا إيَّاه في المدارس ونحن صغاراً وخصوصاً مادَّة «التربية الوطنية والفنون الجميلة»!
خُذ مَثَلاً قضيَّة الحُجَّاج اللبنانيين في أعزاز، المخطوفين من قبل الإرهابيين في سوريا برعاية تُركيَّة وقَطَرية واضحة، ورُبَّما بتواطؤٍ محلِّيٍ داخلي، وقضية قصف مدينة الهِرمِل اللُبنانية من قبل نفس الجماعات، إنْطلاقاً من مدينة القصير السورية وريفها.
في القضيَّة الأولى، لا أحد يبدو مُهتمَّاً بالمخطوفين المُعتَّرين -لا من القريبين ولا من البعيدين- إلا أهاليهم المساكين، وكأنَّهم ليسوا مواطنين في هذا البلد السائب بِدءاً من رئيس الجمهورية الذي استغرب طَلَب الأهالي مساعدته، إلى الدولة العاجزة الجبانة الُمستقويَة فقط على أهل المُقداد -الذين لو تُركوا وشَأْنهم لكانوا أَطلقوا الرهائن منذ زمنٍ بعيد- الى القوى السياسية غيرالُمبالية التي يُحسَبُ المخطوفون عليها، إلى كافَّة فئات الشعب اللُبناني الذي يسمع خبرَ تحرُّك الأهالي فيظُنُّ أنَّهم في بنغلادش!
أُنظروا إلى موقف الشعب الاميركي المتناثر القوميات والعرقيات ورئيسه جيمي كارتر أثناء خطف الرهائن الأميركيين في إيران حيث لم يستكينوا ولمْ يكلُّوا ويتعبوا إلى أَنْ أُطْلِق سراحهم بل عَلَّق كارتر مصير رئاسته على مصيرهم وخسِر رهان العودة إلى البيت الابيض ولم يبالِ، بل بقيَ حتَّى اللحظة الاخيرة من حُكمه يرعى إجراءات تحريرهم. شتَّان ما بينَهُ وبين سُليمان!
لو كانت هناك مواطنية سليمة لَما غفيَ جفنٌ لبنانيٌ واحد قبل عودة مواطنيه الى ديارهم ولمَا نام سياسي لبناني قبل عودة الرهائن. فإذا كان سبب استهتار الساسة في البلد الفلتان أنَّهم يزاولون مهنة، فما عُذر الناس العاديين لا يهبُّوا لنُصْرة (كَم أصبحت هذه الكلمة مقيتة!) أهالي المخطوفين ولو سِلمياً، على الأقل، عن طريق المشاركة بكثافة في التظاهر وتعطيل المؤسسات التُركيَّة ومقاطعة البضائع التُركيَّة؟ أَمْ إنَّ الأكثرية صارت تعملْ بالمثل القائل «زاحَتْ عن ظهري، بسيطة»؟! لقد تُرك الأهالي لوحدهم يتخبَّطون في الميدان وكأنَّه لم تكفهم مُصيبة احتجاز أحبابهم!
نأتي الى قصف الهرمل من قبل الجماعات المُسلَّحة السَلَفية في سوريا لِهدِّ المراجل على المقاومة وشعبها الصامد ولتوريطها أكثر، كما يحلمون، و«تعريتها» أمام الرأي العام الغربي بانَّها تحارب مع النظام وذلك للتغطية على الانتصارات النوعية التي يحقّقها الجيش العربي السوري. فقد ظهرَتْ مؤخَّراً خُطة مُحكمة هدفُها «كشف» تورُّط «حزْبُ الله» في سوريا من أجل تهيئة الأجواء لمعركة مصيرية تُعدُّ لها إسرائيل ضد سوريا والمقاومة من خلال تجديد الفتنة المذهبية التي تتمثَّل أدواتها الكبرى بإعلان النفير العام لأحمد الأسير والرافعي وتأليف خلايا عسكرية لـ«نصرة» أهل القصير وثوار التكفير والهجرة في سوريا ورسالة المدعو معاذ الخطيب الى السيِّد نصرالله.
من هنا يُفهم كلام رئيس أركان العدو غانتس إنَّ الحرب المقبلة في لبنان لن تستقيمَ أكثر من شهرٍ واحد، فعلامَ يستند؟ لا شَكَّ على هؤلاء «الهابّين للدفاع عن حياض الدين وأهل السُنَّة» الذين لم يُحرِّكوا ساكناً حين احترقَتْ غزَّة مرَّتَيْن بل تعرفت عليها «قرطة حنيكر» مؤخراً حيث زارتها برفقة «القواتي الإخواني» أنطوان زهرا! وهؤلاء الغيارى على أهل القصير يروِّعهم وجود «حزب الله» الُمدافع عن القرى الحدوديَّة اللُبنانية ولا يُثير حفيظتهم الوجود العسكري والخرق الإسرائِيليَيْن المُكثَّف داخل سوريا وعلَناً ولا دخول إسرائيل دخلت على الخط جهاراً معلنةً ضرب منصَّات صواريخ داخل سوريا ومُدَّعيةً إستخدام النظام للسلاح الكيميائي من أجل وضع أرضية لمُهاجمة وإسقاط النظام وإنهاء سوريا كدولة موحَّدة مُستقلَّة وضرب المحور المُمانع واستفراد المُقاومة كما يجاهر قادة العدو يومياً. ومهما تشَدَّق معاذ وغيره من «الإتلاف السوري» بوطنيته، فإن التقاء مصالحه مع إسرائيل والجماعات التكفيرية التي لا تتوانى عن خطف كاهنَيْن مسيحيَيْن من حلب، ليس صُدفة أبداً.
خطفُ المسيحيين هذا، هو نموذج فلسَفة «فَلْيحكم الإخوان» التي أيَّدها سمير جعجع، أمَّا النموذج الآخر فهو تعذيب مواطن سوري من قبل الجماعات المُنحطَّة في طرابلس وجرَّه بالحبل مسافة ٣ كيلومترات وسط الذُّل والمهانة من دون أنْ يستهجِن أحد من مُدَّعي الدين في طرابلس إلا عبرَ الكاميرا ولرفع العتب فقط. هل يظنُّ جعجع أنَّ «ورقته ثمينة» لدى التكفيريين الذين لم يوفِّروا المطارنة؟! لكن جعجع هذا لا يرتدع ولا يتعلَّم من خطئه. فهو من أجل تغطية السماوات بالقبوات يُبرِّر قصف مدينة لُبنانية بسبب حماية «حزب الله» للمناطق القروية الُمحاذية ويتهكَّم على القرى التي «هي مزارع صغيرة» لا يعرف أسماءها ويسكنها ٤٠٠ نسمة، وهي بالتالي «ليست مانهاتن أو واشنطن». هذه هي المواطنية الجعجعية الصحيحة! وماذا لو كان هناك مواطنٌ واحدٌ يسكن في هذه القُرى؟ يبقى واجب الدِّفاع عنها من أبسط البديهيات الدينية والأخلاقية والمدنيّة!
كم هو رخيصٌ هذا الموقف ولو من قبل «خِرِّيج الحبوس». فالهرمل مدينة الإمام الصدر الأبيَّة بأبنائها وأخواتها من القرى الحدودية هي أهمّ من ثكنته العسكرية في «معراب»، لانَّها عانَتْ وصمَدَتْ في وجه قصْف ِحرمان الدولة وتعاني اليوم من جُحود ونُكران العُنصريين ومُدَّعِيْ الجهاد والشامتين ومحاربي الطواحين. إنَّ قصف الهرمل هو نتيجة «سياسة اللعي بالنفس» التي تركت التكفيريين يستخدمون البلد مطيةً لهم بعد التنَكُّر للمواثيق والأُخُوَّة والمعاهدات مع سوريا. وقد كان الرئيس بشَّار الأسد محقاً عندما «تمسخر» على هذه السياسة الغبيَّة التي ستُؤذي لبنان على المدى البعيد أكثر من سوريا. بالأمس، عندما كان النظام السوري يلاحق فلول المسلحين عبر الحدود إنشَغَل سليمان وميقاتي بملاحقة موضوع الإعتراض على الخروقات السورية، أمَّا اليوم فمدينة لبنانبة كبرى عزيزة تُقصف والدولة تتفرَّج! وماذاستفعل هذه الدولة الآن إزاء القصف الإرهابي على حدودها، بعد أَنْ نأََتْ بنفسها طويلاً وتركَتْ الأَُمُور تتدهور، وهي لا تتمكن من الإقتراب من مكتب شادي المولوي المطلوب للعدالة بتهمة الإرهاب ويتحدَّى الدولة أنْ تمُسَّ شعرةً منه لأنَّه «يذبح بظفره» في طرابلس؟! وماذا ستفعل مع معين المرعبي الَّذي «بهدَل» الدَّولة من رأسِها حتى أخمصها، ومع الأسير الذي يشتُمُ الجيش ويُحرِّض على تأليف خلايا مسلَّحة طائفية؟!
ذكرت «الأخبار» أنَّ مواطناً في حي السلُّم إنْتَحَر بسبب الديون المتراكمة عليه فلم يعُدْ يتحمَّل العيش! الحريُّ بهؤلاء الساسة الذين لا «يهشَّون ولا ينشَّون» أنْ ينتحروا من الحياة السياسية في البلد المنحور أصلاً منذ زمن والمديون ٥٠ مليار دولار (بَلَعَ فوقها السنيورة ١١ملياراً) والفاشل في تحقيق أدنى متطلبات الحياة وهي الحماية الأمنية والسلامة العامَّة والمواطنية الشاملة.
العَوَض بسلامتكم!
Leave a Reply