بيروت – قلب أمين عام «حزب الله» الطاولة بوجه إسرائيل من نفس القناة التي استخدمتها تل أبيب للاعتداء على الأراضي السورية. فإذا برر الكيان الصهيوني اعتداءه على العاصمة السورية تحت عنوان استهداف أسلحة إيرانية في طريقها الى المقاومة في لبنان لتأكيد أنها لا تزال الأقوى في المنطقة وأن يدها هي الطولى، فإن إطلالة السيد حسن نصرالله، يوم الخميس الماضي، قلبت السحر على الساحر بطرح أمين عام «حزب الله» معادلته الجديدة بتوسيع الحدود الجغرافية للمقاومة من لبنان إلى الجولان. وهو ما قد يجعل الاسرائيليين يعيدون النظر في حساباتهم وما إذا كان العدوان الجوي الأخير قد حقق أهدافه أو أنه ارتدّ عليهم..
اختار نصرالله الذكرى الـ25 لانطلاقة اذاعة «النور» الناطقة بلسان الحزب، ليرسم مشهداً إقليمياً جديداً، انتفت فيه الفواصل والحدود الجغرافية بين ساحات المقاومة من فلسطين الى الجولان مروراً بلبنان، معلناً انخراط المقاومة اللبنانية الى جانب المقاومة الشعبية السورية لتحرير الجولان، مؤكداً في الوقت نفسه، استعداد «حزب الله» لامتلاك السلاح الكاسر للتوازن في وجه إسرائيل والجهوزية التامة لاستخدامه لمنع سقوط سوريا في يد المثلث الأميركي- الإسرائيلي-التكفيري.
ودعا نصرالله الشعب الفلسطيني الى عدم الرهان على النظام العربي الذي أصبحت اولويته التنازل عن فلسطين. كما فنّد الرد السوري على الغارات الإسرائيلية، وفي طليعته اتخاذ قرار سوري استراتيجي بتزويد المقاومة في لبنان بسلاح نوعي لم يصل إليها من قبل، «وهذا الردّ أكبر بكثير من قصف هدف في فلسطين المحتلة. وأيضاً إعلان القيادة السورية فتح الباب للمقاومة الشعبية في جبهة الجولان». ولم يتطرق نصرالله الى الرد الثالث إنما تركه مبهماً واصفاً إياه بالقصة الكبيرة، وبناء على ذلك اعلن الامين العام لـ«حزب الله» الآتي: «اولاً، نحن في المقاومة في لبنان نعلن أننا مستعدون لأن نتسلّم أي سلاح نوعي ولو كان كاسراً للتوازن، ومستعدون أن نحافظ على هذا السلاح وجديرون بأن نمتلك هذا السلاح وسندفع بهذا السلاح العدوان عن شعبنا وبلدنا ومقدساتنا.
ثانياً، كما وقفت سوريا الى جانب الشعب اللبناني ودعمت مقاومته الشعبية مادياً ومعنوياً حتى تمكنت هذه المقاومة من تحرير جنوب لبنان، فإننا في المقاومة اللبنانية نعلن أننا نقف الى جانب المقاومة الشعبية السورية ونقدم دعمنا المادي والمعنوي والتعاون والتنسيق من أجل تحرير الجولان السوري».
وكان لافتاً للانتباه ما ذكرته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي من أن تل أبيب ستردّ بقوة في حال نفذت سوريا تهديداتها بتنفيذ عمليات في الجولان المحتل، مشيرةً إلى أن تهديد السيد نصرالله بفتح جبهة الجولان «يجب التعامل معه بجدية».
عودة «الأرثوذكسي»
داخلياً، عادت «سخونة» السجالات السياسية إلى الأجواء اللبنانية مع انتهاء عطلة نهاية الأسبوع والفصح المجيد، دون أن تظهر في الأفق ملامح أي «توافق» أو «تسوية» على الرغم من بدء العدّ العكسي للمهلة التي تمّ تحديدها للاتفاق على قانون انتخابي توافقي، والتي تنتهي في ١٥ أيار (مايو) الجاري.
وفي وقت عاد القانون «الأرثوذكسي» إلى الواجهة بعيد «لقاء معراب» الذي جمع العماد ميشال عون برئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، في ضوء ما جدّد رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» أنّ المقترح «الأرثوذكسي» هو القانون الدستوري الوحيد الذي يعطي الحقوق لأصحابها.
رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من جهته، جدّد عزمه على «حسم» الموضوع بشكل نهائي في جلسات نيابية عامة سيرأسها في 15 و16 و17 و18 من الجاري «ليلا نهارا»، وقال: «إذا حصل توافق على قانون انتخاب كان به، وإذا لم يحصل فسيذهب الى التصويت».
في المقابل، كان لافتا إعلان وزير الداخلية والبلديات مروان شربل أنه في حال لم يقرّ قانون جديد للانتخابات قبل 19 أيار الحالي، موعد انتهاء العمل بقانون تعليق المهل، سوف يحدد مهلة جديدة للترشيحات استناداً للقانون النافذ حالياً تبدأ في 19 ايار وتنتهي في 24 منه، استعداداً لاجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 19 حزيران (يونيو) المقبل، ما يعني أن قانون الإنتخاب بات عالقا بين مشروع «الأرثوذكسي» الذي أجمعت عليه القيادات المسيحية و«قانون الستين» الذي يتمسك به النائب وليد جنبلاط.
تأليف الحكومة (بقلم باسل العريضي)
وقد دخل التكليف الحكومي شهره الثاني والرئيس تمام سلام لايزال يواجه تعقيدات التأليف، وطرفا الصراع في لبنان (قوى الثامن والرابع عشر من آذار) كل يرمي الكرة في ملعب الاخر. وكلام الكواليس يشير الى ان المأزق اكبر مما هو متداول في الاعلام. هناك حديث عن ارتباط التأليف بقانون الانتخاب والبعض يتحدث عما هو أكبر من ذلك، اي ارتباط التاليف والانتخابات بالساحة الاقليمية وتطورات الازمة السورية.
مصادر على علاقة بالتكليف قالت لـ«صدى الوطن» ان تعقيدات ملف تأليف الحكومة مرتبطة بعوامل عدة داخلية وخارجية.
على المستوى الداخلي، تقول هذه المصادر ان اصرار قوى الثامن من آذار وتحديدا العماد ميشال عون على «الثلث الضامن» في الحكومة، على اعتبار انه يمثل احدى اكبر الكتل النيابية والاكثرية مع باقي الحلفاء، شكل اولى العقبات. فالرئيس تمام سلام يعتبر نفسه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان هما الضامن للحكومة. اما الايجابية التي قدمها عون فكانت القبول بالمداورة في الحقائب لكنه اشترط ألا تذهب حقيبتا الطاقة والاتصالات الى الفريق المناوئ، كما لم يقبل بفكرة أن يكون وزراء الحكومة غير مرشحين للانتخابات النيابية. أما «حزب الله» فهو لم يعط جوابا واضحا، وموقفه لايزال ضبابيا بحسب المصادر، لكنه يبدو أنه سائر في دعم حليفه الجنرال، ومن المتوقع ان تبقى الامور في هذه المراوحة فترة قد تمتد اسبوعين. وبناء على الجواب الذي سيعطى لسلام يقرر الاخير المسار الذي سيسلكه في المرحلة المقبلة، واستطرادا تقول المصادر عينها ان الرئيس المكلف اعطى لنفسه مهلة ثلاثة اشهر، وان فكرة الاعتذار مستبعدة لديه، كونه بات على علم بتعقيدات الملف وأبعاده السياسية، وانه الان مصر على الابقاء على ابواب الاتصالات مفتوحة مع كل الاطراف للوصول الى نقطة مشتركة يتمكن من خلالها تاليف حكومة جامعة وحكومة وحدة وطنية. وفي الوقت عينه يؤكد سلام، بحسب المصادر، انه من غير الوارد تشكيل حكومة امر واقع، كما انه لن يقبل بحكومة تضم مرشحين للانتخابات.
اما البعد الداخلي الثاني، تقول المصادر التي لها علاقة بالتكليف، ان الارتباط بين التاليف والانتخابات قائم، فبعض القوى تريد ان تضمن قانون انتخابات يعطيها الاكثرية في المجلس النيابي المقبل، حتى تسعى بشكل فعلي الى حل تعقيدات التأليف.
أما البعد الخارجي فلم تنكره هذه المصادر غير انها رفضت الدخول في تفاصيله، معتبرة ان فترة الاشهر التي وضعها سلام لنفسه كفيلة بحلحلة كل الامور.
وهنا تبرز امور عدة أولاها أن المواقف داخل كل من قوى الثامن والرابع عشر من اذار متفاوتة في موضوع التاليف. فرئيس المجلس النيابي نبيه بري داعم لخطة العمل التي وضعها سلام لنفسه، ويحاول من حلفائه تدوير الزوايا للوصول الى نقاط مشتركة، ويشارك بري في هذه المساعي رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط فكلاهما يريد حكومة وحدة وطنية تحد من مخاطر المرحلة التي سينال لبنان حصة كبيرة منها في حال الدخول في الفراغ التام بالمؤسسات الدستورية.
البعد الخارجي للتأليف، وتحديدا السوري منه، تشير المعطيات الى أن أي تغيير في الستاتيكو القائم من شأنه ان ينعكس على الساحة اللبنانية الداخلية، خصوصا ما اذا كان هذا التغيير عسكريا وليس من خلال تسوية سياسية، وانطلاقا من هذا المعطى يبدو ان الاطراف اللبنانية اجمعت من دون ان تتفق على تأجيل الانتخابات النيابية ومعها تأليف الحكومة. خصوصا مع تطورات الاسبوعين الاخيرين على مستوى الازمة السورية وتخبط كل الاطراف فيها ودخول الطيران الاسرائيلي على خط الازمة ما خلق تعقيدات اضافية، وضعت الجميع امام حالة الانتظار لما ستؤول اليه الاوضاع او موازين القوى الاقليمية.
ووفقا لما سبق فان الاسابيع الفاصلة عن حزيران ستكون اساسية لناحية اما اظهار بوادر حل للازمات الدستورية (الانتخابات والحكومة) واما لناحية الدخول في فراغ مؤسساتي يفتح الأمور على المجهول.
Leave a Reply