يا شعبي حبيبي يا روحي يا بيبي
يا حاطك في جيبي يا ابن الحلال
يا واكل سمومك يا بايع هدومك
يا حامل همومك وشايل جبال
يا شعبي اللي نايم وسارح وهايم
وفي الفقر عايم وحاله دا حال
أحبك محشش مفرفش مطنش
ودايخ مدروخ وآخر انسطال
وأحب اللي ينصب وأحب اللي يكذب
وأحب اللي ينهب ويسرق تلال
وأحب اللي قافل عيونه المغفل
وأحب البهايم وأحب البغال
وأحبـك تأيــّد تعضّـد تمجّــد
توافق تنافق وتلحس نعال
أحمد فؤاد نجم
غثاء السيل: القصعة
عاش العرب في ظل الخلافة العثمانية التركية كرعية من الدرجة الثانية، ولم يكن من الممكن الحديث عن نظام عربي قائم بذاته ومؤثر في مصير المنطقة وشعوبها في تلك الفترة نتيجة استسلام أغلب النخب السياسية والفكرية للهيمنة التركية. بعد تفتت دولة الخلافة التركية نتيجة حالة الوهن التي بلغتها الدولة حتى اطلق عليها الرجل المريض، واثر اتفاقيات سايكس-بيكو قسمت الدول الاستعمارية أو بالاصح فَصَّلَتْ على مقاسها المنطقة العربية الى «دول» و«عروش» بعضها مجهريا لتأبيد التجزئة والحيلولة دون عودة المنطقة الى وحدتها التاريخية.
بعد تأسيس دول «الدومينو» أو ما يعرف بالدول العربية «المستقلة»، نشأ نظام عربي أغلبه تابع ومرتبط بالمنظومة الاستعمارية التي أصبح رهين إرادتها، وحول اكثر مدخرات وثروات المنطقة لصالحها، وعاشت أغلب شعوب المنطقة على الفتات في حين تكتنز أراضيها من الخيرات والثروات البترولية والغاز ومناجم متنوعة ما يؤهلها الى أن تكون بلاداً صناعية بامتياز. كما تمتد المنطقة العربية على مساحات شاسعة يتميز الكثير منها بالخصوبة مما يؤهلها لتحقيق اكتفاء ذاتي ولأن تكون سلة غذاء توفر القوت لكل شعوب المنطقة ويزيد ويفيض عن حاجتها. عديدة مميزات المنطقة العربية، فإضافة الى خصوبة اراضيها تتوفر على سواحل ممتدة من البحر الاحمر الى المحيط الاطلسي ما يعني توفر ثروات غذائية سمكية هائلة الى جانب طول السواحل ووجود ممرات بحرية استراتيجية كقناة السويس وباب المندب تمكنها من أن تلعب دوراً رئيسياً في حركة التجارة الدولية، هذا دون إغفال دور السياحة حيث تتميز المنطقة بجمال شواطئها وغاباتها وواحات صحرائها.
كان من الممكن أن توفر كل هذه المعطيات أسسا تجعل من المنطقة «جنة عدن» لو توفرت الارادة السياسية لذلك، لكن الأمر لم يكن كذلك، بل أحكمت الرجعية العربية قبضتها على الشعوب، وخنقت المحاولات الوطنية للنهوض بواسطة أموال البترودولار التي بذلت رخيصاً لطعنها بالظهر عبر التواطؤ مع اعدائها كمقدمة لاجهاضها.
يمتلك أغلب النظام السياسي العربي مال قارون لكنه يمارس سياسة فرعون في الداخل وسياسة التذلل للخارج. قهرَ الشعوب وجوّعها في الداخل وبذل المال سخياً في المفاسد. قَتّر المال على اخوته حتى دقت الامم المتحدة ناقوس الخطر بإعلان بعض الدول العربية دولا فقيرة و«معتّرة»، لكنه في المقابل كان يلعق «الصرامي» ويقدم الاموال للخارج «وهو صاغر».
تعطلت السبل بكثير من شباب العرب وتفشى بينهم الفقر والبطالة وتجاوز بعضهم سن الاربعين ولم يجدوا شغلا حتى ضاقت بهم الدنيا بما رحبت وبلغ بهم اليأس كل مبلغ، فرموا بأنفسهم في قوارب الموت من اجل الهجرة الى الضفة الاخرى وابتلعت الامواج كثيراً منهم.
لماذا يحصل كل هذا وفي البلاد العربية مال وثروات هائلة؟ لأن بين الشعوب والثروات العربية «نظام الكفيل» الذي كثيرا ما يحول المكفولين الى نوع من عبيد. والتأشيرة -وما أدراك ما التأشيرة- التي لا تفتح الابواب في الغالب إلاّ لشعوب أخرى -ما عدا العرب- هذا دون الحديث عن الاهانة عندما يشتغل العربي عند مؤجره العربي.
يموت عربي في البحر بحثا عن القوت وهو صاحب شهادات عليا فيما يبذل آخرون المليارات لشراء جمل او يخت أو قصر أو طائرة…
إذا اردتم ان تبحثوا عن تخلف المنطقة العربية وسبب البلية، لا تبحثوا كثيرا، ولا تذهبوا بعيدا، إنها الرجعية العربية، إنها الزبد الجفاء وغثاء السيل والقصعة التي يأكل منها الغريب ويُمنع عنها القريب.
قصة الأمس واليوم: درء المنافع وجلب المفاسد
قصة النظام السياسي العربي لم تقم على درء المفاسد وجلب المنافع كما تقتضي القاعدة الفقهية بل تعمل بالعكس على «درء المنافع وجلب المفاسد»، القصة طويلة وما سردناه منها لا يتجاوز بعض ليلة من ألف ليلة وليلة، وحتى لا نتوغل بكم بعيدا في تاريخ معضلة العرب المتمثلة في أغلب النظام السياسي الفاسد الذي حكم المنطقة العربية لعقود، سنكتفي بالحديث عن قصة الأمس القريب وعن شجون اليوم.
منذ عقد من الزمن دُمر العراق وهو أحد أهم البلدان العربية وسويت أغلب منشآته الصناعية والعلمية بالأرض، دمر جزء من ذاكرته التاريخية ممثلة في معالمه وآثاره التي نهب معظمها وبيع بالجملة والمفرق للخارج.
دُمرت بلاد الرافدين بإسم «الدمقرطة»، وخلف النظام السابق نظام جديد، دون أن يتغير المشهد العراقي الى الاحسن، لأنّ الطبقة السياسية الجديدة لم يكن لديها مشروعا وطنياً ولم تبد إلاّ شغفاً وتعطشاً للسلطة، لذلك قبلت بما قُسِم لها من مصير قد لا تستطيع منه فكاكا، ويبدو تخبطها اليوم كدليل على انها لم تجد الى الآن منه مخرجا.
قبلت الطبقة السياسية الجديدة بالامس القريب ما قبله ساسة لبنان بالامس البعيد، فدخلت برجليها الى مصيدة الطائفية والتقسيم الذي أصبح قانونا «يمشي عالكل»، وإن لم يقيض الله لهذا البلد من يوحده في ظل ديمقراطية حقيقة ودولة مدنية، فقد يتحول ما كان أشبه بنزلة برد الى مرض مزمن ليس منه شفاء.
النظام السياسي العربي، لم يكن يوماً نظاما لا مباليا بما يجري حوله من تحولات، بل لطالما قَبِلَ أن يلعب دور التابع ووظف كأداة لخدمة مصالح معادية لشعوب المنطقة أو في أحسن الأحوال كان ينحاز لمصلحة فئة أو حزب أو عائلة… وكلما أطلت فتنة برأسها في أي جهة من المنطقة العربية فاعلموا أنّ بعضا أو كثيراً من النظام السياسي العربي طرفا فعالا فيها بشكل أو بآخر.
اشتعلت فتن السودان ولم يحرك النظام السياسي العربي ساكنا، ولم يساند شعب السودان واكتفى بالتمنيات والخطب، الى ان اظهرت بعض المصادر مدى ضلوعه في اذكاء الصراعات الجهوية والقبلية والاثنية داخله. بل ذهب بعض المراقبين الى حد اتهامه بتجاوز ذلك الى المساهمة في عسكرة الصراع وبدعم هذه المجموعة او تلك. وبعد ان استعرت المعارك تُرك البلد ليلتهب فيما تفرجت الانظمة العربية عليه وهو يتفتت.
قصة الامس تعود مجدداً في مصيرٍ يكاد يكون قدراً محتوما للعرب في منطقة محتدمة بالصراعات بسبب ثرواتها وموقعها الإستراتيجي وإرثها التاريخي.
بدات ثورات وانتفاضات «الربيع العربي»، فانقسمت المنطقة من جديد بين ارادة الشعوب في الحرية والديمقراطية، وبين ارادة أغلب النظام السياسي العربي المتسلط والتابع لمحاور خارجية.
لم تهنأ الشعوب ببعض ما حققت حتى سارعت الرجعية العربية لوضع السم في الدسم، وتقدمت لترفع شعارات الديمقراطية، في التفاف مفضوح على الثورات، لكن الرجعية ارادت هذه المرة ان تضرب عصفورين بحجر أولا أن تُفشل الثورات وثانياً أن تصفي وفق اجندات اقليمية ودولية بعض الحسابات مع بعض الانظمة في المنطقة.
سوريا هذه المرة كانت الهدف لتتجدد قصة الأمس مرة أخرى. فقد دمُّر جزء كبير من البلد وشرد الملايين من أبنائه، وبذلت بلاد الشام الفاتورة الأعلى من لحم شعبها، فيما بذلت الرجعية العربية الفاتورة من أموال شعوبها كالعادة.
لكن من الأشياء التي كانت مفاجئة للبعض ومعروفة للبعض الآخر، هو أنّ النظام السياسي العربي، يحاول أحيانا أن يتذاكى بطريقة مفضوحة وممجوجة، فبعد ان قصفت اسرائيل مواقع في سوريا احتجت جامعة الحروب العربية وبعض الدول المعروفة بكونها طرفا في الدمار الذي حصل ويحصل في سوريا، وجاء في بيان للجامعة اصدرته الاحد الماضي حول العدوان الاسرائيلي دعت فيه مجلس الأمن الدولي الى التحرك الفوري لوقف العدوان ومنع تكراره وواصفة ما جرى بأنه «اعتداء سافر وانتهاك خطير لسيادة دولة عربية من شأنه أن يزيد الأمور تفجراً وتعقيداً في سوريا، ويعرض أمن واستقرار المنطقة إلى أفدح المخاطر والتداعيات»، نعم هذا بيان الجامعة التي تمثل جزءا كبيرا من النظام العربي، تحتج على انتهاك سيادة دولة عربية وقد دعت الى تدويل ازمتها وطلبت بتدخل «الناتو» كما فعلت مع ليبيا. الجامعة تخاف أن تصبح الامور اكثر تعقيدا في سوريا! عجبي! أبعد اكثر من سنتين من التحريض والتمويل والتجييش والتسليح والدعم بكل الوسائل ضد سوريا تخشون من تفجر الوضع فيها؟!.
فعلا إنه زمن النفاقولوجيا.
بعد عقود كثيرة تمكن فيها النظام السياسي العربي الفاسد من استغلال واستعباد شعوبه وسحقها وتفقيرها وتشريدها في المنافي والمغترب ماذا عسانا نقول؟. بعد ان اصبحت مهمة الشعوب العربية أن تفرح ببلوغ حكامها المراتب الأولى في قائمة أغنى أثرياء العالم، أو تفرح بفوز فرس الأمير فلان أو ناقة علتان بسباقات الخيل والإبل.. ماذا عسانا أن نقول؟.
عندما يبلغ الأمر بكثير من الشباب والشابات العرب من أصحاب الشهادات العليا أن يكون أبعد طموحهم وظيفة تكفل لهم قوت يومهم، ماذا عسانا أن نقول؟.
عندما يبلغ ببعض الحكام الجشع والظلم ان «يلهفوا» هم وعائلاتهم كل مقدرات بلادهم، حتى اصبحت بعض الشعوب العربية من بين الشعوب الأكثر فقرً في العالم ماذا عسانا أن نقول؟.
عندما يصبح العربي يكره أخاه العربي الذي عاش معه لآلاف السنين بسبب دينه او مذهبه أو عرقه، ماذا عسانا أن نقول؟. عندما يحرض المواطن على تدمير بلده ومقدراته ويوجه السلاح في وجه اخيه، ماذا عسانا أن نقول؟. عندما نعود بعد ثورات الى الوراء وتبرز نعرات تقسيم الدول المقسمة اصلا بين دعوات تلعب على أوتار المناطقية والقبلية والطائفية، ماذا عسانا نقول؟.
لكن الأدهى والأمَرّ من كل هذا، هو في كشف مصادر اعلامية غربية أنّ كثيرا ممّا يفعله أغلب النظام السياسي العربي هو تنفيذ لأجندات إقليمية ودولية، وبأنّ أغلب ممثلي هذا النظام ليسوا إلاّ أدوات تعمل لتسهيل استغلال ثروات المنطقة من قبل قوى خارجية متنفذة، وأنّ تلك الادوات تستمر بقدر ما تنفذ او يطاح بها عندما تهترئ، فماذا عسانا أن نقول؟.
نقول إذا كان الامر كذلك، يصبح أغلب النظام السياسي العربي، نظام الحرملك.
Leave a Reply