جرح لم يندمل
في ظل الحوار الوطني والتفاعلات التي تعرفها الساحة السياسية اليمنية، طفا على السطح من جديد موضوع المخفيين قسراً من القياديين والسياسيين والناشطين المعارضين لنظام الحكم السابق في اليمن، والذين غُيّب الكثير منهم منذ سبعينيات القرن الماضي.
ويعتبر أسلوب «الإخفاء القسري» من الأساليب التي كانت معتمدة في ظل النظام الاستبدادي الذي قامت اجهزته بملاحقة العديد من قيادات المعارضة ورمت بالكثير منهم دون محاكمات في غياهب سجون سرية. ورغم محاولات الاهالي وعائلات المخفيين معرفة مصير أبنائهم ومقابلتهم إلاّ أنّ الأجهزة الأمنية كانت تنكر أية صلة أو علاقة لها بإختفائهم. وقد أدرج موضوع المغيّبين في جدول اعمال الحوار الوطني الجاري حالياً ضمن بنود لجنة العدالة الانتقالية، كما تعمل عديد المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني داخل وخارج اليمن لفتح هذا الملف الإنساني الشائك.
الناشط عبدالناصر الخداشي يرفع صور معارضين سياسيين مجهولي المصير، خلال ندوة حقوقية في نيويورك. |
وكان موضوع المغيبين أحد المواضيع التي تناولتها الندوة الحوارية حول العدالة الانتقالية في اليمن والتي نظمها الشهر الماضي مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن في ندوة أولى أقيمت في ديربورن وندوة أخرى في نيويورك، بالتعاون مع الجمعية اليمنية بنيويورك، عرض خلالها الناشط الحقوقي اليمني عبدالناصر الخداشي صوراً لشخصيات غيبت ابان الحقبة السابقة باليمن. وتعمل العديد من منظمات المجتمع المدني اليمنية التي تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الانسان على الضغط على المسؤولين ليبحثوا مع كل من كانت له صلة بالموضوع للكشف عن مصير هؤلاء، سواء لا زالوا في السجون السرية أو قد دفنوا في أماكن مجهولة بعد قتلهم أو وفاتهم الطبيعية.
وفي بيان صادر عن «مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن» تلقت «صدى الوطن» نسخة منه قال المجلس إنه «بات من الضروري تناول هذا الموضع البالغ الأهمية، ودعوة حكومة الوفاق الوطني، وبالأخص وزارة حقوق الإنسان، ودعوة مؤتمر الحوار الوطني ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان ودعوة الأحزاب السياسية التي تعرض أعضاؤها إلى الاخفاء القسري والتعذيب والقتل، إلى متابعة هذا الملف الذي طال شخصيات سياسية قيادية وناشطة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي». ويرى الناشطون أن موضوع الكشف عن مصير المخفيين بات أمراً ملحاً بعد أن شكل لسنوات جرحاً نازفاً لكثير من العائلات اليمينة «لن يندمل إلاّ بإحقاق الحق والكشف عن مصير المغيّبين».
العدالة الانتقالية
تؤكد المنظمات الحقوقية اليمنية انه من الضروري القيام بعملية جرد بأسماء كل المفقودين والمغيبين السياسيين كمقدمة لبداية عملية بحث جدية عن اماكنهم وعن ملابسات اختفائهم وعن الأطراف التي كان لها دور في ذلك لاسيما أصحاب القرار بخصوص التعامل مع المعارضين السياسيين. كما يجمع الحقوقيون على ضرورة رفع قضايا لدى المحاكم لمحاسبة المذنبين والمتسببين في عمليات التغييب والإخفاء القسري في إطار قوانين العدالة الانتقالية، والبداية، حسب هؤلاء، تكون أوّلاً بالإعتذار الرسمي ثم تعويض المتضررين وعائلاتهم.
وقد كانت الحالة التي وجد عليها مؤخرا بعض المخفيين، مثل عضو الحزب الاشتراكي فضل الإرياني الذي غيب في 1981 أو النقيب عبدالعزيز عون وهو يساري غيّب في 1977، مأساوية جداً من ناحية تدهور أوضاعهم الصحية والنفسية في مؤشر واضح على وحشية ظروف الإعتقال اللاّإنسانية ومعاناة التعذيب الجسدي والنفسي.
كما كشف عضو فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار، علي حسين البجيري، أن جهود الحقوقيين توصلت مؤخراً الى معرفة مصير ستة معارضين سياسيين تبين أنهم لازالوا معتقلين منذ 28 عاماً بسبب انتمائهم إلى «الجبهة الوطنية» (سابقاً) و«الحزب الاشتراكي»، وعلى الرغم من صدور أحكام بالإفراج عنهم لكنه لم ينفذ أي منها ولا زال هؤلاء يقبعون في سجن بصنعاء؟!
ومهما كان حجم التعويض لهؤلاء وعائلاتهم فإنه لن يعيد لهم سنين كثيرة من عمرهم قضوها تحت سياط جلاديهم، لذلك يؤكد «مجلس التنسيق العالمي لدعم الحقوق المدنية في اليمن» في بيانه على ضرورة «القصاص العادل»، فلا حصانة لمذنب لأنّ «هذه القضية الإنسانية لا تسقط بالتقادم وأن القانون الدولي والقانون الإنساني لا يمنحان الحصانة لمن كان السبب في إخفائهم والذي يُعد إنتهاكا لحقوق الإنسان وأن على حكومة الوفاق الوطني ومؤتمر الحوار الوطني أن يتحملا المسؤولية التامة تجاه هذه المسألة.. وإصدار قانون العدالة الإنتقالية طبقاً لمعايير القانون الدولي الإنساني وإلاّ فسيظل الباب مشرعاً لرفع دعاوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات الدولية ضد كل من كان مسؤولاَ عنها بشكل مباشر أو غير مباشر».
وتعتبر عملية اخفاء المعارضين باليمن وبكثير من البلدان العربية صفحات سوداء في سجل الدكتاتوريات التي قمعت شعوب المنطقة لعقود طويلة ومارست ابشع وسائل التنكيل التي من ضمنها التغييب والإخفاء القسري. ويشكل فتح هذا الملف بارقة أمل وبوابة لإعادة الإعتبار للكثير من المناضلين والمعارضين الذين قضوا سنوات عمرهم في معتقلات لا إنسانية. وفي اليمن يأمل الجميع أن يفتح هذا الملف الطريق لإدانة المسؤولين عن هذه الممارسات اللاإنسانية في إطار قوانين المحاسبة والعدالة الإنتقالية.
Leave a Reply