عواصم – التحضير لـ«جنيف ٢» طغى على معظم الحراك الدولي حول الأزمة السورية التي تدخل شهرها الـ٢٦ على وقع تقدم ميداني كبير للجيش السوري تركز في ريف دمشق ودرعا وصولاً الى حمص حيث يتواصل حصار مدينة القصير المدججة بمسلحي المعارضة.
وإذا كان تقدم الجيش السوري على جبهتي الأردن ولبنان قد جعل من مسألة سقوط دمشق بيد المعارضة ضرباً من المستحيل، فإنه أيضاً قد أعاد تحريك مسار الحل السلمي للأزمة، حيث سارعت الإدارة الأميركية الى تبليغ حلفائها بضرورة السير بالحل السياسي والمشاركة بمؤتمر «جنيف ٢». وفي هذا السياق استضاف الرئيس باراك أوباما خلال الأسبوع الماضي رئيسي وزراء بريطانيا وتركيا وشدد أمامهما على دعم التسوية السلمية، في الوقت الذي كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يثني على نتائج إجتماعاته الأخيرة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ويصفها بالـ«مثمرة للغاية»، وعلى حدّ قوله فإنه إتفق مع لافروف على أنّ عليهما أن يفعلا الكثير خلال الأيام القادمة لإنجاح المؤتمر، معرّباً عن تفاؤله من أنّ هذا العمل سينجز. ومن جانبه أثنى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على التقارب مع الأميركيين، مضيفا أنه من المهم الآن أنّ تقبل المعارضة الخارجية، التي ستجتمع في إسطنبول، كذلك المعارضة الداخلية التي ستعقد لاحقاً إجتماعاً في مدريد، بالمبادرة الروسية-الأميركية بغية المضي قدماً في تطبيق بيان جنيف الذي يدعو الى تشكيل حكومة انتقالية تجمع النظام والمعارضة.
وتتمسك موسكو بحق الشعب السوري بتقرير بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم عبر انتخابات تحظى بمراقبة دولية، وهو ما يعتبره الروس جوهر اتفاق جنيف الذي يمنع التدخل الدولي بالشأن السوري ويحصر تحديد مصير سوريا بيد السوريين أنفسهم.
أما أوباما فقد واصل الأسبوع الماضي الحديث عن أمنياته بولادة سوريا جديدة «بعيدة عن طغيان الأسد»، وذلك في محاولة لاحتواء مخاوف حلفاء واشنطن الذين غاصوا عميقاً بالمستنقع السوري وباتوا يدركون استحالة تعايشهم مع النظام الحالي في المستقبل. وعلى رأس هؤلاء رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان الذي يواجه معارضة شعبية متزايدة داخل بلاده بسبب سياساته الخارجية التي «جلبت الدمار» لتركيا، بحسب معارضيه، لاسيما بعد التفجير الإرهابي الذي وقع مطلع الأسبوع في منطقة الريحانية القريبة من الحدود السورية والتي تعتبر نقطة جذب للمقاتلين المجندين من كافة أنحاء العالم للقتال في سوريا.
ويشكل هاجس بقاء الأسد في الحكم عبئاً ثقيلاً على المعسكر الدولي-الإقليمي-العربي الذي تقوده أميركا لإسقاط النظام السوري، فقد اعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في مؤتمر صحافي في باريس، «علينا ان نجري مناقشة صريحة مع روسيا لاقناعها بان مصلحتها، ومصلحة المنطقة ومصلحة السلام، تكمن في تنحي الاسد». ولكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عاد وحذر من تعثر التخطيط لمؤتمر جنيف وقال إنه ينبغي أن يتفق الطرفان المتحاربان في أسرع وقت ممكن على حكومة انتقالية. وقال كاميرون للصحفيين في الأمم المتحدة إنه يدعم تماما المبادرة الأميركية-الروسية لتنظيم المؤتمر في مطلع حزيران (يونيو) بمشاركة الحكومة والمعارضة السورية، وذلك بعد يومين من لقائه أوباما.
أما على الجانب التركي، فقد نفت دمشق، الاتهامات التركية لها بالوقوف خلف تفجيرات بلدة الريحانية التي أودت بحياة حوالي ٥٠ شخصاً، مشيرة إلى أن أنقرة تطلق اتهامات ومن ثم تبحث عن أدلة.
وحمّل وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الحكومة التركية «المسؤولية الكاملة عما حدث»، مشيرا الى أن اردوغان ووزراءه «يتحملون مسؤولية مباشرة سياسية وأخلاقية تجاه الشعب التركي والمنطقة وتجاه الشعب السوري والعالم». وشن الزعبي هجوماً لاذعاً على أردوغان، قائلا «أنا أطالبه بأن يتنحى كقاتل وكسفاح، وليس من حقه أبدا أن يبني أمجاده على دماء الأتراك وعلى دماء السوريين».
وتساءل عن توقيت العملية الذي جاء «قبل أيام من ذهاب أردوغان للقاء أوباما». وقال «هل يريد (أردوغان) أن يحرّض الولايات المتحدة ويقول إن دولته التي هي عضو في حلف الناتو تتعرض لاعتداء من سوريا؟». وتابع «هل هذا هو المطلوب؟ هل يريد أن يستعرض، ويقول إنه يملك من القوة ما يكفي للتدخل في سوريا بالنيابة عن الآخرين؟ وهل يريد إفشال الجهود الروسية-الأميركية والذهاب الى مؤتمر وإيجاد ترتيبات سياسية؟»، في إشارة الى التقارب بين موسكو وواشنطن.
تراجع التأييد الدولي
وفي إطار الجهود العربية (الخليجية) للضغط على النظام السوري، صدر خلال الأسبوع الماضي قرار غير ملزم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بصياغة خليجية ودعم غربي يدين القوات الحكومية في سوريا ويشيد بـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض، لكن التأييد للقرار الذي صاغته دول خليجية عربية كان أقل من الدعم الذي حصل عليه نصّ مشابه أقرّ العام الماضي، وهي علامة على تزايد القلق بشأن جماعات المعارضة المسلحة التي تقدم على ممارسات وحشية، بحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش».
والقرار غير ملزم وليس له قوّة القانون لكن قرارات الجمعية العامة التي تضم 193 دولة قد تنطوي على أهمية معنوية وسياسية كبيرة. وحصل القرار على تأييد 107 أصوات مقابل رفض 12 وإمتناع 59 دولة عن التصويت في تباين كبير مع نتيجة التصويت على القرار السابق الذي دان الحكومة السورية في آب (اغسطس) الماضي واعتمد بموافقة 133 دولة مقابل رفض 12 وإمتناع 31 عن التصويت.
وكان من المفترض في الأصل أن يمنح القرار مقعد سوريا بالأمم المتحدة للائتلاف المعارض. لكن دبلوماسيّين في الأمم المتحدة قالوا إنه إتضح في المفاوضات الأولى أنّ مثل هذا الإجراء لن يحظى بالموافقة في الجمعية العامة حيث تخشى كثير من الوفود أن تواجه حكوماتها يوماً ما إنتفاضات معارضة أيضاً.
والتصويت على هذا النحو قد يبّين أنّ الصور التي تمّ بثّها في الآونة الأخيرة للوحشية التي تمارس في الحرب السورية المستمرة من أكثر من عامين ربما تقوّض حجة الذين يقولون ان سوريا ستكون أفضل بدون الاسد.
وقال مبعوثون إن هناك سبباً آخر للتراجع في تأييد القرار قد يكون أن الأسد مازال يسيطر على أجزاء كثيرة من البلاد وانه أظهر تماسك وقوة القوات المسلحة. وأعرب دبلوماسيون عن اقتناعهم بأن دولاً كثيرة صوّتت لصالح قرار العام الماضي لانها إعتقدت أنها تصوّت للجانب الفائز. فيما «لم تعد لديها هذه الثقة» اليوم.
وأبلغ سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري الجمعية العامة قبل التصويت أن القرار يتعارض مع المساعي الأميركية الروسية للبحث عن حلّ دبلوماسي للأزمة. وقال الجعفري إن القرار «يمثل سباحة عكس التيار فى ضوء التقارب الروسي الأميركي الذى رحبّت به سوريا».
لكن نائبة السفير الاميركي روزماري دي كارلو قالت ان القرار يتفق مع المبادرة الروسية-الاميركية ويبعث «برسالة واضحة بأن الحلّ السياسي الذي نسعى اليه جميعاً هو افضل وسيلة لإنهاء معاناة شعب سوريا».
وحشية المعارضة المسلحة
بدأت المشاهد الدموية المقززة من الصراع الدائر في سوريا، والتي تنشر في كافة أنحاء العالم مع انتشار كاميرات الهواتف المحمولة والانترنت، تأخذ صداها بشكل أوسع في الإعلام الأميركي الذي لم يتردد هذه المرة في الحديث عن فيديو «مقزز» لقيادي في المعارضة المسلحة، يدعى خالد الحمد (أبو صقار)، وهو يقوم بشق صدر جندي سوري مقتول لينتزع قلبه ويأكله قائلاً للكاميرا «نقسم بالله سوف نأكل من قلوبكم ومن أكبادكم يا جنود بشار الكلب» وسط هتافات تأييد ممن حوله. وفي محاولة للتنصل من الحادثة التي أثارت شجباً دولياً أكد الائتلاف السوري المعارض إن هذا «المجرم» سيتم تقديمه للمحاكمة.
وأجرت مجلة «تايم» الأميركية حواراً مع أبوصقار، وهو أحد قادة كتائب «الفاروق» التي تقاتل في منطقة القصير في محافظة حمص، عبر «سكايب»، قال فيها «أنتم لا ترون ماذا يفعلون بنا. ولا تعيشون ما نعيشه. أين أخوتي، أصدقائي، بنات جيراني اللواتي اغتصبن؟».
وانتشر من قبل مقطع مصور للشخص نفسه وهو يطلق صواريخ على الأراضي اللبنانية ويلتقط صورا مع جثامين لمسلحين كانوا يقاتلون بجانب القوات الحكومية.
وأظهرت لقطة أخرى بثت على الانترنت احد مقاتلي المعارضة وهو يمسك برأس رجل يفترض أنه من مؤيدي الأسد وراح يشويه على النار. ويبتسم المقاتل في اللقطة ثم ينظر للكاميرا بثقة وينتزع خصلة من شعر الرأس.
وقال بيتر بوكيرت المسؤول في «هيومن رايتس ووتش» لوكالة «رويترز» إن «التمثيل بجثامين القتلى هو جريمة من جرائم الحرب لكن الاكثر ترويعا هو الانزلاق السريع في هوة العنف الطائفي».
وبدوره، وثق نديم حوري وهو باحث في شؤون سوريا ولبنان لدى منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان انتهاكات منذ اندلاع الانتفاضة ويقول إنه يشهد المزيد والمزيد من الأفعال الوحشية. وأضاف أن طرفي الصراع يتصرفان وكأنهما يواجهان تهديدا لوجودهما. وأدانت جماعة المعارضة الرئيسية في سوريا فيديو قضم مقاتل لقلب الجندي القتيل كما استنكر العديد من مؤيدي المعارضة هذه الوحشية. وأضاف حوري أنه يشهد هذه المذابح منذ أكثر من عام وأن الأمر الصادم هو مستوى اللامبالاة فالناس يهزون أكتافهم ثم ينظرون بعيدا.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الانسان»، في بيانات، «قتل 94 الف شخص على الاقل في سوريا في اعمال عنف منذ بدء النزاع في البلاد».
Leave a Reply