دمشق – اندلعت صباح السبت الماضي بتوقيت دمشق، عملية اقتحام مدينة القصير ذات الأهمية الإستراتيجية في مسار معركة إسقاط النظام السوري، وجاء الهجوم لإعادة السيطرة على المدينة الواقعة على بعد ١٥ كيلومتراً عن الحدود اللبنانية بعد تقدم واسع لقوى النظام أدى الى الإطباق على المدينة المدججة بالسلاح والمسلحين لتتسارع معه الحركة الدبلوماسية الدولية في كافة الإتجاهات تحضيراً لمؤتمر «جنيف ٢» للحل السلمي للحرب السورية المندلعة منذ أكثر من ٢٦ شهراً.
الأسد، خلال استقباله وفداً تونسياً ضم ممثلين عن أحزاب وحركات سياسية مؤيدة له. (سانا) |
لماذا القصير؟
شكلت مدينة القصير وريفها على مدى عمر الأزمة السورية، القاعدة الخلفية للمسلحين في معاركهم في محافظة حمص، لاسيما بعد سيطرة الجيس السوري على منطقة بابا عمرو، وظلت المدينة نقطة وصل بين المسلحين و«المنطقة العازلة» التي أوجدت في شمالي لبنان، والتي تمتد من الحدود الى مدينة طرابلس التي شهدت انفجاراً أمنياً متزامنا مع بدء الهجوم السوري.
وقد دخل الجيش السوري في معركة القصير، التي يرجح أن تستمر لبضعة أسابيع، على وقع المفاوضات الدولية، سيما الروسية- الأميركية حول الأزمة. فمن يسيطر على ريف القصير، سيفاوض من موقع الأقوى لأنه يكون بذلك قد مهد للسيطرة على ريف حمص وبالتالي على مدينة حمص التي تبعد ٥٣ كيلومتراً عن القصير، وما يعني ذلك من ربط الساحل السوري بالعاصمة دمشق.
ويعد حسم معركة القصير لصالح النظام، ضربة كبيرة للمعارضة السورية التي لا تزال ترفض الجلوس الى طاولة المفاوضات، واضعة مطلب رحيل الأسد شرطاً لذلك، بدعم غربي-عربي-تركي، مقابل ليونة مصرية-أردنية مستجدة.
من جانبها، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن سقوط مدينة القصير «الاستراتيجية» في أيدي القوات السورية، سيكون بمثابة نكسة خطيرة للمعارضة المسلحة، ولفتت إلى أن الحكومة السورية تحاول استعادة السيطرة على أكبر قدر من المدن والمناطق، لتعزيز موقفها إذا ما دخلت مفاوضات السلام التي تعدها الولايات المتحدة وروسيا.
وقالت الصحيفة الأميركية إن «المعارك في حمص ستكون نقطة تحول و ستحدد مصير النظام السوري والمعارضة على حد سواء، حيث ترى الأخيرة إنه إذا سقطت القصير فإن هذا يعني نهاية الاحداث في حمص كلها، كما يعتقد الجيش السوري أن سيطرته على حمص أمر بالغ الأهمية للإبقاء على سيطرته على غرب البلاد وتحييد الحدود اللبنانية، لتمهيد الطريق أمام الحملات العسكرية لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة في الشمال (تركيا) والشرق (العراق)، فيما يبدو أن الأحداث على الجبهة الإسرائيلية انقلبت بشكل كبير لصالح الجانب السوري، وبدعم روسي غير مسبوق تجلى بالموافقة على صفقة صواريخ «أس ٣٠٠».
«جنيف ٢»
وفي إطار التجاذب الدبلوماسي الذي يسبق الجلوس الى طاولة جنيف، فإن الشكوك حول انعقاد مؤتمر جنيف 2 بدأت تظلل الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى ضمان حصوله، ولو متأخراً عن موعده المزمع، بما يتجاوز القمة الأميركية-الروسية المرتقبة وانتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة منتصف الشهر المقبل. الحراك التركي-القطري يشي بتوجه كهذا، على ما تفيد المعلومات الواردة من أنقرة، ومعه سقوف فصائل المعارضة التي لم تصل بعد إلى توافق الحد الأدنى.
وقد تجلى ذلك في مبادرة المعارضة على لسان رئيس «الإئتلاف» السابق أحمد معاذ الخطيب التي اعتبرت «ضرباً من الخيال» بالنسبة إلى دمشق. السلطة السورية ما زالت تريد «ضرب الارهاب» بالتوازي مع الحلّ السياسي. والرئيس السوري الذي أكّد ترشحه عام 2014، تواجهه مجموعة «أصدقاء سوريا» بتأكيدها أنّ «جنيف 2» لا يتّسع له.
وقد أطلق الخطيب الخميس الماضي مبادرة لحل الازمة تتضمن السماح للرئيس السوري بشار الاسد بمغادرة البلاد مع ٥٠٠ من أقاربه، داعيا «السلطة وفصائل الثورة والمعارضة» الى تبنيها.
وجاءت المبادرة «التسامحية مع الأسد» في حين يعقد الائتلاف في اسطنبول اجتماعا يستمر ثلاثة أيام لبحث امكانية مشاركته في مؤتمر «جنيف 2» الدولي لتسوية النزاع في سوريا، وسط انقسامات في المعارضة.
وجاءت المبادرة «التسامحية مع الأسد» في حين يعقد الائتلاف في اسطنبول اجتماعا يستمر ثلاثة أيام لبحث امكانية مشاركته في مؤتمر «جنيف 2» الدولي لتسوية النزاع في سوريا، وسط انقسامات في المعارضة.
أما الرئيس بشار الأسد فقد أكد ثبات موقف بلاده في مواجهة «الارهاب ومن يدعمه» توازياً مع الحل السياسي للأزمة. وأكّد الأسد، خلال استقباله وفداً تونسياً ضم ممثلين عن أحزاب وحركات سياسية، «ضرورة التمسك بالمبادئ والهوية العربية وقيم العروبة لمواجهة التحولات التي تشهدها الساحة العربية».
كيري فـي المنطقة.. وروسيا تورّد أحدث الأسلحة لدمشق
فيما تشق القوات السورية طريقها داخل الأحياء التي يتحصن فيها المسلحون في القصير، وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنطقة لحضور اجتماع وزراء خارجية مجموعة «أصدقاء سوريا» التي تضم 11 دولة، أما نظيره الروسي سيرغي لافروف، فأكد أن «الأمر الأهم» بالنسبة إلى مؤتمر جنيف هو موافقة المعارضة السورية على المشاركة فيه «من دون شروط مسبقة». وقال إن «زملاءنا، بمن فيهم الأميركيون الذين تقدمنا بهذه المبادرة بصورة مشتركة معهم، أكدوا التزامهم بالعمل مع المعارضة بشكل وثيق، من أجل دفعها لتغيير مواقفها من بدء المفاوضات فورا والكف عن طرح شروط غير واقعية»، مكررا مطالبته بإشراك جميع جيران سوريا وإيران في المؤتمر.
وإذا كان الموقف الأميركي لازال يتسم بالضبابية، فإن الموقف الروسي ازداد صلابة، لاسيما في مسألة تسليح النظام بأحدث التكنولوجيا الصاروخية رداً على العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق الذي تخطى «الخط الأحمر» الروسي برفض أي تدخل خارجي مباشر في سوريا.
وقد أكدت «نيويورك تايمز»، أن روسيا أرسلت إلى سوريا نسخة مطورة من صواريخ أرض بحر متطورة. ونقلت الصحيفة عن مصادر أميركية قولها إن إرسال هذه الصواريخ يشهد على عمق الدعم الروسي للرئيس الأسد.
وكتبت «نيويورك تايمز» أن روسيا سلّمت سوريا صواريخ «ياخونت» أكثر تطوراً من تلك التي زودتها بها في الماضي. وقالت إن هذه المنظومة تملك راداراً جديداً يجعل منها أشد نجاعة. وصواريخ «ياخونت» توفر للجيش السوري قوة ردعية أمام كل محاولة دولية لتعزيز المعارضة عبر فرض حظر بحري أو إغلاق المجال الجوي السوري أو تنفيذ هجمات جوية موضعية.
واعتبر رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي أن شحنة صواريخ روسية مضادة للسفن إلى دمشق يمكن أن تزيد القوات السورية جرأة وتطيل أمد الصراع. وقال «إنه على أقل تقدير قرار يدعو للأسف، وسيزيد النظام جرأة ويطيل المعاناة، ولذا فهو في وقت غير مناسب ويدعو للأسف الشديد».
واعتبر خبير أميركي أن «السلاح الجديد الذي تلقاه الأسد يسمح له بردع قوى أجنبية عن تزويد المتمردين بالعتاد عن طريق البحر»، مشيراً إلى أن هذه الصواريخ «قاتلة للسفن». أما المسؤول الاستخباري السابق جيفري وايت، فرأى أن هذه الصواريخ تبعد احتمال أي فعل غربي قبالة الشواطئ السورية، وهي دليل على مدى الالتزام الروسي تجاه الحكم في سوريا.
من جانبها، كتبت «وول ستريت جورنال» أن روسيا أرسلت 12 سفينة حربية للقيام بأعمال الدورية قرب القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس. ونقلت الصحيفة عن جهات رسمية أميركية وأوروبية قولها إن هذه خطوة صريحة تأتي لتحذير الغرب وإسرائيل من التدخل بما يجري في سوريا، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية تراقب منذ ثلاثة أشهر الوجود الروسي في البحر المتوسط، وهو الانتشار الأوسع للبحرية الروسية منذ الحرب الباردة.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد كرر في الأيام الأخيرة التزام بلاده بتنفيذ الصفقات الموقعة مع سوريا وتأكيده أنها دفاعية. وقد تجنب طوال الوقت تأكيد أو نفي إن كانت هذه الصفقات تتضمن صواريخ «أس 300» أم لا.
وكررت مصادر إسرائيلية تأكيدها أن الصفقة أبرمت في العام 2010، وأن روسيا أجّلت مراراً تنفيذها بسبب اعتراضات أميركية وإسرائيلية.
أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي، أليكسي بوشكوف، فأبلغ شبكة «سي أن أن» الإخبارية الأميركية، أن إرسال منظومات صواريخ «أس 300» إلى سوريا يشكل «رسالة» تفيد بأن روسيا لا تدعم التدخل الخارجي في سوريا. وقال «نحن نعارض مناطق حظر الطيران لأنها الخطوة الأولى قبل الغارات الجوية»، مضيفاً أن «سوريا طلبت من روسيا تمكينها من الدفاع عن نفسها ضد الغارات الجوية».
ويعتبر صاروخ «ياخونت» من الأسلحة «المخلة بالتوازن» في نظر إسرائيل، نظراً لقدرته الدقيقة على إصابة الأهداف في مدى 300 كيلومتر. وهو يحلق بسرعة كبيرة ويتعذر على الرادارات اكتشافه. وتجدر الإشارة إلى أن سوريا طلبت صواريخ ياخونت من روسيا في العام 2007 وتسلمت أول بطارية منها في العام 2010. وسبق أن اشترت 72 صاروخاً و36 منصة إطلاق مع معداتها. وتحوي كل بطارية «ياخونت» صواريخ وراجمة لثلاثة صواريخ وسيارة سيطرة وقيادة. ويبلغ طول الصاروخ 6,7 أمتار، ولديه رادار عام يوجه الصاروخ، فيما لكل صاروخ رادار خاص به للتملص من منظومات الدفاع في السفن.
الجولان
وعلى جبهة الجولان، تأكدت إسرائيل من أن الرد السوري على غارات دمشق الأخيرة حول إعادة فتح الجبهة الباردة منذ السبعينات أمام فصائل المقاومة، ليس مجرد كلام، بل أن الجيش السوري نفسه غير قواعد الإشتباك باستهدافة مدرعة إسرائيلية اجتازت الحدود.
وهو ما دفع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، الى القول بأن الرئيس الأسد «سيدفع الثمن» إذا شجع شن هجمات ضد الدولة العبرية مروراً بـ«هضبة الجولان»، كما أن إسرائيل لن تسمح بـ«اختلال الاستقرار» في المرتفعات التي تحتلها إسرائيل.
ونفى رئيس الأركان الإسرائيلي، أمام ندوة لمركز دراسات الأمن القومي بجامعة «حيفا»، الثلاثاء الماضي، الراوية السورية عن استهداف عربة عسكرية إسرائيلية لتجاوزها خط الحدود الليلة الماضية، مؤكداً أن سيارة الدورية كانت تسير على الجانب الإسرائيلي من الحدود، وقد تعرضت لإطلاق النار من داخل موقع سوري.
وكان الجيش السوري قد أعلن، في وقت سابق الثلاثاء، أنه دمر مركبة إسرائيلية عبرت خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، باتجاه قرية «بئر عجم»، في المنطقة المحررة من الأراضي السورية، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عن بيان للقيادة العامة للجيش.
Leave a Reply