سوف يذكر التاريخ أنه في أسوأ أيام الحرب الأهلية في «نتشة الوطن» لم «يتشرشح» الجيش اللبناني ويفقد عناصره عن طريق الاستهداف المباشر ولم يخسرْ هيبته ويصبح مكسر عصا وتمَرجُل عليه وأبيح سبّه وتحقيره وجعله يقف مكتوف اليدين أمام مسلّحي الزواريب والأحياء و«قادة» المحاور، إلا في عهد ميشال سليمان الذي كان قائداً للجيش قبل أن يصبح رئيساً!
حتى في بلد الغرائب الأمر مستهجن أنْ يبلغ الإستهتار من قبل عسكري سابق خاض ملحمة «نهر البارد» ضد المخيّمات في الشمال ولا احد يعرف لأي سبب، حد أنْ يترك الجنود لمصيرهم الأسود من دون قرارٍ سياسي بالرد بيدٍ من حديد والإمساك بالأمن خصوصاً في ظروفٍ مماثلة لتلك التي سبقَتْ معركة «نهر البارد» التي خاضها! لقد عُيِّن سليمان من قبل الدول الإقليمية والدولية، لا من قبل نوائب الشعب، وزُفَّ زفَّاً على أنَّه المنقذ والمخلِّص، وكفاءته الوحيدة، بعد بطولة ملحمة «بارد-غراد» الأسطورية طبعاً، هو أنَّه في يومٍ ما نام في الجنوب مع جنوده في إحدى الخيم!
ثلاثة عسكريين جدد غدرت بهم أيادٍ مجرمة معروفة الهوية والمصدر والتمويل والغطاء تأكيداً لما قاله السيد حسن بأنَّ التكفيريين سيكونوا خطراً على الجميع مسلمين ومسيحيين. وقبل شهر واحد حصل نفس الاعتداء في نفس المنطقة مما أدَّى إلى مقتل عسكريَّين اثنين من بيت بشعلاني وزهران، وقبلها هُتكت حرمة الجيش بعد مقتل الشيخين ودعا خالد الضاهر إلى انقسام الجيش محرِّضاً على قائده تلاه جيمس بوند المرعبي بالدعوة إلى قتله، ولم يحرّك «ساكن قصر بعبدا» ساكناً حتى بعد مهزلة شادي المولوي المحظي بحماية الدولة كلها! ولم يمُنّ سليمان بزيارة للجنود في عرسال الاولى فلماذا يقوم بذلك اليوم؟! كان على دولته أن تفعل شيئاً ما وتحقق مع علي الحجيري الذي ظهر ببسمته الصفراء أمام الكاميرا مدَّعياً دعمه للجيش الممنوع من دخول بلدته!
أما المخلوع من الخدمة «حوت المال» الذي باعه سليمان عند أوَّل مفترق، فقد كان قد بادر إلى عقد اجتماعٍ أمنيٍ في طرابلس دعا اليه «قادة المحاور» الذين يتولَّون الاعتداء على محلَّة «بعل محسن» لسبب مذهبي وكلّما «دق الكوز بالجرّة». إنَّ دعوة ميقاتي هذه تذكِّرنا ببداية الحرب الأهلية أيَّام الجولات العسكرية التي كانت تحتدم وتهدأ آخر كل شهر حتى يقبض المتقاتلون، لكنَّ الذي يكرِّم المولوي التكفيري المطلوب للعدالة بتهم قتل جنود لبنانيين لا يهمه دعوة زعران الأحياء الذين يريدون إيهامنا أنَّ خمسة بالمئة من العلويين في طرابلس هم الذين يفتحون المعركة مع الأكثرية في المدينة! وربما لهذا السبب حرق أشرف ريفي كل أوراقه مرةً واحدة، بسبب عدم دعوته للاجتماع، وقرَّر وقف لبس التنورة وإعلان وقوفه مع المليشياويين الذين حماَهم وموَّلهم عندما كان متسلِّطاً على المديرية العامَّة لقوى الأمن الداخلي. لا أحد يصدَّق أنَّ البعض من «٨ آذار» كان مستعداً للتمديد لريفي واستمرار حوت المال في الحكم، فقط لأن ريفي اخترع البارود ووضع احتمال أن تكون سوريا أو إسرائيل وراء قتل رفيقه وسام الحسن! كذلك طرح حوت المال مبادرة عبقرية للحوار بعد أنْ شرب حليب السباع وظنَّ أنَّ حظوظه للعودة للحكم أصبحت سالكة.
وبدل أنْ يضع سليمان وحوته حدَّاً للمسخرة الأمنية في طرابلس وفي صيدا عن طريق عدم تطييب خاطر أحمد الأسير، مطارِد الشقق والجنازات، وإعلان مناطق التوتر مناطق عسكرية ممنوع التجوُّل فيها واعتقال الإرهابيين وخلق منطقة فصل لمنع نزول القذائف على القرى اللبنانية خصوصاً الهرمل ووقف تهريب السلاح والمسلحين عبر الحدود، نجده يسارع إلى تحقيق ما أعلنته السفيرة الأميركية من ضرورة قيام انتخابات ولو بالقانون البالي الحجري. وصرَّح في نفس الوقت مع جعجع حول خطاب السيِّد حسن الأخير داعياً المقاومة للتخلي عن واجباتها وأنْ تنأى بنفسها عن سوريا كما فعل هو، ووضْعها فقط وراء المكاتب! كذلك اعتبر خرِّيج الحبوس أنَّ سبب ضعف الجيش اللبناني عن الدفاع ضد العدو هو أخْذ «حزب الله» لدوره وأنَّ السيد تمسَّك بتنورة السنيورة لوقف النارفي حرب تمّوز. لكن السر هو، كيف عرف جعجع أن السنيورة لا يلبس بنطلوناً؟!
بالعودة إلى طرابلس، فقد تبين بوضوح التقارب بين الفكر الصهيوني والعصابات التكفيرية. ففي حرب تموز ٢٠٠٦ شاهَدَ العالم كيف أنَّ الأطفال اليهود كانوا يكتبون رسائل على صواريخ الموت الموجَّهةً إلى أطفال لبنان، والبارحة شاهدنا أحد التكفيريين الرعاع يعلِّم طفلة عمرها ٦ سنوات على إطلاق النار من رشَّاش حربي ربَّما قد يصيب أحد أطفال الأحياء. كما كشف علي عيد كافة أسماء السوريين المنشقِّين الذين يقاتلون ضد «بعل محسن» وعَرَضَ القذائف والصواريخ المستعملة ضد الجبل وهي نفس الصواريخ التي أُطلقتْ على الضاحية. بالمناسبة، حلَّ الضاهر وفتفته مسألة الصواريخ على الضاحية بأنَّ «حزب الله» هو الذي قصف نفسه مع أن التقارير الأمنية التي كشف بعضها الوزير باسيل تفيد أن «دومرة» لا تمرّ في عيتيت، منطقة نفوذ الاشتراكي الجنبلاطي، من دون معرفة الحزبيين المهووسين بالأمن هناك فكيف إذا كان الأمر نصب صواريخ ضخمة يتطلَّب نقلها أياماً؟.
لست أدري ماذا بقيَ مما يسمَّى «الثورة السورية»؟ جزء تديره الاستخبارات العالمية في الأردن وآخر يسلِّحه آل سعود وحمد والأتراك ويسنده بالانتحاريين أبو بكر البغدادي اما خاطفو الحجّاج اللبنانيين التسعة فيستقبلون الصهيوني السناتور جان ماكين بالتهليل والتكبير كما كبَّروا بالأمس لإسرائيل. تعترف بهم بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة وتداويهم في مشافيها في هرتزيليا، ويروِّج لهم الفرنسي الصهيوني هنري برنار ليفي بطل ملحمة ليبيا. يسرقون معامل بلدهم وآثارها ويبيعونها خردة لتركيا، يفجِّرون النّاس في المساجد، ينبشون قبور الصحابة ويأكلون لحوم البشر، يتاجرون بالرقيق ويبيعون الفتيات بزواجٍ بخس في مصر والأردن ويحوِّلون مواطنيهم إلى لاجئين في خيم لبنان وتركيا والأردن وهم كانوا أعزةً يستقبلون ملايين اللاجئين العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين، يدمِّرون كل أسباب الحياة في بلدهم ويقضون على التنوُّع الديني فيه، كل هذا وتقول «التزويرة» وأختها النكيرة أنها «ثورة الحرية والكرامة»!
هذه الردّْة التكفيرية هي الأخطر اليوم لهذا لم تعد تتمكَّن المقاومة من السكوت على تواطؤ الدولة وتقاعسها تحت مسمَّى «النأي بالنفس» المضحك، بينما يزداد اقترابهم من الحدود من أجل تكوين إمارة توصل المناطق السورية التي يستولون عليها بالمدن اللبنانية. والمخجل حقاً أنّ أهل طرابلس لا يعرفون عن أولادهم الذين يقضون في القُصير شيئا أبداً ولا يذكرون ذهابهم علناً إلى الجبهة إلا تحت جنح الظلام فيستقبل الأهل أخبار موتهم بصدمةٍ كبيرة ويتستر مورّطوهم على أعداد القتلى، بينما لا يخجل حزب المقاومة من موقفه ومن تكريم شهدائه في وضح النهار.
Leave a Reply