إسرائيل هي أكثر المتضررين الذين بدأوا بالنباح بعد الإنتصارالمدوِّي في مدينة القُصيرالسورية وانسحاب الجماعات الإرهابية «تكتيكيَّاً» مرَّةً جديدة! ذلك أنَّ العدو كان يراقب عن كثَب المعركة الطاحنة هناك بعد قرار المقاومة الاستراتيجي الأول من نوعه بالهجوم وليس الإكتفاء بالدفاع فقط، في أرضٍ جغرافية واسعة جداً وليست مألوفة للمقاومة، كأرض الجنوب، لكنَّه رغم ذلك إستطاع أنْ يقلب الدفَّة بخسائرقريبة من المعجزة بحدودها الدنيا، في وجه معركة كونية شارك فيها مرتزقة من الشيشان والأفغان والليبيين والأوروبيين الإرهابيين المطلوبين وبدعمٍ غربي وخليجي هائل.
وقلق إسرائيل يعود إلى ما ذُكرعن قدرة المقاومة على التمدُّد في المعركة المقبلة إلى الجليل الأعلى المحتل وكانت معركة القُصير «بروفة» على قدراتها الميدانية والعسكرية. ولهذا السبب سَعَت إسرائيل بكل قوتها مع بدء المعركة إلى مساعدة التكفيريين حلفاءها عن طريق التحليق الكثيف لطيرانها فوق لبنان ورمي البالونات الحرارية التي لم تفت من عضد المقاومين، وتعيين خط طبِّي مباشر في مشافيها من أجل إسعاف المصابين منهم (سُبحان مُغيِّرالأحوال!) وقبلها عن طريق الغارات على سوريا المنشغلة بأُم المعارك في القُصير. لكن قبل كل هذا وذاك، ما يقضُّ مضاجع العدو اليوم بعد الإنتصار الجديد هو قُرب المقاومة من جبهة الجولان مما يجعلها متواجدة نداً لندّ على جبهتين ساخنتين، وهذا ما ألمحت إليه مباشرةً بعد نَعْيها للقُصير جنباً إلى جنب مع أئمَّة التكفير من الشهَّال إلى الأسير!
المنكوب الثاني بالقُصير هو ما يسمَّى المعارضة السورية فسبحان الذي يُمهل ولا يهمل. «الإتلاف الوطني السوري» إنهار سياسياً قبل مؤتمر جنيف وبعد وضْع «جبهة النُصرة» على لائحة الإرهاب في الغرب، إلى أنْ وصل الأمر بالمعارضة أنْ تصبح «عارضة» و«عَرَضية» من دون فكاهة ولا«مأزيِّة» تتلقى الإهانات العلنية وأمام الكاميرا من مسؤول فرنسي. وها هم تراهم يختلفون اليوم على التمثيل في جنيف بعد أنْ رسم الجيش العربي السوري مصير المعركة بدمه.
المنكوب الثالث هي المنظومة العجيبة الموءلَّفة من قطر وتركيا والسعوديّة والأردن وفرنسا وبريطانيا وأميركا من أجل القضاء على المقاومة اللبنانية، خدمةً لإسرائيل، عبر قطع حبل سرّتها مع سوريا باحتلال حُمص وريف القُصير بالكامل وشنّ هجمات على المقاومة من هذه المنطقة من أجل إشغالها وقطع مجالها الحيوي في البقاع عن طريق البقاع الغربي وعرسال ومن الشمال عبر عكار وطرابلس بعد القضاء على «جبل مُحسن»، ثمَّ التواصل مع مناطق وليد جنبلاط في الجبل وخصوصاً حول القرى الشيعية وقطع طريق الجنوب عن المقاومة عبر كراكوز صيدا وحتَّى تحريك بعض الجاحدين من الفلسطينيين في المخيَّمات و«الجماعة الإسلامية»، مما يُسهِّل ضربها عسكرياً من قبل إسرائيل الجاهزة دوماً ومنذ العام ٢٠٠٦.
إلا إنَّ المعركة الحاسمة في القُصير قضَتْ تماماً على هذا المخطَّط في مهده بحيث سمعنا صرخات الإستغاثة عبر وليد جنبلاط وجورج صبرا باسم الإنسانية لتأمين مخرج آمن للتكفيريين الذين كانوا يشقُّون الصدور ويأكلون الأكباد من دون رأفة ولا رحمة. فهؤلاء الإرهابيون يعرفون كيف أتوا ويعلمون نفس طريق الخروج كما خرج السكَّان من قبلهم. وكنَّا نتمنى لو رقَّ قلب الدولاب البشري المتقلِّب للحجَّاج اللبنانيين التسعة الذين مازال أصدقاؤه الإرهابيون في تركيا وسوريا يحتجزونهم. وكم كان مضحكاً مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذين خرجوا ببيان جبان يندِّد بالتدخُّل الخارجي في سوريا وخصوصا «حزب اللَّه» لكنهم نسوا التدخُّل «الخوارجي» فيها من كل ما حدبٍٍَّ وصوب ونسوا عقاب صقر وآلاف الغرباء من كل العالم!!
الخاسر الرابع في المعركة هو النظام «الأردوغاني» حيث اكتملَتْ صورة إنهيار المعارضة السورية بعد الهزيمة العسكرية المجَلْجِلة، بالثورة العارمة في تركيا. ولا يعتقدنَّ أحدٌ أنَّ هذه النقمة والحماسة من قبل المتظاهرين الأتراك هي بسبب قطع أشجار بل بسبب قَلع النظام الحاكم لكرامة وراحة شعبه! إنَّها نقمة تبدأ بسياسات «غول-أردوغان» الداخلية الفاشلة وحزبهما الإخونجي ولا تنتهي بالسياسة الخارجية المتعثِّرة والعنصر الأساسي في تعثُّرها هي المؤامرة الأردوغانية الدنيئة على الجار السوري الذي أعطى تركيا منافع وفوائد اقتصادية وعلاقات حُسْن جوار ما لم يعطها أحد من قبل!
الثورة الشعبية التي تجري حالياً في تركيا هي ثورة بكل معنى الكلمة، ولا يتفلسف أحدٌ علينا فساعةً يسمِّيها انتفاضة وساعةً يصنِّفها حِراكاً لأن الليبراليين واليساريين السابقين من مرتزقة الإعلاميِّين، الثورة عندهم هي فقط ما يجري في سوريا رغم كل الجرائم والمجازر والفظاعات الوحشية البهيميَّة التي ارتكبها «الثوَّار» هناك بدعمٍ سياسي ومالي وعسكري شامل من دول الخليج وأسيادهم في الغرب! المؤسف أن لا تُسمَّى الأشياء بأسمائها فالثورة في البحرين والقطيف تُدعى حراكاً أي مثل الحركات السويدية، أما «ربيع فيلتمان» ومهازل «قرطة حنيكر» في «شبه الوطن» ومجازر التكفيريين في سوريا فتسمَّى ثورة!!
ثورة «ساحة تقسيم» في استانبول قصمَتْ ظهر «الربيع العربي» المرتد الذي بدأ شعبياً وانتهى إخوانياً ثم تخلخلتْ أركانه بسرعةٍ نيزكيَّة و«تهرْهر» بأسرع من البرق لأنَّه بُنيَ على باطل وفشل فشَلاً ذريعاً بعد أن غشَّ النَّاس وسرق ثوراتهم وكراماتهم إلى درجة أنَّهم ترحَّموا على الأنظمة الديكتاتورية المخلوعة!
إنَّها القُصيرالتي قصَّرَتْ عمر المؤامرة الكونية على سوريا وفتحَت الطريق إلى حلب وحمص وباقي المناطق السورية المحاصرة بسبب إنشغال أردوغان، رأس الحربة، المهووس بالحفاظ على رأسه وكرسيه لذا فما قبل القُصير ليس كبعدها ابداً وإنَّ الغد لناظره قريب!
Leave a Reply