لمناسبةِ إصدارِهِ للجزءِ السادس من مجموعتِه البانوراميّةِ المعرِفيّة (زاد المؤمنين ودليل المثقّفين) وبغيةَ تسليطِ الضوءِ على الخلفِيّةِ التي صاحبتْ إصدارَ المجموعةِ وما رافقَها من عناءِ الجهدِ المُفضي إلى انبلاجِ الإصدارِ الأخير، التقَيْنا الأديب سمير بزي في حوارٍ استطراديّ يوصِلُ الأسلاكَ المتقطِّعة من الإستفهامات وربّما التساؤلات المتواتِرة في ذهنِ القاريء، فكانَ لنا معهُ هذا الحوار:
س: لابدّ هنا من الترحيب بكَ، وأنتَ تنجز الجزءَ السادس من موسوعتِكَ الإنتقائيّةِ المعرِفيّة المنوَّه عنها، أرجو تبيان أهمّ البواعث التي دعتْكَ إلى أرشَفَة مواضيع مجموعتِكَ القيِّمة.
ج: منذُ فجرِ تدرُّجي على عتباتِ استلهامِ مضامينِ ماأقرأ، وأقصد بذلك مباهجَ صِغَري، كانتْ غوايةُ المطالعةِ تستدرجني حتّى أقاصي الضميرِ الوجدانيّ، فشكّلتْ أبرزَ اهتماماتي بعدَ أداءِ الدروسِ المقرّرة في المدرسة، ومن خلال تلك القِراءات ، وجدتُ أنّ الكثيرَ من كنوزِ الأقوال المأثورة والحِكَمِ المنثورة، والمعلومة المتفرِّدة، التي تستفزّني، تستدعيني إلى اقتِناصِها وتثبيت مضامينِها، لإنطوائها على قيمة علميّة أو أدبيّة أو جماليّة، أو اكتشاف الظواهر الخفيّة أو الوقائع غير العاديّة وغير المألوفة.
س: كيف بدأت الفكرة، ومتى؟
ج: ترسّخّت لديّ رغبةُ التدوين لتك الإنتقاءات القراءاتيّة والتي بمرور الزمن أصبحَتْ عادة ملازِمة لحياتي، بين الكتاب بخاصّة، والمطبوع بعامّة إضافةً إلى وسائلِ الإعلام المرئيّة والسمعيّة، وبين تلك التدوينات. ممّا حدا بي إلى تجميعِها، حتّى وجدتُها في يومِ ما من مراحل حياتي المتأخِّرة، وحصراً بداية العام 1988قد أصبحتْ كتاباً قابلاً للنشر فرأيتُ أن يشاركَني فيه جماهيرُ القُرّاء إستتباعاً للإسترسال بمتعةِ مطالعَتِها، لاسيّما وهي لاتخلو من الفائدة وعنصر التشويق ممّا تتيح إنسيابيّةَ الملاحقة حتّى الإنتهاء من قراءةِ جميع محتويات الكتاب.
س: حدّثنا عن المعاناة التي صادفَتْكَ عند الإصدارِ الأوّل، وهل تكرّرَتْ فـي الإصدارات اللّاحقة؟
ج: تركّزَتْ معاناتي في إفراديّة الإنتقاءات، لأنّها كانت مجموعة كبيرة وضخمة وعديدة المضامين ومتنوّعة المحتوى، ممّا استدعاني إلى تكرارِ البحث والتنقيب للرسُوّ عند النتيجة المثلى للإنتقاء ومن ثمّ تدوينها وإفرادها موضوعاً دون آخر. وبناءً على ذلك فقد تكرّرتْ تلك العاناة في الإصدارات اللّاحقة. إنّها أشبه بعمليّة كتابة قصيدة أو إبداع قصّة أو رواية، فإذا كان منتِجو تلك الأجناس الأدبيّة مبدعون، فإنّي هنا حاولتُ أنْ أبدِعَ الإنتقاء والإختِيار.
س: هل كان الوقتُ المُسْتَغرَق لذلك داخِلاً ضمن وحدةِ المعاناة؟
ج: بالتأكيد. لقد استغرقَتْ منّي كلّ مجموعة وقتاً طويلاً في المطالعة..أحياناً كان الوقت يتجاوز الساعات الست، إضافةً إلى الوقت المستغرَق في متابعة البرامج السمعية عبر المذياع، والمرئيّة عبر الشاشة الفضّيّة، وكان الكثير من الظواهر عرضةً للتغيّر وفقاً لتلك المتابعة، فعلى سبيل المثال كانت أعلى بناية في العالم سابقاً تقع في شيكاغو الأميركيّة، أمّا اليوم فالبناية الأعلى أصبحتْ تضمُّها أبو ظبي. هذا على سبيل الأمثلة الدنيويّة، أمّا على سبيل الأمثلة الداخلة في الأمور الدينيّة، فقد وجدتُ ضمن باب التفسير القرآنيّ تغيُّراً أورد هنا تفصيلَهُ بغيةَ الزيادة في الإيضاح لحسّاسيّة المعلومة.. فالآية الكريمة الواردة في سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم (انّ اللهَ لايستحي أنْ يضرِبَ مثَلاً ما بعوضة فما فوقَها) قد كان تفسير الأقدمين لها وهذا ما ذكرتُهُ في أحدِ الأجزاء، هو أنّ اللهَ سبحانه وتعالى لايستحي من أن يضربَ لنا مثلاً ما بعوضة، بل فوقَ ذلك حيثُ كان التفسيرُ ينصبّ على الحجمِ الأصغر من البعوضة لكن بمخلوقاتٍ أخرى. وحيثُ أنّها مع صغَرِها لكنّها كبيرة فيما تملكُهُ من أجهزة وما تتوافرُ عليه من فغّاليّات مكّنها اللهُ سبحانه على تأديتِها فمن ذات مميّزات عجيبة، فهي تملك مئة عين، وخسين سنّاً، وستّة قلوب، وثلاثة أجنِحة، في طارف كلّ جناح كاميرا تصوِّر بفعلِ الأشعّة فوق البنفسجيّة دمَ الإنسان الذي يجري تحت جلدِهِ، وبهذا فهي تنتقي ما يلائمها من دمِ بغيةَ امتصاصِه إذ أنّها لا ترغب كلَّ أنواعِ الدم، بل هناك أنواع منه تستحوذ على رغبتها، ممّا يؤكِّدُهُ عددٌ مشترَك من الجالسين في حديقةٍ ما حيث يشكو قسمٌ منهم (لقد آذانا البعوض) فيما لايتعرّض الآخَرون لذلك الأذى فلا تبدر منهم أيّة شكوى. وتختزنُ البعوضةُ كذلك داخل خرطومها الدقيق، سائلاً مخَدِّراً، فأنتَ عندما تلسعكَ البعوضةُ لا تشعر بها وإنّما يبدأ الشعور بألمِ اللسعة عقب انتِهائها من امتصاص الكمّيّة التي بغتْها منه. كما تختزنُ في خرطومها أيضاً حبّة أسبيرين رقم81 التي تُسّيِّلُ الدمَ المخثّر، لتستطيع سَحْبَه عبر خرطومِها الدقيق. والبعوضةُ لها القدرة على شَمِّ رائحة عرَقِ الأنسان على مبعدة مسافةٍ بعيدةٍ منه.
أمّا اليوم فقد اكتشَفَ عالِمٌ غربيّ، أنّ هناك حشرة طفيليّة لا تُرى بالعينِ المجرَّدة تعيش فوق ظهرِ البعوضة، وهذا ما لم تعرفه البشريّة فضلاً عن المفسِّرين قبل ذلك الإكتشافِ العلميّ. ولمتابعة المستَجدّات التي لها علاقة بموضوعٍ ما سبق وأن أدرجته فإنّ عليَّ أن أستدرك فأضيف المعلومةَ الجديدة ضمن الأجزاءِ اللّاحقة.
س: من أين استقيْتَ هذه المعلومة؟
ج: من إحدى النشريّات التي تعني بالإكتشافات العلميّة، الصادرة في الولايات المتّحِدة.
س: إنّ تَتابُعَ الإصدارات يوحي بأنّ وراءهُ صدىً لدى المتابِعين لها، ممّا جعلكَ تداوم على طبعِها ونشرِها، أوجِزْ لنا أهمّ تلك الأصداء.
ج: حصُلَ ذلك بناءً على إتّصالات ورسائل وردتْني من العديد من القُرّاء بمختلف الشرائح والمستويات سواءً في وطني الأم لبنان أو في مُغتَرَبي الأميركيّ، مشحونةً بالإطراءات لدرجة ارتقائها إلى منزلة الإعجاب والتقدير، حتّى أنّ إحدى الفضائيّات اللبنانيّة قد جعلَتْ من مجموعتي مصدراً إذاعيّاً في نشرِ المعلومات الواردة فيها، بإحد برامجِها، ولا يفوتني أن أشيرَ إلى ما كتبتْهُ من تقييمٍ إيجابيٍّ جريدةُ الوطن الكويتيّة، ومجلّة الشراع اللبنانيّة، بالإضافة إلى رسالةِ تقريضٍ وردتْني من رئيس اتّحاد كُتّاب مصر العربيّة.
س: فـي تأريخِنا الأدبيّ العربيّ تجمِّلُ المكتبةَ العربيّة أنواعٌ من الكتب التراثيّة النفيسة، كنتَ امتداداً لمؤلِّفيها فيما يبدو، وعلى سبيلِ المثال انتِقاءات الجاحظ فـي كتابِهِ البيان والتبيين، أو ابن حزم فـي كتابِهِ طوق الحمامة فـي الإلفةِ والإلّاف، وغيرهما الكثير. هل تأثّرْتَ فـي تأليفِكَ لمجموعتِكَ بتلك الإمتِدادات؟
ج: بالتأكيد، وقد ترسّخَتْ رغبتي في تأليف مجموعتي عبرِ إعجابي بتلك المصادرِ الذهبيّة.
س: هل تدين لأحد فـي معونتِكَ على إصدار مجموعتِك؟
ج: نعم إنّني مدين لرفيقةِ العمر (أم محمد جهينة الحوراني) حيقُ أنّها أعانتني في توفير كلّ متطلّبات الكتابة وما يصاحبها من وسائل لإنجازِها، فكانت عضُدي وساعدي الأيمن في تحقيق أمنية إصدار مجموعتي.
س: ماذا تودّ أنْ تقوله بعد إصدار الجزءِ السادس من مجموعتِكَ القيِّمة فيما لم نمرّ عليه بحوارِنا هذا؟
ج: أودّ أن أثبّتَ من خلالِ هذا الحوار بأنّني أنوي دائماً إلى أن أنجِزَ سلسلة مجموعتي حتّى أصلَ بها إلى الجزءِ الثاني عشر تيمُّناً بالأئمّةِ المعصومين الإثنيْ عشر (ع) فهُمْ منارُ كلِّ عِلم وطريق هدىً لكلِّ من تقطّعَتْ بهِ أسبابُ الدنيا أو الحياة، هذا إذا كتبَ اللهُ سبحانه لي من فسحة العمر مايكفي لتحقيقِ هذه الأمنية.
Leave a Reply