يعتبر كثير من المقيمين في منطقة «ديكس» في جنوبي مدينة ديربورن أن منطقتهم الواقعة بين شارعي ويومنينغ وميلر والتي يقطنها نحو 7500 نسمة معظمهم من أصول عربية يمنية، لا علاقة لها بالمدينة ومهملة تماماً وتعيش في عزلة عن باقي مناطق ديربورن.
أطفال عرب أميركيون يلعبون في شوارع ديكس هذا الصيف. عدسة: عماد محمد |
يربط طريقان رئيسيان فقط شرق ديربورن بديكس، أحدهما يخترق منطقة صناعية على شارع ويومنيغ وهو مزدحم بالشاحنات على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، وهذا مما يجعل السير على هذه الطرقات أمراً صعباً، فيما تكسو جدران المباني الواقعة على جانبي الطريق كتابات وعبارات إمتدت لتصل إسفل الجسر المخصص لعبور القطارات، ناهيك عن الروائح الكريهة المنبعثة من مصنع معالجة المياه العادمة المقام في المكان ورائحة الإطارات المحترقة التي تلوث الجو وتزكم الأنوف، في محيط مصانع الحديد والصلب المقامة بالقرب من المناطق السكنية.
بعض أهالي ديربورن يتجنب الوصول إلى منطقة ديكس عبر شارع «ميلر» خشية انهيار الجسرالمتقادم المؤدي إلى شارع «روتندا درايف» الوحيد الذي يربط جنوب ديربورن بالجزء الغربي من المدينة، هذا الجسر سبق أن إنهار أواخر التسعينات من القرن الماضي ما تسبب بعدة إصابات، ومنذ تلك الأيام ظل الجسر مهملا دون صيانة تذكر، وكل ما قامت به البلدية آنذاك ترميمات في الأجزاء المتضررة منه.
وما أن يقطع سائق السيارة الجسر تاركا خلفه مصانع فورد العملاقة ومصانع الحديد والصلب حتى يدخل منطقة مختلفة تماما عن ديربورن، سكانها معظمهم من العرب الأميركيين من أصول يمنية، معظمهم يعمل في المصانع المجاورة ومحلات البقالة ومحطات الوقود والمطاعم والمحلات، منطقة منعزلة عن ديربورن وكأنها ليست جزءا منها.
خدمات سيئة
قبل أسبوعين كتب محمد صالح، أحد سكان منطقة ديكس، رسالة لصحيفة «صدى الوطن» يصف فيها تجربته في العيش في هذه المنطقة: «أشعر وكأنني أعيش في «دودج سيتي» أو «تومستون» في ولاية أريزونا وهي مدن منكوبة، أبواق السيارات ورائحة الإطارات المحترقة تملأ الشوارع يومياً وعلى مدار الساعة كل ايام الأسبوع، الناس في مدن أخرى يشتكون من ظهور الشرطة في أماكن جوارهم، ونحن لا نرى الشرطة حتى في حال استدعائهم لحالات طارئة».
مواطنة أخرى في المنطقة ذاتها قالت لـ«صدى الوطن» أن أكوام القمامة داخل المنطقة إزدادت سوءا في السنوات الأخيرة، وأضافت أنها كلما نظرت من نافذة غرفتها رأت هذا المنظر المقرف، خاصة وأن منزلها يقع قبالة ساحة مفتوحة تحولت مع مرور الأيام إلى مكب للقمامة، وقالت أن البلدية ترسل طواقم التنظيف بعد مطالبات متكررة وإلحاح يستغرق أسابيعاً و ربما شهوراً.
بعض السكان يتهم البلدية والسلطات المسؤولة بالتقصير وعدم القيام بواجباتهم تجاه المنطقة، وهناك من يحمل المسؤولية للمقيمين أنفسهم ويؤكد بأن عليهم واجب تطوير أماكن جوارهم. وليام علي من مواليد وسكان ديكس قال لـ«صدى الوطن» المنظمات الأهلية المحلية فشلت في التعاون والتنسيق فيما بينها لإحداث تغييرات إيجابية في هذه المنطقة، وأضاف «هناك العديد من المنظمات اليمنية الأميركية هنا لكن دورها يكاد يكون معدوماً، وعلينا أن لا ننتظر كل شيء من البلدية، والمطلوب مزيد من التعاون بين هذه المنظمات التي تدعي تمثيلنا والتي عليها تترتب مسؤوليات تجاه الناس».
أطفال ديكس معزولون وبدون رقابة
ويرى علي أن أطفال منطقة ديكس منعزلون عن الأجزاء الأخرى من ديربورن، فالآباء يعملون 10 – 12 ساعة يوميا، والأمهات يقتصر دورهن على رعاية الأبناء والطبخ والعناية بالمنازل، هذا يعني أن العديد من المراهقين والفتيان يجوبون شوارع المنطقة دون رقابة من أحد وقد يتسببون بالمشاكل. وقال «ان المشكلة الأخرى هي أن أفراد العائلة لا يجلسون سويا ليقولوا لأبنائهم أن تلطيخ الجدران بالكتابات خطأ ولا أحد يرشدهم الى ضرورة تنظيف القمامة من أماكن الجوار، علينا أن نزرع في اطفالنا الشعور بالثقة والاعتزاز بالنفس وتحمل المسؤولية ايضاً»، مضيفاً «أنا لا أرى شيئا من هذا القبيل يحدث في من قبل منظماتنا أو القطاع التعليمي العام في مدارس ديربورن» .
يعمل علي موظفاً في دائرة الترفيه في منتزه لابير، وهو المنتزه العام الوحيد القريب من منطقة ديكس، وينوي علي إطلاق بعض المبادرات، حيث شكل «اتحاد منتزه لابير»، ويتطلع إلى إقامة نواد رياضية للأطفال المحليين، وعن ذلك يقول «معظم الأطفال هنا لا يغادرون منطقة ديكس في أول 13 – 14 سنة من عمرهم، في هذه المرحلة يلتحقون بمدرسة «سالينا الابتدائية والمتوسطة» ومن ثم ينتقلون إلى «ثانوية ايدسيل فورد» في غرب ديربورن والعديد منهم لا يكون مؤهلاً لهذه المرحلة.
في هذا الإطار يقول علي «ينبغي على مدارس ديربورن العامة إطلاق مبادرة في مرحلة مبكرة تجاه الطلبة في منطقة ديكس فهؤلاء ينشأون في بيئة مغلقة لا تتاح لهم من خلالها فرصة الإندماج مع طيف التنوع الاثني المتاح امام اقرانهم في المدارس الاخرى، و بالتالي يحدث لهم نوع من الصدمة الثقافية حين يدخلون ثانوية أكثر انفتاحا وإختلاطاً وتنوعاً لم يسبق لهم التعود عليه».
تلوث البيئة
ان عزل سكان منطقة ديكس عن بقية مواطنيهم في ديربورن ليست المشكلة الوحيدة القائمة، فتلوث الهواء في المنطقة يظل مشكلة رئيسة يخشى منها على صحة الناس، ناتجة عن ثلاثة مصانع للحديد والصلب ولصناعة سيارات فورد المقامة في الجوار، إضافة الى مصفاة لتكريرالنفط ومصنع لمعالجة المياه العادمة.
دراسة تلوث الهواء
وفي هذا الاطار بادرت جامعة «واين ستايت» السنة الماضية بإجراء دراسة للربط بين معدلات الإصابة بمرض الربو في أوساط السكان المحليين وتلوث الهواء في المنطقة، وينتظر أن تستغرق الدراسة سنة اخرى او سنتين قبل التوصل الى نتائج في هذا الخصوص، ولا يزال القائمون على البحث يجمعون البيانات حول صحة المقيمين وعينات من الهواء في المنطقة».
أما الخطورة فيما تم التوصل اليه حتى الآن في ضوء استنتاج الدراسة هو ان معدل المتلقين للعلاج من مرض الربو في المنطقة يفوق بضعفين المعدل العام في بقية ارجاء الولاية. لكن لسوء الحظ، فإن من كانوا يناهضون معدلات التلوث العالية في هواء منطقة ديكس لم يعد لهم صوت مسموع. ويدعي بعضهم ان جزءاً من السكان الذين طالما اشتكوا سوء حالتهم الصحية بسبب تلوث الهواء صمتوا او دفعت لهم مبالغ من المال ثمن صمتهم، ولكن في غياب الإثباتات تظل مجرد إدعاءات يتناولها الناس بالسنتهم.
من جهته، يشكك المركز العربي للخدمات الاجتماعية (اكسس) ومقره الرئيسي في جنوبي ديربورن بهذه الادعاءات، مع العلم أنه أعد بحثاً حول موضوع تأثر صحة الناس بتلوث الهواء والخطوات الوقائية للحفاظ على صحتهم، وتم إعداد البحث قبل 10 سنوات وتبين ان 15,6 بالمئة من أطفال منطقة ديكس يعانون من مرض الربو.
والآن يتعاون «اكسس» مع جامعة «واين ستايت» في إعداد الدراسة وينتظر ان يجري بحثاً في العام القادم على 200 أسرة من سكان المنطقة، بحسب مدير الدائرة الصحية في «أكسس» د. عدنان حمد والذي أكد ان شركة «فورد» للسيارات تفهمت المشكلة وبدأت بالمساهمة في تطوير برامج وإستخدام تكنولوجيا جديدة من شأنها منع إنتشار العناصر الملوثة في الجو وفي حال استكمال هذه المبادرات ستؤدي الى تخفيض حجم المخاطر.
وقال حمد ان هذه المصانع برغم تسببها في تلوث الهواء إلاّ انها ذات أبعاد اقتصادية بحياة الناس في المنطقة حيث يعمل فيها الآلاف من المقيمين، وفي حال خروجها سيكون لذلك أثر سلبي على السكان المحليين. وختم بالقول اننا أمام معضلة اما التضحية بالوظائف في المصانع أو تحمل الأخطار الصحية الناتجة عن التلوث، ودورنا هنا إيجاد حل وسط من خلال منع العناصر الملوثة من الإنتشار في الهواء، تلك هي المشكلة التي تواجه السكان في الطرف الجنوبي من ديربورن.
Leave a Reply