اللي خانوا العهد بينا .. وإستباحـوا كل حـاجة
مستحيل حيكونوا منّا.. نحنا حاجة وهمّا حاجة
أحمد فؤاد نجم
لا توجد دول في تاريخ الإنسانية مارست السادية ضد بعضها البعض، مثلما فعلت الدول المُسماة عربية. ظننا أنّ عصر التقاتل والغزو بين قبائل الأعراب، في شبه جزيرة تسمى عربية قد ولّى وانتهى ، ولكن واقع التاريخ وواقع الحال أثبت ويثبت أنّ تلك البقعة لم يعد لها من الإنتماء إلى بني يعرب إلاّ الإسم. تنقلت القبائل إلى مناطق أخرى من الأرض لكنّ ثقافة التقاتل لم تتغير، فمازال الأعرابي لا ينتشي ولا يرتاح إلاّ إذا مال على أخيه فنكّل به وشرّده.
أعطى الله تلك الشعوب كثيرا من خيراته،فإكتنزت أراضيها بثروات عديدة من معادن وبترول وغاز وأراضي زراعية وأنهار جارية وبحار ممتدة، وكان في ظننا أنّ تمثل تلك النعم منطلقا لمرحلة جديدة من الخير والتآزر، ومقدمة لإنبلاج صبح جديد باسم وندي ومشمس يسطع نوره على تلك الديار، إلاّ أنّه «يموت الزمار وإيدو بتلعب». لقد استمرت أغلب دول العرب أو مشائخ قبائل العرب على الأصح في سياسة التقاتل والتناحر الداخلي، حيث تنفق الأموال وتهدر الكثير من الإمكانات المادية والبشرية، لإثارة الفتن والتقاتل والتباغض. شعوب يأكل فيها القوي الضعيف ويتعالى فيها الغنيّ على الفقير.
وبعد قيام دول سايكس بيكو المُقطعة الأوصال والتي صُمّمت على خرائط بطريقة تكون فيها الخيرات من نصيب «دول» دون أخرى، حتى تتعرقل مسيرة النموّ ويختل التوازن. وقد أهدر الأغنياء من بني يعرب الأموال بددا، وفي حين صنُفت الدول العربية الفقيرة ضمن البلدان النامية، فقد صنفت أخواتها من الدول ذات الأموال الطائلة ضمن الدول النائمة. وقد بددت بعض دول قبائل النفطوقراط مالا لُبدا ، ولم تجلب لأشقائها إلاّ الهمّ والكرب. إنّهم لا يمكن أن يكونوا من بني يعرب بل هم ولا شك من بني يَكْرِبْ.
قد لا يختلف معنا أحد إذا قلنا أن حروب العرب الحديثة ضد بعضهم البعض هي الأكثر تدميرا ودموية، وأنّ العرب هم الأقدر على أن يُحوّلوا النجاحات إلى إخفاقات، وهم الأقدر على تحويل أكباش العرب الذين تعج بهم المنطقة إلى نعاج، وهم الأقدر على فتح مزادات البيع والشراء لكل شيء حتى الأوطان. كيف يدرك قيمة الطين والأرض من عاش رحّالا في الفيافي والقفار وطنه خيمة يحملها على بعيره وينطلق بها من بقعة وارض الى بقعة وأرض أخرى؟
على الرغم من أنّ صنّاع سايكس بيكو قد فتتوا البلاد ورسموا حدودا وقننوها، ظل يكرب بن يعرب رغم ذلك لا يدرك ما يدور حوله ولا يفقه كنه الوطن وهو الحديث عهد بالإستقرار في الأوطان.
رغم الأموال الطائلة والثروات الكثيرة لم تتلطّف طباع كثير من بني يكرب بن يعرب وظلوا أجلافا فظاظا غليظي القلوب. لم يعنِ الوطن وماتحته من ثروات ومن فوقه من بشر وتاريخ وإمكانات شيئا بالنسبة إليهم ، ماعدا أنّه بقرة حلوب يحلبونها ثم يذهب أغلب حليبها لحساب الغير. لم يكن فعل بني يكرب هؤلاء منهم كرما حاتميا، لأنّه لو كان الأمر بالنسبة إليهم كذلك لكانوا أدركوا وهم للأسف لم يدركوا أنّ الأقربين أولى بالمعروف وأقربينهم هم الملايين من بني جلدتهم من جياع العرب وفقرائهم ومساكينهم ومرضاهم الذين يعيش بعضهم تحت حدّ خط الفقر. أقربينهم كثير من الشباب من بني عمومتهم الذين عضّهم الجوع وأكلهم اليأس فرموا بأنفسهم في قوارب الموت وشقوا عباب البحر رغم الأخطار، ميمّمين بوجوهمم شطر بلدان الضفة الاخرى أملا في لقمة عيش، ونسمة من الحرية. في حين يواجه هؤلاء الشباب خطر الموت غرقا تُصرف في بعض بلدان بني عمومتهم الأموال بلا حساب ودون خوف من يوم الحساب.
يكرب جلف بني يعرب وذريته، فقدوا الإحساس بكلّ ما حولهم من تاريخ وحضارة وقيم روحية وثقافية، فقدوا الإحساس بكل من حولهم من أشقاء وبني عمومة يفترض أنهم يرتبطون معهم بأواصر الأخوة ووشائج القربى، لذلك لم يلتفتوا ولم يعنوا بجوعهم وفقرهم. لم يكتف بني يكرب بإيصاد الأبواب في وجه بقية من أهلهم بل استفردوا بالمال دونهم ومنعوه عليهم وبذلوه لغيرهم.
كان بني يكرب سباقون دائما للمشاركة في شنّ الحروب ضد إخوة وإشقاء لهم وتكثيف آلامهم و تعميق جراحاتهم.
لقد كان يكرب جلف بني يعرب كائنا هجينا فقدَ موروثاته الجينية الاصلية، ففقد بوصلتَه وتاه.
Leave a Reply