في الوقت الذي كان أوَّل العسكريين اللبنانيين الستَّة غارقين بدمائهم بسبب غدرميليشيا الارهابي أحمد الأسير ومطربه المُبتذَل فضل الشمندور يوم الأحد الماضي، كان ميشال سليمان قلقاً ومشغولاً يسهر لحظة بلحظة على أمن عشرين «شلعوطاً» متظاهراً أمام السفارة الإيرانية مع الإقطاعي أحمد الأسعد الذي جاء لوحده بموكب عريض مشمئزَّاً، بحكم إقطاعيته البغيضة، من ركوب الباص مع «الحشود» التي ضاعتْ بين أعداد الصحافيين وقوات الأمن، ثم رمى وردةً بغضب مدَّعياً هذا الدِّعي إنِّه محزونُ على هشام السلمان. وكان قد ألقى في قصره خطاباً عرمْرَمياً، حضره ثلاثة أشخاصٍ فقط، كظم فيه غيظه وعضَّ على نواجذه وأرعب فيه النَّاس من غضبٍ مُزلزِل! أحمد الأسير وأحمد الأسعد وجهان.. لنتنياهو واحد!
لم يُتحْ لميشال سليمان أنْ يتنعَّم ببطولة لقب أوَّل رئيس لبناني يشكو سوريا إلى مجلس الأمن في كل تاريخ البلد العاق فجاءت معركة «القُصير» الثانية في صيدا لتُنغِّص عليه عيشته وتجبره على التفرُّج على اتِّخاذ قرار مُحرِج حول حسم الجيش للسرطان الإرهابي الداخلي. إتَّقِ شرَّ منْ أحسنتَ اليه سوف يكون لسان حال سوريا من الآن وإلى الأبد لِما تكبَّدَتْه من عقوق ونكران جميل بعض ساسة لبنان. لم يشعُر سليمان بالحاجة الملحَّة إلى عقد اجتماعٍ أمنيٍ ساعة بدء الاشتباكات مع ميليشيا «القُصير» إلاّ في اليوم التالي، ربَّما بعد جَلاء غبارالمعرَكة على أساس أنَّ «رامبو» الأسير «قدَّها وقدود» وقد تميل له الكفَّة بالنهاية! وهذا ليس احتمالاً بعيداً حيث تقول المصادر في الشارع أنَّ الأسير حسَبها خطأً مستفيداً من تردُّد «المسائيل» بإنهاء ظاهرته الشَّاذة التي كانت تستفحل يومياً وتأكل من هيبة الجيش والدولة إلى درجة الفحش والتسيُّب العلني بسبب سياسة «اللعي بالنفس» الرسميَّة وترجمَتها ترْك البلد مفتوحاً للجماعات السورية الإرهابية و«جيش لحد الحر» والتصدِّي فقط للنظام السوري والوقوف له بالمرصاد حتَّى وهو يدافع عن نفسه. ألم يعمل وزير «الدخولية»، مروان شربل، مستشاراً للأسير بعد أنْ فكَّ اعتصامه الفاشل منذ سنة تماماً ولو لم يأكل معه السمك الطازج؟ إلا أنّ دماء الجيش اللبناني والوقائع الميدانية على الأرض لم تعرْ لتردُّد الدولة انتباهاً ولا للضغوط القطرية الأميركية ولا لمؤامرات ثوار اليقطين والسلفيين. فأعطى الجيش الغطاء لنفسه مستقوياً بالحضن الشعبي له والإلتفاف الجماهيري حوله فكان قرارالحسم بعد أنْ كاد المسؤولون أصحاب الحياد السلبي يشرشحون الجيش ويجعلون منه أُضحوكةً أثر سيل الاعتداءات عليه منذ تكريم الإرهابي شادي المولوي وحتّى اغتيال المجنَّدِين في عرسال.
ولقد كشَفَتْ معركة القُصير الثانية فـي صيدا عن الأمور الهامَّة التالية:
اوَّلاً، كعادتها تحلَّت المقاومة بأخلاقيات سامية وبأعلى درجة من درجات ضبط النفس ولم تنجرْ إلى كمين الأسير ومتآمري الدوحة من أعداء سوريا أو المؤتمر اللاإسلامي في مصر الدَّاعي صراحةً إلى الفتنة المذهبية. لم تتدخَّل المقاومة وتركَتْ الجيش يحسُم والدليل على عدم تدخُّلها، مع احترامنا وتقديرنا لتضحيات الجنود العظيمة، هو استغراق الجيش مدَّة يومين كاملَيْن للوصول إلى وكر الأسير الأمني بينما المقاومة حسمتْ الوضع في تأديبة ٧ أيار في غضون ست ساعات، وفي العاصمة، رغم الملايين التي صبَّها سعدو على الوكالات الأمنية، وهذا ما أرعب يومها وليد جنبلاط وجعله يعيد حساباته بعد أنْ رأى “بصبيِّ” عينه فرارالمقاتلين الى عكَّار بشكلٍ أسرع من الأسير نفسه! ويقول الراوي إنّ الأسيرهرب مرتدياً زيّ امرأة وقبله فعلها عمَّار حوري كما أنَّ جعجع أكَّد أنَّ السيِّد حسن تمسَّك بتنورة السنيورة أثناء حرب تمُّوز (يوليو) ٢٠٠٦! ما سرُّ الملابس النسائية لرجال ١٤ الشهر؟ لدولة و«هيئة علماء المسلمين» في صيدا من الجيش كلها مواربة وغير صادقة.
ثانياً، تبيَّن أنّ ظاهرة الأسير ليست معزولة ومنفردة كما اعتُقد سابقاً بدليل أنَّ «الجماعة الاسلاميَّة» التي كانت حتَّى الأمس تسمِّي نفسها معتدلة ومع المقاومة ضد اسرائيل شاركت عسكرياً جنباً إلى جنب مع التيَّار «الزرقاوي» و«جند الإسلام» وبقايا «فتح الإسلام» وبعض المجموعات السورية والفلسطينية المسلَّحة في «حي التعمير» ومخيَّم «عين الحلوة» وهذا يطرح سؤالاً عن مصير جرحى «القٍُصير» الذين أعربوا عن عودتهم لحمل السلاح مما يعيد التاريخ إلى الوراء الى زمن شاكر العبسي الذي حصل على الدعم المالي واللوجستي من الحريرية. بهيَّة التي عقد إبنها، أحمد مع سميِّه، إتِّفاقاً سرِّياً بعد إنهاء اعتصامه العام الماضي باعتراف الأخير، أصدرتْ بياناً، مثلها مثل باقي السلفيين، عاماً جدَّاً كعلك الهواء من دون أنْ تذكرَ الأسير حتَّى بالإسم وكأنَّ المعركة كانتْ بين مجموعتين خارجتين على القانون، وكان همُّها الوحيد الرصاصتين اللتين أُطلقتا على منزلها بالخطأ! أرادالسلفيون والحريريون الزجَّ بالمقاومة من أجل التعويض عن خسارتهم وتحميلها وزرما حصَل لكن غباء الأسير الخارق للطبيعة عطَّل هذه المؤامرة بقتله للجنود بدمٍ بارد. لكنََّ يبدو أنّ الغدرأصبح سِمَةَ التكفيريين والسلفيين معاً فها هي «حماس» بعد لقاءٍ مع «حزب الله» في بيروت تُصدر بياناً يدعو الحزب للانسحاب من سوريا لكن لا ضيرَ اذا كانت هي تقاتل بمال وسلاح وخبرة حفرأنفاق وتدريب واستغلال إمكانات الحزب وإيران في «القصير» ويصدرعن أحد قيادييها كلاماً مفاده أنّ قتال النظام السوري أهمّ في هذه المرحلة من الجهاد في فلسطين. أكثر من ذلك، «حماس» بدأتْ تُضيِّق الخناق على حركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين التي مازالت مؤيِّدة لسوريا وإيران، وارثةً بذلك دورحركة «فتح» الرجعي أيام قمعه لها! لذا، فإذا تمَّ التخلُّص من رأس الحربة الأسير اليوم فماذا عن المموِّلين الخفييِّن والعلنيين الذين ساهموا بإسالة دمِ الجيش وماذا عن فستق والرافعي ومدَّعي الاسلام الشهَّال الذي اعتبر ما جرى حرباً على السُنَّة وأنحى باللائمة على المقاومة كما كان يفعل صنيعتهم عنتر الأسير؟! قرطة «حنيكر» تحاول ايهام النّاس إن إجرام الأسير هو ردُّ فعلٍ على سلاح المقاومة من أجل استصدار عفو عام عنه وعن مطربه الناعق الذي اعترف على الكاميرا بقتل «فطيستين» من الجنود! الخطورة أنّ «ورَم» الأسير لن يُستأْصل وسوف يتكرَّر مالم يحزم الجيش أمره ويتخلص من الأدران المشابهة في طرابلس والبقاع والحدود اللبنانية السورية وإلا فعلى المقاومة والقوى الوطنية حسم أمرها بيدها لمنع «الدفرسوار» الإسرائيلي في الداخل بمعاونة حلفائه! إنّ مواقف جماعة «لبنان أولاً» والعابرين إلى الدولة و«هيئة علماء المسلمين» في صيدا من الجيش كلها مواربة وغير صادقة.
ثالثاً، تبيَّن من مخازن السلاح والتقنيّات العالية التي وُجدتْ في أنفاق «مسجد ضِرار» إنّ الأسير كان يتلقى دعماً تكفيرياً كبيراً تجلَّى بوجود السلاح والمتفجرات والمخابيء السريّة وتفخيخ الجثث وذلك لنقل النيران السورية إلى لبنان وإلهاء المقاومة داخلياً ثمناً لحسمها معركة «القُصير» وتأليب الرأي العام أكثر ضدَّها، كما أنه كان يتلقى دعماً قوياً من أجهزة أمنية رسمية وفَّرتْ له تحرُّكات وتنقلات الجيش ممَّا يفسِّر الكلفة العالية التي أدّتْ إلى خسارة ١٧جنديّاً وجرح ١٠٠ آٓخرين.
رابعاً، الأحزاب التاريخية العريقة والشخصيَّات الصيداوية لم يكن لها أيِّ دور، لا في وقف ظاهرة مرَضية كالحالة الأسيرية التي أسَرتْ المدينة وكبَّلتْها لسنوات، ولا في التصدِّي لها. أين «التنظيم الشعبي الناصري» وأين البزري والبساط وآل الصلح ليعيدوا التوازن للمدينة ويعيدوا دورها المقاوم كبوَّابة الجنوب؟ بدأَتْ في صيدا وانتهتْ فيها حيث شاء القدر أنْ تُستهلَّ الحرب الأهلية باغتيال المناضل معروف سعد من قبل الجيش الفئوي آنذاك لكنَّه اليوم أوقف الحرب الأهلية الثانية بقمع الفتنة بعد أنْ تغيَّرتْ عقيدة الجيش القتالية بمساعدة سوريا وقيادة الرئيس العماد أميل لحُّود، الله يوجِّه له الخير. وكم كان لافتاً عندما حكى بدري «حوت المال» ميقاتي، وانقبض صدر اللبنانيين، لمَّا أصدر بياناً بعد اجتماع رؤساء الحكومة السابقين دعم فيه الجيش بخجل وتبنَّى موقف الأسير من «الشقق الأمنية» وهذا تعبيرٌ لم يسمع به اللبنانيون قبل الأسير، وكان قد كرَّره السنيورة أيضاً في خطته الرباعيّة غيرالمتضمنة، طبعاً، إعادة سرقة ١١مليار دولار لتمويل الجيش فيها. مشكلة السنيورة وجوقته المتآمرة هي المقاومة كمقاومة. ألم يحاول محو اسمها مبكِّراً جداً في مؤتمر الخرطوم لولا الرئيس المقاوم أميل لحُّود؟ وإلَّا أين يريد هؤلاء أن تُوجد المقاومة؟ في السماء أو على سطح المرِّيخ مثلاً؟ هذه الشقق موجودة من عشرات السنين ولم يسمعْ حسُّها أحدٌ قبل الأسير! رغم ذلك نزعَتْ المقاومة فتيل ذريعة الشقق بعد أنْ فرَّ مَن فسَق!
خامساً، دخلت إسرائيل كالعادة على خطّ الفتنة متحسِّرةً على ضياع كنزٍ ثمين كان يسبِّب إزعاجاً صوتياً للمقاومة فخرقتْ طائراتها المجال الجوِّي فوق صورملقيةً البالونات الحرارية، ولولا سياسة الردع والتوازن الاستراتيجي التي حقَّقتها المقاومة مع العدو لكان تدخَّل إلى جنب التكفيريين بكل إمكاناته ولاجتاح لبنان كما فعل صيف عام ١٩٨٢، وكما يفعل الآن لنصرة التكفيريين في سوريا عن طريق ضرب سوريا بالطيران وفتح مستشفياته لهم والتقاء مصالحه معهم.
سادساً، رغم الجريمة المروِّعة في مصر- مرسي و«إخوانه» المجرمين المنافقين للتغطية على الثورة ضد «الاخوان» والمتزامنة مع جنون الاسير، والتي نجمتْ عن قتل ٤ من الشيعة الشهداء بينهم الشيخ حسن شحاتة إلا أن الفتنة المذهبيَّة لن تمر هناك بفضل وعي شعبنا العالي وطبيعة الشعب المصري المتسامح تاريخياً رغم الهجمة الوهَّابية الحالية. جنون الأسير في صيدا الذي حصَلَ بعدما قيل أنّ السعودية إتَّخذت قرارتٍ سرِّية ضد «حزب الله» (وهي، بالمناسبة، على مسافة واحدة من جميع الفرقاء) وبعد فشل مؤتمرالدوحة الدَّاعم للإرهاب والإرهابيين يبدو أنّ الفتنة المذهبية مرَّتْ بسلامٍ حتى الآن بعد استئصال شوكة ميليشيا”القُصير”حيث أعرب كل الأطراف عن «حبِّهم حتى الموت للجيش» (ووجوههم تقطر سمَّاً) خصوصاً الذين كانوا يغدرون به ويطعنونه من الخلف ورفع الجميع، مرغمين، الغطاء عن كراكوز صيدا كما إنه بعد فرارالأسيركأنّ النفوس هدأتْ!
يبدو إنَّه كُتب على جماهير المقاومة أنْ يتحمُّلوا ضعفين: تقديم الشهداء ضدالعدوالتاريخي الوحيد ودَرء الحرب المذهبية التكفيرية المُسعفَة لهذا العدو. وكل هذا عقابٌ لهم لانتصارهم على إسرائيل!
Leave a Reply