إقتصاد مصر بين مرسي وعبد الناصر: لعنة الفراعنة
انتظر الشعب المصري يوم الأربعاء السابع والعشرين من حزيران يونيو ليسمع خطاب الرئيس مرسي ليرسي على بر، بعد سنة من حكمه الذي اتسم بالإضطرابات والتجاذبات بين المعارضة والسلطة.
لكن كعادة خطاباته السابقة ، جاء خطاب مرسي بلا أجوبة حاسمة لقضايا ساخنة، بل كان خطابا تبريريا، عَزَى فيه الصعوبات التي تعاني منها البلاد إلى سياسات من سبقوه. لكن الغريب أنّ «الريّس» لم يقف بإتهاماته عند الرئيس مبارك بل إتهم كذلك السادات وعبدالناصر، فقال بأنّ هذا الأخير إستلم الحكم ومصر لديها 350 مليون استرليني لدى انجلترا، ومات تاركا ديونا بخمسة ملايين دولار ارتفعت في عهد السادات إلى واحد وعشرين مليون دولار ثم إلى خمسين مليار دولار في عهد مبارك.
وقد استنكر العديد من الإقتصاديين الذين يعرفون تلك الفترة من زيف إدعاءات مرسي حيث أشار الدكتور فخري الفقي إلى تصاعد الديون في عهد مرسي بما يقرب من احد عشر مليار دولار مع إقتراض سنوي بقيمة عشرة مليارات دولار حسب إحصائيات رسمية حكومية. ونقلت مصادر عن الدكتور أحمد السيد النجار، الخبير الإقتصادى فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية قوله معقبا على حديث مرسي حول ديون عبدالناصر «إنّها أكذوبة سمجة لأنّ الديون كانت حوالي 1،1 مليار جنيه مصري آنذاك»، ولم تكن لمصر ديون عسكرية بعد أن أسقطها الإتحاد السوفياتي. وأضاف النجار «الديون المدنية استُخدمت فى بناء الصناعات المعدنية والكيماوية والهندسية والأدوية ومواد البناء وغيرها من الصناعات الهائلة التى أقامتها مصر فى عهد عبدالناصر وضاعفت حجم قطاع الصناعة خمس مرات بين عامى 1952 و 1966».
لقد فشل مرسي في سنته الأولى نتيجة التركيز على تحويل الحكم الى نظام مزمن، كما أنّ الاخوان لم يحاولوا أن يُوَظفوا الكفاءات بقدر ما كان تركيزهم على تولية «الثقات» المناصب ما يعني مزيدا من التعيين على أساس ايديولوجيا الامر الذي يؤكد عدم جاهزيتهم للقبول بمبدأ الممارسة الديمقراطية التي تقوم على تداول السلطة. وقد خلّفت هذه السياسة تدهورا في الأداء الحكومي خاصة في المجال الاقتصادي وذلك بتزايد الديون والإعتماد على الإقتراض وتنامي البطالة، ممّا حرّك الشارع المصري المأزوم أصلا من جديد، كما خلق تململا ورفضا حتى داخل التيار الإسلامي العام الذي كان مساندا في البداية لنظام مرسي ، حيث عبّرت الجماعة الإسلامية وحزب النور السلفي عن رفضهما لما أسموه «سياسة أخونة الدولة».
لكن مرسي واصل سياسة الهروب إلى الأمام، ولم يبق أمامه إلاّ أن ُيبرّر فشل سياساته الإقتصادية والإجتماعية بمشاكل إقتصادية وديون من مخلفات الفرعون توت عنخ آمون أو أن يُرجع مشاكل مصر الحالية إلى لعنة الفراعنة؟!
هل تُعيد صدامات الشارع المصري حكم العسكر؟: وكأنك يابوزيد ماغزيت
يبدو أنّ المؤسسة العسكرية المصرية، بدأت تتطلع من جديد للعودة إلى سدّة الحكم، ولكنّها تُمنّي النفس بأن تكون العودة هذه المرة بطلب شعبي ممّا سيضفي شرعية على تحرك العسكر ويعطيهم غطاءا أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد أن تكثفت حركة إحتجاجات المعارضة وتوسّع نطاقها، ومطالبتها برحيل مرسي، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة كحل للأزمة. مصادر إعلامية كثيرة بدأت تتحدث عن رفض المؤسسة العسكرية قمع التحركات الشعبية وخاصّة التظاهرة المرتقبة لحركة «تمرد» في الثلاثين من حزيران (يونيو).
ويكثر الحديث هذه الأيام عن رفض وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي فرض حالة الطواريء لإفشال تظاهرة «تمرد» رغم الضغوط التي مارسها عليه الرئيس مرسي. وتعبيرا من السيسي على أنّ المؤسسة العسكرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أيّ إنزلاق للبلاد نحو العنف، لمّح السيسي إلى إمكانية التدخل العسكري في حالة نشوب «إقتتال داخلي» على حد تعبيره. كما دعا الجميع إلى التوافق لمنع حدوث ذلك. مظاهر الصراع بين الرئيس مرسي ومِن ورائه الإخوان وبين السيسي ومِن ورائه المؤسسة العسكرية، برزت عندما بدأت الإشاعات تتحدث عن اقالة السيسي، ممّا دفع بالعسكر إلى الردّ بالرفض «إقالته مغامرة غير محسوبة لأنّ القوات المسلحة جنوداً وضباطاً وقادة لن يسمحوا بحدوثها مطلقاً» حسب ما جاء في تصريح تناولته بعض المصادر الإعلامية.
في الوقت الذي يستبعد فيه البعض عودة المؤسسة العسكرية للحكم عبر انقلاب، تُؤكد المؤشرات أنّ مصر مقبلة على أيّام صعبة، قد تنتهي بصدامات واسعة ودموية بين قواعد الإخوان وقواعد المعارضة. وفي الوقت الذي تصرّ فيه المعارضة على تنفيذ تحركها الواسع يوم الثلاثين من حزيران (يونيو) الجاري للمطالبة برحيل مرسي والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة يُصعّد الإخوان من لهجتهم حيث يقول الداعية صفوت حجازي «اللّي حَيْرُشْ مرسي بالمَيَّهْ.. حَنْرُشه بالدم».
وفي حين يبدو العسكر حريصين على الأمن فإنّهم في نفس الوقت يراقبون عن كثب مجريات أحداث الصراع بين الإخوان والمعارضة. ويذهب ملاحظون إلى أنّ رفض السيسي لفرض حالة الطوارىء، هو أسلوب لإستمالة جزء من الشارع كما أنّه اختيار من المؤسسة العسكرية للوقوف مؤقتا على الحياد لإستنزاف الإخوان عبر تحركات شارع المعارضة، وتوسيع قاعدة الرفض للرئيس مرسي، بسبب تزايد الصعوبات الإقتصادية والإجتماعية في ظل تواصل الإضرابات، ممّا يُسهل أيّ تحرك للعسكر ضد الرئيس ويجعله مرحبا به داخليا وخارجيا.
إنّ تسارع الأحداث وتصاعدها وإحتقان الشارع المصري وضع مصر بين فكّي كماشة، من جهة الإخوان الذين يمارسون سياسة الهروب إلى الأمام وعدم مواجهة مشاكل الواقع والإستمرار في تسبيق الإيديولوجي على حاجات الناس ومن جهة أخرى خطر عودة العسكر إلى الحكم ممّا قد يضرب مكتسبات الثورة ويُضيّع تضحيات الشعب المصري بعودة نظام «العسكرتاريا» إلى حكم البلاد «وكأنّك يابوزيد ماغزيت».
Leave a Reply