انتفض العراقيون في السادس عشر من شعبان عام 1411 هجرية، الموافق للثالث من آذار سنة 1991 ميلادية، انتفضوا ضد النظام الصدامي الذي مارس أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي المظلوم، انها الانتفاضة التي غيّرت مجرى الاحداث في بلاد الرافدين، وأوصت بملامح نهوض حقيقي لشعب العراق، الانتفاضة التي اشترك فيها جميع ألوان وأطياف الشعب العراقي، والتي أسقطت جدار الخوف والمنعة وهدفت الى تغيير الحكومة البعثية ومحاسبة جميع المسؤولين عن جرائم الموت القهري والحروب والابادة الجماعية. كانت أهم الاسباب التي دعت الى قيام الانتفاضة هي:
أولا- الاضطهاد والتعسف والحرمان الذي عاشه الشعب العراقي في ظل قيادة البعث الصدامي.
ثانيا- الحروب الطائفية الظالمة التي شنّها النظام البعثي ضد دول الجوار.
ثالثا- القمع والاعتقالات العشوائية بالاضافة الى الاعدامات الكبيرة التي راح ضحيتها الابرياء.
رابعا- محاربة الشعب على أساس انتمائه الاثني والطائفي والقومي، فقد حورب الاكراد لكونهم أكراداً، وحورب الشيعة لكونهم شيعة، وتم ابعادهم عن المراكز العسكرية والامنية المهمة، وعن مواقع التمثيل السياسي والدبلوماسي.
خامسا- سرقة أموال العراقيين وعدم توزيعها بشكل عادل.
سادسا- حرمان الشعب من تداول السلطة عن طريق انتخابات عامة وعادلة تشرف عليها الامم المتحدة.
سابعا- التشجيع الذي لقيه أبناء الرافدين من الحلفاء للاطاحة بنظام صدام.
ثامنا- التركيبة العشائرية للشعب العراقي الذي لا يقبل الذل والسكوت على ظالميه وقاتلي أبنائه.
تاسعا- محاولة النظام تبعيث المجتمع، وذلك عن طريق فرض فكر البعث كمنهج وطريق في جميع مفاصل الحياة العامة.
جميع هذه الاسباب اجتمعت لتساعد على انطلاق انتفاضة شعبية مدوّية استطاعت أن تسقط 14 محافظة عراقية بقضّها وقضيضها في غضون أيام معدودة، استمرت الانتفاضة في الحكم لمدة اسبوعيين فقط، لم يهاجم الثوار مسجدا أو مدرسة أو مركزاً صحياً أو خدمياً، بل هاجموا مراكز القمع والاستبداد المتمثلة بمراكز الشرطة و بنايات المحافظات ومديريات الامن والمخابرات ومواقع الجيش الشعبي والمنظمات الحزبية وكل ماينتمي الى أجهزة القمع الصدامية، بينما شاهد الجميع كيف قاد البعث هجوما بربريا ساديا مدمرا ساحقا ضد شعب أعزل لم يفعل شيء سوى انّه قال كلمة «لا» للحاكم الجائر. استخدم المهاجم جميع أنواع الاسلحة الفتاكة بما فيها الطيران والصواريخ والمدفعية الثقيلة ليدمّر البشر والمساجد والمراقد والمستشفيات والممتلكات الفردية، حتى لم يعطى الوقت لاخلاء الجرحى والمصابين والمرضى والاطفال، كانت محرقة كبرى راح ضحيتها أكثر من 300 ألف ضحية خلال أسابيع معدودة، توجّه الناجون من تلك المحرقة الى الدول المجاورة، انقسموا بين مقيمين في مخيمات الاعتقال الصحراوية، كما هو حال مهجّري نزلاء معسكر رفحاء، وبين مقيمين في الشوارع والمساجد والحسينيات، كما هو حال المهجّرين الى ايران، وبين قاطنين في مخيمات اللجوء في تركيا كما هو نصيب الاخوة الاكراد.
انّ من أهم العوامل التي أدت الى فشل الانتفاضة الشعبانية عسكريا هي:
أولا-غياب التنظيم والقيادة الموحدة للعمليات العسكرية على مستوى العراق، وذلك بسبب انعدام الاتصالات بمختلف أنواعها نتيجة التدمير الكامل للبنى التحتية العراقية.
ثانيا- افتقار الانتفاضة الى الاسلحة الثقيلة.
ثالثا- السرعة التي سحقت فيها الانتفاضة عسكريا، حيث لم تعط وقت للتنظيم.
رابعا- افتقار الانتفاضة الى القادة الاركان القادرين على قيادة وتنظيم الانتفاضة وتوجيهها.
خامسا- اختراق المخابرات الصدامية للمنتفضين، حيث عملت تلك المخابرات على تشويه هدف ولون الانتفاضة، من خلال رفع صور لقادة ايرانيين ورسم صورهم على جدران الابنية ومن ثم تصويرها وتسريبها الى الخارج للايحاء بأنّ الانتفاضة هي امتداد لثورة ايران الاسلامية.
سادسا- حصول صدام على ضوء أخضر من دول التحالف لتدمير الانتفاضة، جاء ذلك بتواطؤ ودفع طائفي ومذهبي من بعض العرب.
كانت الانتفاضة الشعبانية عراقية صِرف 100بالمئة، لم يستطيع المشككون أن يقدموا أي دليل لأي دور أجنبي فيها، يقول البعض إن هناك دورا ايرانيا ومشاركة تقدّر بعشرات الآلاف من الجنود الايرانيين المنظمين، انّه محض افتراء وكذبة سوداء، وذلك للاسباب التالية: أولا، لو كان هناك أي مشاركة عسكرية ايرانية وبهذا المستوى لتمكن الرصد الجوي للحلفاء الذي كان مسيطراً تماما على سماء العراق من كشفهم، ثانيا، انّ دخول هذا العدد المنظم والمجهّزمن الجنود، حتما سيغيّر الموازنة لصالح المنتفضين، وعلى أقل تقدير سوف تصمد الانتفاضة لمدة أطول، ثالثا، لم يقدم المدّعون أي دليل مادي مصوّر حول اشتراك ايران في عمليات الانتفاضة، بالاضافة إلى أنّ المهاجم الصدامي لم يستطع العثور على شخص ايراني واحد، ولو استطاع لما تأخر في عرضه على وسائل الاعلام، رابعا، انّ المقابر الجماعية التي تم كشفها بعد السقوط لم يوجد فيها رفات أي أجنبي، بل إنّ جميع الأجداث الموجودة هي لاطفال ونساء وشيوخ وشباب بزيّهم وهوياتهم العراقية.
كانت أهداف الانتفاضة هي اسقاط النظام الصدامي ومحاسبة رموزه عن كل الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب العراقي، واقامة حكومة وطنية ديمقراطية تعددية تؤمن بوحدة الوطن وحرية المواطن، ومهما حاول المغرضون حجب الحقيقة، لكنّها ستبقى كالشمس لا تحجب بغربال، ستبقى الانتفاضة علما عاليا في سوح النضال ضد الظلم والاستبداد، ونقطة مضيئة في تاريخ العراق المعاصر تعلّم الثائرين دروس القتال العقائدي والوطني.
Leave a Reply