عندما كنت مقيما في لبنان لم يكن من غير الاعتيادي بالنسبة لي مشاهدة كبار السن يجلسون باسترخاء يدخنون الاركيلة، المعروفة في اميركا بأسم «الهوكا».
هؤلاء الرجال كانوا يجلسون لساعات طويلة يتجاذبون أطراف الحديث غير الممل ويتناقشون ويضحكون ويمضون النهار بأكمله وحتى ساعات المساء، وقتان اثنان فقط كانا يقطعان عليهما جلسات الأنس هذه، وقت الصلاة ووقت العشاء. وبعد ذلك بسنوات، اصبحت اشاهد خليطاً من الرجال والنساء يتجمهرون ويتجمّعون بالمقاهي المزدحمة في شوارع بيروت (الداونتاون) وهم يدخنون التنباك المحلّى على اختلاف انواعه بأراكيل مزركشة ومزينة بأحدث انواع الموضة ومصنّعة من قبل مصانع متخصصة اصبحت صناعتها مزدهرة بفعل ازدياد عدد المدخنين للأركيلة.
وبالانتقال سريعاً الى اليوم الراهن، أصبحنا نرى «الهوكا» في كل مكان، حرم الجامعات محاطة استراتيجياً بالمقاهي التي تسمح للطلاب بأخذ فترة راحة من عبء الدراسة والتدخين مع اصدقائهم لساعات عديدة. أما الجاليات في الضواحي التي يقطنها سكان ذوو اصول شرق أوسطية فقد تفرع عنها المزيد من المقاهي التي تروج لتدخين الاراكيل التي انتشرت في فترة زمنية قصيرة أسرع بكثير من باقي المصالح التجارية باستثناء مطاعم «السوشي». وأصبحت كراجات ومنازل جاليتنا تعبق برائحة الدخان الصادر عن تنباك الأراكيل يومياً.
اصبحنا نرى الكبير والصغير معاً وحتى المراهقين يدخنون الاركيلة جنبا الى جنب بحضور ومشاركة عائلاتهم وأصدقائهم في «طقس» بات من الروتين اليومي الذي لم يكن الهدف الاولي منه الوصول الى هذه الدرجة.
لقد ارتكبنا عدة أخطاء ككبار، ونحن معرضون للتعود على نشاطات معروفة بانها تحمل مجازفات وهذه الغريزة موجودة بداخلنا منذ بداية الخلق وبالتالي فتدخين الاركيلة لا يختلف عن ذلك.
إنّي أكتب هذه المقالة ليس عن كره لهذه العادة او لكي احكم على المتعاطين بتدخين «الهوكا» بل لكي أنشر شيئاً من الوعي في نفوس الذين يعتقدون عن خطأ بأن هذه العادة هي أقل ضرراً من تدخين السجائر.
فبسبب تنوّع الخيارات الموجودة في التنباك المحلى، كشفت جمعية «الرئة الاميركية» ان تدخين «الهوكا» في طريقه ليصبح أحد أكبر العادات (غير الصحية) في العالم. فجلسة تدخين الاركيلة لساعة واحدة فقط تعادل 100 أو 200 مرة حجم التنشق من سيجارة واحدة مما يضاعف حجم الاخطار الصحية الناجمة عن مستويات «اول اوكسيد الكاربون» والذرات الحديدية الصغيرة ومادة “القار” اضافة الى مواد كيمياوية مسببة لظهور مرض السرطان.
مدخنو الاركيلة هم عرضة لنفس الامراض التي تأتي عبر تدخين السجائر من ضمنها سرطان المعدة والرئة والفم والمريء إضافة الى مرض تورم الرئة وهو مرض يؤدي الى نقص عمل الرئة ويتطلب استخدام المنشقات وقارورة الأوكسجين المحمولة يومياً.
بالاضافة الى ما سبق، وبسبب طبيعة هذه العادة التي تتطلب المشاركة في التدخين من نفس الانبوب (النبريش) أو الفلتر بين عدة مدخنين فإن أمراضاً أخرى قد تنتقل عبر الفم مثل (الهربيس والسّل). كذلك بدأ بعض الأشخاص داخل جاليتنا وخارجها خلط التبغ والتنباك المستعمل في الاركيلة بمواد ممنوعة والتي من شأنها ايضاً أن تؤدي الى عواقب صحية وخيمة.
في الوقت الذي لا أريد لأولادي أن يدخنوا الاركيلة أبداً في حياتهم الا أنّي أعي كإنسان ناضج أننا كلنا نتخذ قراراتنا بأنفسنا ونحن أحرار في اختيار نمط حياتنا كما نريد، طالما أننا نعرف المخاطر والعواقب الناجمة عن خياراتنا وتصرفاتنا.
وحتى يأتي ذلك الوقت فإنّي أقف صلباً في اعتقادي إنها مسؤوليتنا كآباء وككبار، أن نثقف ونوعّي أبناءنا وأبناء الجيل الجديد حول مخاطر التدخين ونطبق القوانين التي تمنع بيع منتجات الاركيلة أو خدماتها الى صغار السن.
(الدكتور سام فواز)
طبيب صحة عامة في مستشفى بومانت في “رويال اوك” وهو بروفسور مساعد ايضاً في جامعة “اوكلاند” كلية “ويليام بومانت الطبية” وهو عنصر مؤسس ومنظم “لائتلاف جالية الهوكا”.
Leave a Reply