تزامن انفجار بئر العبد في الضاحية الجنوبية، مع الذكرى السابعة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وكان نصيب الضاحية منه تدمير البنى التحتية والمباني، والهدف منهما هو استهداف المقاومة بمشروعها وسلاحها، وقد تمّ التعبير عنه بالحملة المركزة على «حزب الله» منذ سنوات سبقت أحداث سوريا، وجاءت بعد تحرير الجنوب في العام 2000 وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي دون قيد أو شرط بقوة المقاومة، وتصاعدت بعد الانتصار الذي حققته المقاومة في صدها عام 2006 للحرب الإسرائيلية عليها وعلى لبنان، وقد صدر بين المرحلتين عن مجلس الأمن الدولي القرار 1559، في مطلع أيلول من العام 2004 والذي طالب بنزع سلاح الميليشيات قاصداً المقاومة، إضافة الى طلب خروج القوات السورية من لبنان، وكان متوقعاً حصول تفجير السيارة المفخخة في حي سكني، الذي لم تعرفه منطقة بئر العبد منذ العام 1985، عندما استهدف انفجار فيها العلامة الراحل محمد حسين فضل الله الذي كان يسميه الغرب المرشد الروحي للمقاومة، وقد تبيّن أن مَن نفّذه، المخابرات اللبنانية التابعة للجيش اللبناني برئاسة العميد سيمون قسيس في عهد الرئيس أمين الجميّل وبالتنسيق مع المخابرات الأميركية وفق التحقيقات الأمنية والقضائية التي حصلت وصدرت بقرار ظني عن القضاء اللبناني، مما يشير الى أن الضاحية الجنوبية مستهدفة من قبل العدو الإسرائيلي وعملائه، حيث تمّ اغتيال قيادات للمقاومة في الضاحية الجنوبية، ومنهم غالب عوالي وفؤاد مغنية شقيق عماد مغنية الذي لاحقته إسرائيل على مدى عشرين عاماً واستطاعت اغتياله في دمشق، وهو القائد الميداني للمقاومة ويوصف من قبل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بقائد الانتصارين.
فمنذ عقدين لم تعرف الضاحية الجنوبية أية عملية تفجير، حيث اتخذت المقاومة إجراءات أمنية مشدّدة منعت وقوع تفجيرات، وقد ساعد في ذلك أن لبنان عاش منذ مرحلة ما بعد اتفاق الطائف فترة سلام داخلي، ساهمت فيه القوات السورية التي ساعدت على بناء مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية التي لعبت دوراً أساسياً ومازالت في ضبط الوضع الأمني، إلاّ بعض الأعمال التخريبية التي سعت إليها مجموعات إسلامية تكفيرية، التي قامت بأعمال تفجير استهدفت سفارات ومراكز سياحية، إضافة الى عمليات اغتيال لضباط وعسكريين وقضاة حصلت في جرود الضنية وطرابلس والبقاع وصيدا.
وقبل أن تعود الانفجارات الى الضاحية الجنوبية، وهي من فعل قوى تكفيرية التي سبق لها أن قامت بعمليات بدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005، واعترفت بها مجموعة تكفيرية من خلال تسجيل لأحمد أبو عدس، جرى التشكيك بهذه الرواية من قبل «تيار المستقبل» وتمّ توجيه الاتهام الى النظام الأمني اللبناني- السوري المشترك، ثمّ الى «حزب الله»، الى أن تمّ توقيف مجموعة الـ 13 بقيادة أمير تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام حسن نبعة، وقد تمّ إخلاء هذه المجموعة لتتوجه الى القتال في سوريا، كما هي حال حركة «فتح الإسلام» الذي أصدرت قرارات ظنية عن القضاء اللبناني، يتهم عناصر فيها بعمليات اغتيال وتفجير استهدفت الوزير والنائب بيار الجميّل والنائب وليد عيدو، وباص عين علق، وزرع عبوات في المناطق ذات الكثافة السكانية المسيحية في الزلقا والجديدة والأشرفية اضافة الى فردان وعاليه إلخ… والمعركة العسكرية التي خاضتها «فتح الإسلام» ضد الجيش في مخيّم نهر البارد.
وقد حوّلت التنظيمات التكفيرية لبنان الى ساحة جهاد، ليس ضد العدو الإسرائيلي، إنما ضد الجيش اللبناني أولاً، كأحد أعمدة الدولة، وهو ما حصل ويحصل منذ معارك جرود الضنية الى مخيم نهر البارد وأخيراً عبرا مع مسلحي الشيخ أحمد الأسير، وهو يتحول الى قتال «الروافض الشيعة»، بعد اشتراك «حزب الله» في معارك عسكرية ضد التكفيريين في سوريا لاسيما في القُصير بريف حمص، وبالدفاع عن مقام السيدة زينب في ريف دمشق، مما زاد من احتمال المواجهة مع الحزب وجمهوره في لبنان، فحصل القصف الصاروخي والمدفعي على الهرمل ثمّ على بعلبك والقرى المحيطة فيها كالنبي شيت وسرعين والخضر إلخ… وقد سبق ذلك إقدام عناصر تابعة لـ «جبهة النصرة» متمركزة في عرسال وجرودها الى خطف شخص من آل جعفر، ثم قتل أربعة، اثنين منهم من آل جعفر وشخص من آل أمهز وآخر من آل حيدر، مما وتّر الوضع في منطقة البقاع الشمالي، وكادت أن تقع اشتباكات مسلحة بين عرسال السنّيّة والهرمل والبقاع الشمالي وبعلبك ذات الكثافة الشيعية، ولإغراق المقاومة في صراع سنّي – شيعي، حيث هدّدت مجموعات تكفيرية وقيادات من «الجيش السوري الحر» بنقل المعركة الى قلب مناطق «حزب الله» في البقاع والضاحية الجنوبية وأجزاء من بيروت وصولاً الى الجنوب، وقد نفّذ التكفيريون تهديداتهم فقصفوا الضاحية الجنوبية بصاروخين انطلقا من منطقة عيتات في الجبل، كما توعّدوا بأن يزلزلوا هذه المناطق بالسيارات المفخخة، وهو الأسلوب الذي لجأوا إليه في العراق ونقلوه الى سوريا، وها هم ينقلونه الى لبنان من بوابة الضاحية الجنوبية، بعد أن كان الإرهابيون زرعوا عبوات ناسفة في مناطق بالبقاع على طريق زحلة – الكرك والفرزل ومدخل القاع – الهرمل، وأعلنوا أنهم يستهدفون عناصر لـ «حزب الله»، إذ أصيبت في تفجيري الهرمل سيدة وضابط وعنصر من الجيش اللبناني بجروح طفيفة.
ولم يمضِ يومان على تفجير الهرمل، حتى وقع انفجار بئر العبد، الذي أدّى الى جرح 54 مواطناً، واحتراق السيارات التي كانت متوقفة في المرآب الذي وقع فيه الانفجار داخل سيارة مفخخة بـ 35 طناً وأدّى الى أضرار مادية جسيمة في المحلات والممتلكات.
وهكذا تكون الرسالة قد وصلت الى «حزب الله» ومجتمع المقاومة، حيث ذهبت التحقيقات الأولية الى اتهام القوى التكفيرية، دون استبعاد العدو الإسرائيلي الذي سارع الى نفي مسؤوليته، إلاّ أن المواقف التي صدرت عن القيادات اللبنانية الرسمية والسياسية وجّهت الاتهام الى مَن يريد إذكاء الصراع السّنّي – الشيعي، وضرب الاستقرار في لبنان، و«عرقنته»، وتدفيع المناطق التي توالي النظام السوري، وتحديداً الشيعية منها ثمن الدفاع عنه ومساندته، حيث بدأت الأزمة السورية تفرض نفسها على الداخل اللبناني عبر الانقسام السياسي حولها، الذي بدأ يتحول الى صراع سنّي – شيعي، من خلال مشاركة قوى إسلامية سنّيّة جهادية في القتال الى جانب جماعات أصولية جهادية في سوريا، وقد حاول السيد حسن نصرالله، أن يمنع ارتداد الأحداث السورية على المجتمع اللبناني عسكرياً، وأن يبقى كل طرف يساند مَن يدعمه في سوريا، لكن مع الخسائر التي مُنِيت بها المعارضة السورية في معارك القُصير وتلكلخ وحمص والغوطة الشرقية، دفعت بقوى إسلامية جهادية في لبنان الى نقلها إليه عبر القصف المدفعي والصاروخي، وتحوّلت الى تفجير السيارات وقد تنتقل الى الاغتيالات التي حذّر منها وزير الداخلية مروان شربل منذ أسابيع، إضافة الى أن تقارير أمنية رسمية وأخرى لـ «حزب الله» توقعت أن تحصل أعمال تفجير، حيث اتخذت إجراءات أمنية مشدّدة في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى، لاسيما في ذكرى عاشوراء، ونسخ تجربة العراق في لبنان، وهو ما ظهر من تفجير بئر العبد الذي تزامن مع حملة من قوى 14 آذار وأخرى إسلامية، تستهدف «حزب الله» وتتهمه أنه يشنّ حرباً على السّنّة ويعمل على قتل أهل السّنّة والجماعة، ويهمشهم في لبنان، ولا بدّ من الرد عليه، وجاءت عملية عبرا التي اجتثّ فيها الجيش ظاهرة الأسير وإزالة المربع الأمني له، لتحمّل «حزب الله» مسؤولية ما جرى وأنه شارك مع الجيش في العملية العسكرية، وقد وجّه الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري اتهاماً مباشراً لـ «حزب الله» بما جرى في عبرا، وحمّلا أيضاً الجيش اللبناني سكوته وتواطأه عن ما ارتكبه الحزب، وهو ما يعاكس ما حصل على الأرض وفق بيانات قيادة الجيش التي أكّدت أن الجيش هو وحده مَن قام بالرد على الجريمة التي اقترفها الأسير بحق ضباطه وجنوده.
هذه الحملة التحريضية من القوى المناهضة للمقاومة، شرّعت الباب أمام انفجار الضاحية، وساهم بحصوله أيضاً “أبلسة حزب الله”، عربياً وإقليمياً ودولياً، من خلال اتهامه بعمليات تفجير حصلت في بلغاريا والأرجنتين وأوكرانيا، واكتشاف خلايا أمنية له في نيجيريا وقبرص والبحرين إلخ… إضافة الى محاولة أميركية لجذب الدول الأوروبية باتجاه وضع الحزب على لائحة الإرهاب، وهو ما رفضه الاتحاد الأوروبي الذي بدا قلقاً على مصالحه في لبنان والمنطقة.
ويبدو أن قراراً اتُّخِذ بتاجيج الصراع ضد «حزب الله» مدعوماً من دول عربية وتحديداً خليجية جرّمته وحمّلته مسؤولية ما يحصل في سوريا، ووضعته على لائحة الممنوعة عناصره من الدخول الى دول الخليج والعمل فيها وهو ما زاد من الاحتقان داخل لبنان، ودفع بـ «تيار المستقبل» الى الهجوم على الحزب، وهو ما سيفتح الباب على تأجيج فتنة سنّيّة – شيعية يعمل عليها منذ اغتيال الرئيس الحريري، وهي استكمال لما يحصل في العراق وسوريا، امتداداً الى الخليج وشمال أفريقيا وصولاً الى باكستان وشرق آسيا، وهي الخطة التي تمّ وضعها قبل أكثر من ثلاثة عقود من قبل مفكرين صهاينة وعلى رأسهم برنار لويس الذي بشّر بالاقتتال السّنّي – الشيعي، الذي سيدوم مئة عام، وقد بدأ قبل 34 عاماً مع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية وهو مستمر….
Leave a Reply