رحم اللّه إمرئآ عرف زمانه فإستقامت له طريقته ــ عبد الله بن مسعود (ض)
كثيرا ما سألنا بعض الأصدقاء والقراء عن رأينا بما يحدث في المنطقة العربية ، وكثيرا ما أجبنا عن ذلك في ثنايا مقالاتنا، لكن يبدو أنّ الأمر مازال ملتبسا على البعض، وها أنا أعود مجددا لأقول بعضا ممّا أثبتت الأحداث صحته . كان الواقع العربي قبل ثورات الربيع في أغلبه واقعا مزريا اقتصاديا واجتماعيا،من تفشي الفقر والبطالة وعدم التوازن الجهوي، وإستبداديا بسيطرة أنظمة الحزب الواحد في الغالب. كل تلك الأوضاع كانت قابلة للإنفجار وناضجة لظهور الثورات. وكان خروج الجماهير ومطالبتها بتغيير الأنظمة والسياسات أمرا طبيعيا ، نتيجة لعقود من القمع والإستغلال والإستخفاف بالحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية لشعوب المنطقة.
لكن في المقابل كانت هناك عدة مُعوِّقات أمام ثورات المنطقة والتي لا يمكن لها أن تنجح إلاّ إذا استطاعت أن تتجاوز العوائق التالية:
أولا: الدور السلبي للفلول وهي المجموعات التي كانت مستفيدة من النظام الفاسد والتي تعلم أنها ستتضرر من أية تغييرات تكون في صالح الشعوب، لذلك تعمل هذه المجموعات على التحرك المضاد عبر عرقلة مسيرة التحرر أو الإندساس بين قوى التغيير لتبث الفتنة والإنقسام والشك . والفلول مجموعات قادرة على التأثير لإمتلاكها إمكانيات مادية وتنظيمية كبيرة، ولا نعني بالفلول كل الكوادر أو الأطراف التي عملت مع الأنظمة السابقة بل المقصود بالفلول هي المجموعات التي كانت صاحبة القرار والتخطيط في الأنظمة السابقة للثورات، لذلك لا يمكن لأيّ تحوّل أن ينجح في ظل امتلاك هؤلاء لإمكانيات الفعل الهدّام.
ثانيا: عدم نضج أغلب أفراد الطبقة السياسية العربية المعارضة من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني وعدم تهيّئها لهكذا تحوّل و لممارسة دور القيادة خاصة بعد سنوات عديدة من التهميش والإقصاء ،إلاّ ما حظت به بعض الأحزاب الكرتونية التي وظفتها أغلب الأنظمة العربية كديكور للتعمية واظهار تعددية أفرغ من فؤاد أمّ موسى. كما استطاعت الأنظمة المزمنة أن تستقطب كثيرا من كوادر المعارضة ممّا أضعف الفعل السياسي المعارض، فإنكفأت المعارضات الداخلية، وغادر الكثير من كوادرها نحو المغترب؟
ثالثا: كانت بعض الدول العربية مستفيدة من فساد أغلب النظام العربي الذي كانت تغذّيه بالفتات، حفاظا على استفرادها بأموال الشعوب العربية، خاصة أغلب دول النفطقراط التي لعبت في الغالب أدوارا سلبية حيث لم تكن لتقبل أي تحولات ديمقراطية بالمنطقة لأنّ ذلك معناه أن تفتح شعوبها أعينها على أنظمة مجاورة لها تقوم على أساس القانون والمؤسسات وتداول للسلطة وقبول بالآخر وبثقافة حقوق الانسان الكونية، وهو أمر مستحيل لأنّ ذلك معناه إلغاء للمنظومة السياسية الأكثر رجعية في المنطقة العربية، لذلك لعبت تلك الأطراف أدوارا مضادة واستطاعت أن تحوّل وجهة أغلب الحراك العربي لصالح مشاريع معادية للمنطقة ولشعوبها.
رابعا: لم تكن هذه الاطراف وحدها من لها مصلحة في تعطيل التحولات بالمنطقة والعمل على أن لا تكون في صالح شعوبها ، هذه الاطراف ليست إلاّ أطرافا دولية من القوى المتنفذة في المنطقة والتي لم تكن جاهزة لتقبل تحولات في الفكر والسياسة تمسّ مصالحها الإستراتيجية لذلك عملت هي الأخرى على منع الإنتفاضات من أن تتحول إلى ثورات «كاملة الأوصاف» ووقفوا بها عند تغييرات سطحية لا تغني ولا تسمن من جوع، و حوّلوا بعضها إلى حالة تدميرية وتفتيتية وشيطان لإيقاظ الفتنة التي خال الكثير أنّها ماتت وشبعت موتا.
بدأ المشروع بالعراق الذي يمتلك الثروة لكنّه في مرحلة ما غلبت المصالح الفردية والحزبية والفئوية على مصلحة الوطن الذي أصبح أشلاء مرتّقة تهتز وتضطرب إثر كل أزمة. بعد العراق كانت أغلب المؤشرات تدل على أنّ ما تبقى خاصة من الدول المحورية بالمنطقة مثل سوريا ومصر مُقبلة على مرحلة من الفوضى والتطاحن،وقد دفعت سوريا ثمنا غاليا من دماء شعبها ومقدرات دولتها.وقد بدأت عمليات التحضير لتسعير التطاحن بين المصريين من أجل إدخال مصر في دوامة العنف. وإذا لم تع شعوب المنطقة وسياسيوها أنّ هدف ما يجري هو ضرب تاريخهم وحضارتهم واقتصادهم وجيشهم ، وأن السناريو الذي خطط لهم «اسود من قرن الخروب» ، وأنّ الفعل المُضاد لأرادات الشعوب لن يؤدي إلاّ إلى إنجاز تغييرات فارغة ووهمية ، وإذا لم يدركوا كل ذلك فسيستمر النزيف في الأرواح والإستنزاف في الجهد والثروات لينتهي الأمر على مافيش وعلى تغيير مُضلّل.
فهل تستعيد شعوب وقيادت المنطقة زمام الفعل الثوري الذي بوصلته مصلحة المنطقة وشعوبها أم تغلب غرائز الفتنة والمصالح الضيقة وتغرق المنطقة في ظلام مالو صباح؟
Leave a Reply