لم يكن مفاجئاً أن يصدر قرار الاتحاد الأوروبي بوضع «حزب الله» على لائحة «المنظمات الإرهابية»، وهو تأخر سنوات، إذ سبق أن طرح على أعضاء الاتحاد ولاقى معارضة من فرنسا وألمانيا واليونان ودول أخرى، وكانت بريطانيا أكثر الدول حماسة لتصنيف الحزب إرهابياً، بسبب ارتباطها بالسياسة الأميركية، في حين مثلت دول أوروبية أخرى استقلاليتها مثل فرنسا التي لعبت دوراً إيجابياً تجاه المقاومة في لبنان لاسيما الرئيس جاك شيراك الذي تمّ في عهده عقد «تفاهم نيسان» إثر عدوان اسرائيل عام 1996 الذي شرّع للمقاومة حق الرد الصاروخي على قصف العدو الإسرائيلي للبنان، كما أن الرئيس شيراك امتنع عن وضع «حزب الله» على لائحة «المنظمات الإرهابية» في العام 2004، وقام الرئيس رفيق الحريري بمهمة دبلوماسية في إقناع إضافة الى شيراك عدداً من رؤساء الدول بعدم الانصياع وراء «إسرائيل» وأميركا بطلبهما استصدار قرار بتصنيف «حزب الله» إرهابياً وليس تنظيماً مقاوماً وحركة تحرير كما وصفته العديد من الدول، بعد تحريره الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000، وعلى عكس ما يفعله اليوم مسؤولون في «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار الذين يشاركون في حملة تشويه لصورة المقاومة ودورها، ومحاولة إقصائها وعزلها داخلياً وعن الحياة السياسية، من خلال «شيطنة سلاحها» وهو الذي ينظر إليه جزء كبير من اللبنانيين ويشاركهم جمهور واسع من العرب على أنه سلاح مقدس قام بواجب وطني تقرّ به شرعة الأمم المتحدة.
فأميركا بإداراتها المتعاقبة صنّفت «حزب الله» إرهابياً منذ التسعينات، ووجهت إليه اتهامات بعمليات تفجير استهدفت مقر السفارة الأميركية في بيروت ومركزاً للقوات البحرية الأميركية (المارينز) قرب مطار بيروت في العام 1983، إضافة الى مركزين لكل من القوات الفرنسية والإيطالية اللتين كانتا تشاركان في القوات المتعددة الجنسيات التي جاءت الى لبنان، لتحل محل قوات الاحتلال الإسرائيلي إثر خروجها من لبنان تحت ضربات المقاومة الوطنية، التي افتتحها في بيروت الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر عملية مقهى «الويمبي» في شارع الحمراء، حيث أعدم خالد علوان بمسدسه ضابطاً وجنديين إسرائيليين في وضح النهار وأمام مرأى من المواطنين الذين شاهدوا بأم العين كيف أن عسكريين إسرائيليين يقتلون برصاص شاب مقاوم، أسقط جدار الخوف وأطلق المقاومة من بيروت، ليعلو صراخ جنود الاحتلال الإسرائيلي «لا تطلقوا النار علينا إننا منسحبون»، وهذا ما حصل لتدخل القوات الأطلسية لحماية سلطة أمين الجميّل من السقوط، وبعد اغتيال شقيقه بشير الجميّل الذي انتخب رئيساً للجمهورية بقوة ووجود الاحتلال الإسرائيلي وتعاونه معه، وقد ظهر في الصور مع رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن ووزير الدفاع أرييل شارون الذي قاد معه الحرب على بيروت ومحاصرة أول عاصمة عربية، ثمّ في مشاركة «القوات اللبنانية» الحواجز الإسرائيلية وممارسة الخطف عليها، أو في تسليم مناطق محتلة للقوات كما حصل في الجبل الذي أشعلوا فيه حرباً أهلية.
تكوّنت المقاومة الوطنية من أحزاب الشيوعي والقومي بشكل أساسي ومن منظمة العمل الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان لحركة «أمل» الدور الأساسي والفاعل في المقاومة من خلال تصديها للغزو الصهيوني سواء في الجنوب أو خلدة أو عند مداخل العاصمة بيروت في أكثر من محور، وكذلك كان لشباب «المرابطون» مشاركة فاعلة في معركة المتحف، وقد صنّفت أميركا هذه المقاومة بأنها «إرهابية»، ووصف وزير الخارجية الأميركية آنذاك جورج شولتز بيروت بالمدينة الموبوءة (الكرنتينا)، ووضع حظراً على الأميركيين من السفر إليها، لأنها غير خاضعة للسلطة الشرعية التي كانت برئاسة أمين الجميّل الذي استخدم الجيش في قمع الانتفاضات الشعبية بمواحهة الاحتلال الإسرائيلي، ورفض توقيع الصلح معه، وقد شكّلت انتفاضة 6 شباط 1984 بداية نهاية عهد الجميّل وسقوط إفرازات الاحتلال الإسرائيلي التي ظهرت في اتفاق 17 أيار.
فالمقاومة وقبل أن يظهر «حزب الله» فاعلاً فيها، كانت بالنسبة للإدارة الأميركية ودول تدور في فلكها تمثل الإرهاب لا حركة تحرر وطني، وكأن جورج واشنطن كان إرهابياً وليس مقاوماً ومحرراً لأميركا، وهو ما كان يقوله الوطنيون والمقاومون في مواقفهم للشعب الأميركي كي يصحح مفاهيم إداراته من المقاومة وعدم النظر إليها بأنها إرهابية، وهو ما تمّ التعامل بهذا المفهوم أيضاً مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائل أخرى صُنّفت أنها «إرهابية» لأنها لجأت الى الكفاح المسلّح لتحرير فلسطين، واستخدمت كل الوسائل المتاحة بما فيها العنف الثوري الذي كان في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث ظهرت حركات تحرير في أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا، حيث استفاد منها الفلسطينيون ليبنوا عليها تجربتهم في حرب التحرير الشعبية التي استقوها من حرب فييتنام وقبلها من حرب كوبا، وبروز ظاهرة تشي غيفارا وكاسترو…
فوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب يدخل في هذا السياق من اعتبار المقاومة ضد «إسرائيل» إرهاباً، وهي الدولة القائمة على الإرهاب والمصنفة بقرار من الأمم المتحدة حمل الرقم 3379، بانها دولة عنصرية وإرهابية، لكن «الفيتو» الأميركي كان يستخدم لتعطيل أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يدين جرائمها الإرهابية، ويكفي ذكر مجزرتي قانا في 1996 و2006، وقبلهما مجازر أخرى بحق اللبنانيين والفلسطينيين كمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكفرقاسم عام 1956 في فلسطين، لاعتبار «إسرائيل» دولة الإرهاب بالكامل، ودولة الفصل العنصري بامتياز، وقد أدينت من محكمة العدل الدولية على بنائها الجدار الفاصل بين الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، والتي قضمت أراضٍ وفصلت قرى وبلدات ومنازل فلسطينية ضمن البلدة الواحدة، وهي لم ترتدع عن عملها العنصري، كما في عدم التزامها تنفيذ أي قرار دولي، وهو ما يؤكّد على ان«إسرائيل» و«اللوبي الصهيوني» الملحق بها هو مَن يملي القرارات على الدول، ومنها الاتحاد الأوروبي الذي خضع للطلب الإسرائيلي المزمن بوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب، فكان للدولة العبرية ما تريد بفضل الضغط الأميركي الذي مورِس على الدول الأعضاء في الاتحاد، وتمّ ترهيبهم وترغيبهم ليصدر القرار بالإجماع، لأنه لو لم تصوّت دولة واحدة لكان سقط.
لكن أميركا و«إسرائيل» نجحتا في استصدار القرار الذي هو تتمة للقرار 1559 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004 يطالب بحل الميليشيات ونزع سلاحها، والمقصود «حزب الله» وسلاحه المقاوم، الذي أثبت فعاليته في صد العدوان الإسرائيلي صيف 2006، وردع «إسرائيل» عن تحقيق أهدافها بآلتها العسكرية المتنوعة السلاح البري والجوي والبحري، فلجأت الى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار تحت الفصل السابع لتأتي قوات دولية وتقوم بمهمة نزع سلاح المقاومة، لكن صمود المقاومة 33 يوماً وعدم تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي أي اختراق على الأرض، إذ مُنِي بهزائم في سهل الخيام ومارون الراس ومرجعيون ووادي الحجير الخ… وهو ما فرض صدور القرار 1701 بعيداً عن الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة، فكان لا بدّ من قرار أوروبي يضيّق على المقاومة لنزع سلاحها، وتخييرها بين العمل السياسي والعمل العسكري، ومحاولة الفصل بين الجناحين والتمييز بينهما، لكن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ردّ بأن لا فصل بينهما بل المقاومة جسم واحد، ولا أجنحة سياسية أو عسكرية أو ثقافية إلخ…
والهدف من وراء ذلك هو سلاح المقاومة، الذي فشلت كل المحاولات الداخلية اللبنانية والعربية والإسرائيلية والدولية، في أن تفرض على «حزب الله» إلغاءه، وارتفعت أصوات لبنانية ومنها مواقف النائب وليد جنبلاط بعد تحرير الجنوب في العام 2000، طالبت «حزب الله» أن يسلّم سلاحه الى الدولة، وأن لبنان إما أن يكون هانوي أو هونكونغ، وقد لاقته أطراف لبنانية أخرى لم تكن تؤمن أن المقاومة هي وسيلة لتحرير الأرض، لا بل أن البعض شكّك في أن تكون هي بقوتها ودماء شهدائها وجرحاها مَن أجبر «إسرائيل» على الانسحاب، ساخرين من تضحيات الشهداء والجرحى والمعاقين، حيث ردّ «حزب الله» أن هذا السلاح أثبت فعاليته بأنه للدفاع عن السيادة اللبنانية وقد حررها من الاحتلال الإسرائيلي، مستنداً الى تناغم وتنسيق مع الجيش واحتضان من جزء كبير من الشعب اللبناني غير المرتبط بالعدو الإسرائيلي وهو موجود وقائم في عدد من الأحزاب التي تجاهر بأنها لا تريد معاداة «إسرائيل»، بل إقامة سلام مع «دولة جارة» مغتصبة فلسطين ومشردة آلافاً من أبنائها يوجد منهم حوالي 400 ألف في لبنان، يجب على الأمم المتحدة أن تؤمّن عودتهم بموجب القرار 194، لا أن تسعى «إسرائيل» بالتواطؤ مع دول عربية وأطراف لبنالنية الى توطينهم.
جاء القرار الأوروبي بتصنيف «حزب الله» إرهابياً، لا ليزيد شيئاً، وهو كان منتظراً، وأن السيد نصرالله أعلن موقفاً منه قبل أن يصدر بأشهر وعاد وكرره بعد صدور القرار «أن ينقعوه ويشربوا مياهه»، وهو كالقرار الأميركي لن يؤثر على المقاومة ودورها، وأن اتهامها بأعمال إرهابية في أكثر من دولة في العالم بدءًا من الأرجنتين مروراً ببلغاريا واكتشاف شبكات وخلايا تابعة لـ «حزب الله» للقيام بعمليات إرهابية، ما هو إلا للضغط على الحزب لإلقاء سلاحه وأن يتحوّل الى حزب سياسي مدني، حيث فاجأ الدور الذي لعبه مقاتلو «حزب الله» في معركة القصير الى جانب الجيش السوري، حيث تغيّرت اللعبة، لما لهذه المنطقة من موقع استراتيجي، إذ أدلت كل دول ما سمي «أصدقاء سوريا» بموقف معادٍ من الحزب الذي سعت دول مجلس التعاون الخليجي الى تصنيفه إرهابياً أيضاً، ووضعت قيوداً على أعضائه المنتسبين إليه وفرضت عدم دخولهم الى أراضيها، وهي تناغمت مع قرار الاتحاد الأوروبي الذي شجعه أيضاً فريق لبناني من قوى 14 آذار وجاهر بموقفه السياسي، أنه سيعزل «حزب الله» ولن يشاركه في الحكومة إلا بعد إلقاء سلاحه الذي تحوّل «إرهابياً» يقتل اللبنانيين في 7 أيار 2008 والسوريين في أكثر من منطقة.
أما مفاعيل القرار على الداخل اللبناني، فأكثر ما سيبرز في تشكيل الحكومة، الذي بات فريق 14 آذار متشدداً في رفضه مشاركة «حزب الله» في الحكومة، وهذا ما سيعقد الأزمة الداخلية، ويزيد من فراغ في السلطات والمؤسسات، وسيشحن النفوس مما سيؤثّر على الاستقرار الداخلي، وان من أحد أهداف القرار الأوروبي تعميق الانقسام بين اللبنانيين، وقد تمّ تحذير دول هذا الاتحاد من أن مثل هذا القرار قد يؤجج الفتنة الداخلية، كما كان القرار 1559 الذي منذ صدوره ولبنان يعيش في فتنة دائمة ومتنقلة، وهذا ما يخشاه اللبنانيون القلقون أيضاً على الوضع الاقتصادي من القرار الذي لا تعطيه الجهات المصرفية والنقدية والأوساط الاقتصادية أي تأثير سلبي لأنه يطال جهة حزبية بعينها وأشخاصاً من الجناح العسكري فقط، كما أن الجناح السياسي لن يتأثر ولا يوجد «فيتو» على مشاركته في الحياة السياسية والحكومة، كما جاء في القرار ومواقف دول في الاتحاد وأن إعادة النظرية كل ستة أشهر تتعلّق بسلوك «حزب الله» ومدى تحوّله من العسكري الى السياسي بالكامل…
Leave a Reply