لم يكن مهمَّاً قرار «الإتحاد الأوروبي» بإدراج ما يسمَّى«الجناح العسكري لحزب الله» على لائحة الإرهاب لأنَّه كان متوقَّعاً منذ مدَّة وتم إبلاغه عبر قنواتٍ عديدة إلى «خيالات الصحرا» في «شقفة الوطن» العاق، ولسبب واضح هو أنَّ أوروبا بكل نهجها الاستعماري المجرم الذي هو سبب بلاء الوطن العربي والأُمة الإسلامية اللتين لم تتركهما إلا بعد أنْ نهبَتْ خيراتهما وحطَّمتْ أي مستقبل لهما بزرع الكيانية والشقاق والتقسيم السياسي والعرقي والاجتماعي والاقتصادي والطائفي، أوروبا هذه لن تقف مع الشعوب التي مزَّقتها شرتمزيق وحتماً لن تكون نصيرة العدالة والحرية والمساواة و..المقاومة الوطنية اللبنانية العربية الاسلامية خصوصاً إذا كانت موجَّهة ضد ربيبتها السرطانية إسرائيل التي غرستْها في قلبنا كرأس حربة متقدَّمة للإمبريالية والصهيونية والرجعيَّة!
وفي مقدِّمة هذه الدول الأوروبية ذات التاريخ الإجرامي البغيض تقف بريطانيا وفرنسا. الدولة المجرمة الأولى حكمَتْ العالم وكانت لعنةً حقيقيَّةً على شعوب الأرض لأنَّها لم تدخل بلداً إلا وقسَّمته وهشَّمتْه فأكثرية ويلاتنا في العالم العربي مصدرها بريطانيا إبتداءاً من «وعد بلفور» اللعين ببيع فلسطين وخلق الكيانات المصطنعة، إلى حكم طوني بلير المنحط الذي ساهمتْ حكومته بقتل مليون عراقي ومدّتْ القوات الصهيونية الوحشية في حرب تمّوز ٢٠٠٦ بجسر أسلحة كانت تفتك بأبناء شعبنا وسبل الحياة في بلدنا. وربما لهذا السبب استقبله المتآمر فؤاد السنيورة بالترحاب كما استقبل بحرارة وقبَّل بشغف وجنتي كوند اليسا رايس قبله! أمَّا فرنسا التي تدَّعي الحريَّة والعدالة فإنَّها تمنعها عن المناضل جورج عبدالله رغم إنتهاء مدَّة محكوميته منذ أكثرمن عقد من الزمن عدا عن تاريخها الأسود في الجزائروفي سوريا ولبنان أيام الانتداب وخلقها للبذور المذهبية العنصرية في الوطن الذي ولَّدته جهيضاً صعيداً جُرزاً يحمل أسباب الفناء والحروب الأهلية!
وبعد تطميناتٍ كاذبة بأنّ «الاتحاد الأوروبي» لن يُجمِع على قرارٍ أحمق كهذا خصوصاً لأنَّه باطل جنائيا وقانونياً إذا كان يستند إلى تفجير بورغاس في بلغاريا والذي تبين أنَّ لا دليل على تورط «حزب الله» فيه كما زُعم سابقاً باعتراف الحكومة والمعارضة البلغارية. إلا إنَّ القرار إتُّخذ على عجل من أجل دفع الفاتورة الإسرائيلية للتعويض عليها بعد قرار «الإتِّحاد» بإيقاف تمويل المستعمرات الصهيونية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلَّة بعد حرب العام ١٩٦٧.
إلا إنَّ الخطير في الموضوع هو أن القرار هو بمثابة حرب تموُّز إسرائيلية بندرية جديدة بمشاركة، مرةً أخرى، من قبل أطراف الداخل المتآمرة المجرمة التي حرَّضت وشجَّعتْ (ليس على طريقة وجدي ومجدي فقط) الدول الاوروبيَّة على سلوك هذاالطريق المشين واحتفلتْ مع اسرائيل بهذا «الإنجاز»! وهل هذا جديدٌ على مروان حمادة الذي حمل خريطة شبكة اتصالات «حزب الله» وسلَّمها للأعداء في حرب تمُّوز التي نعيش اليوم ذكرى انتصاراتها المجيدة، أم فؤاد السنيورة الذي رفض إدراج إسم المقاومة في مؤتمر الخرطوم والبيان الوزاري؟! أم نائلة معوَّض بتاعة البونبون، أم قرطة حنيكر التي تهاجم الجيش اليوم، للنيل من المقاومة، بسبب قصاصه لمجرمٍ قاتل كشَفَتْ «قناة الجديد» بالفيديو إبتداءه الجنود بالمجزرة في بؤرته الأمنية في عبرا؟! أم «صيصان» ١٤ آذار (البشعين) الذين اجتمعوا في السفارة مع رايس، «قرقتهم» القابلة غير القانونية التي فشلت في توليد الشرق الأوسط الجديد، في وقت كانت فيه دماء المدنيين اللبنانيين تروي عطش الأرض. التيار «المزرقّ» إعتبر القرار «نقطة في صالحه»، طبعاً فهذا طبيعي في بلد تُعتبر الخيانة فيه وجهة نظر؟!
امَّا من ناحية السلطة التنفيذية، فلو كان ميشال سليمان الذي حصل على التهنئة بسبب معارضته اللفظية للقرارقبل صدوره، جاداً فعلاً في معارضته لكان جنَّد كل إمكانات الدولة العديمة الشرف والوفاء لتبني حملة سياسية ودبلوماسية كبيرة للتصدي للإتحاد الأوروبي ومنْعِه من الرضوخ لإسرائيل على حساب لبنان وشعبه المقاوِم، ولم يترك وزيرالخارجية لوحده في وجه الحملة العالمية! لكن الذي يبقى يعامل تركيا الخاطفة للحجاج اللبنانيين بلينٍ ورفق ويستغرب طلب مساعدة من أهاليهم القلقين، لن يجعل هكذا أمراًًسخيفاً ربما، برأيه، يحرفه عن مراقبة «الخروقات السورية» على الحدود! والأنكى من ذلك هو موقف ناكر الجميل حوت المال نجيب الحريري الذي سارع كعادته يزحف على بطنه أمام أوروبا مؤكِّداً إلتزام «بلده» بالقرارات الدولية ومجمِّلاً كلامه البشع بعبارة خجولة حول «القراءة المتأنِّية للقرار» مثله تماماً عندما تأنَّى قبل أن يفتعل كذبة استقالته من أجل الميلشياوي ريفي«أمير» زعران الأحياء في طرابلس. أصلاً ليس في هذا الحوت المالي خيراً حتَّى للمفتي قبَّاني الذي وقف معه ودعمه ضد الغضب «الزرقاوي» عليه فهل يكون لديه ذرَّة وفاء ومروءة أمام شعب المقاومة مقابل ملياراته المستثْمَرة في أوروبا؟
إلا أنَّ هذه الخطوة الأوروبية المتسرِّعة حمَّالة أوجه (عدا عن أنها حمَّالة حطب المؤامرة) فهي أرادت، من جهة، إسترضاء أميركا وإسرائيل بإدراج «الجناح العسكري» الوهمي للمقاومة على لائحة الإرهاب ومن جهة ثانية تركت الباب مفتوحاً للتأويلات تفادياً لإحراج الدول الأوروبية التي ستلتقي مع «الجناح السياسي» للمقاومة في السِّروالعلن كما كانت تفعل سابقاً ومن أجل حماية ١٠ آلاف من جنود «اليونيفيل» ومصالحها معاً في لبنان والمنطقة، وذلك عبرالإعلان بأن القرار ينتظر تصديق البرلمان السويدي ويمكن إعادة النظر فيه بعد ستة أشهر. وهذا دليلٌ على تخبُّط أوروبا وضياعها بعد أنْ أصبحتْ «حيزبوناً» هرمة أصابها الخَرَف!
وهكذا فإنّ أوروبا هي التي أوقعتْ نفسها في ورطة رغم مسارعتها إلى طلب عدم تحميل القرار أكثرمن معناه السياسي والإعلامي «البالوني» الذي لا يحمل تبعاتٍ إقتصادية أو مالية ولن يؤثِّر على «استثمارات» المقاومة في موناكو أو لندن مثلاً، وحصل بضغطٍ خليجي وإسرائيلي مشترك بسبب مشاركة «حزب الله» في المعركة في سوريا، لكنَّه يبقى من الناحية المعنوية يشكِّل مجازفةً كبيرة للمقاومة رغم النكات الكثيرة التي حيكت حوله وحملة «بِلُّوه وشربوا ميتو». فالعدو الإسرائيلي الغدَّار قد يستغل هذا القرار كمقدِّمة أو ذريعة لاعتداءاتٍ مقبلة ضد لبنان مع أنَّه لا يحتاج إلى حججٍ على وحشيته إلا أنَّ قراراً أوروبياً لن يضرَّه وسيزيد من ذخيرته الدبلوماسيَّة. كما أنّ الخطورة تكمن في مكيدة العدو بالسماح لحلفائه التكفيريين بضرب «اليونيفيل» على الحدود واتهام الحزب بذلك، من أجل الإمعان في «شيطنة» المقاومة وإجبار أوروبا على تحوير دور قواتها في الجنوب لصالح إسرائيل، كما قالت ميريكل مستشارة ألمانيا الشمطاء إن قواتها «جاءت لحماية أمن إسرائيل».
كذلك قد تستخدمه دول «مجلس التعاون الخليجي» والدول الافريقية التي يعمل فيها لبنانيون ينتمون إلى مناطق عمل المقاومة، من المسلمين والمسيحيين، من أجل اجتثاثهم من أعمالهم وممتلكاتهم للضغط على المقاومة عدا عن تهيئة القرارات الدولية في الأُمم المتَّحدة بحق المقاومة.
لذلك على المقاومة بعد هذه الهجمة الشرسة أنْ تفكِّر استراتيجياً اليوم ومن دون قفَّازات أو دبلوماسية. ذلك أنَّه بعد دعوة السيِّد حسن للحوار الهاديء طلع علينا «خرِّيج الحبوس» سمير جعجع ليقول، بأي عين يدعو للحوار! ولم يعلم جعجع أنَّها العين التي قاومت المخرز وعين العفو عند المقدرة وليست العين الغادرة الجبانة التي قتلتْ العقيد خليل كنعان في سريره، واغتالت بدمٍ بارد الرئيس رشيد كرامي، وطوني فرنجية مع عائلته، والياس الزايك وداني شمعون وغيرهم العشرات! كما يجب أنْ تدرس المقاومة جيداً كلام وزيرالخارجية عدنان منصورحول مشاركة أطراف داخلية في القرار وهي تعرفهم جيداً عندما طلبوا من إسرائيل الإستمرار في حربها الهمجية في صيف ٢٠٠٦. لذا فالمطلوب تحصين قدرات المناطق الحاضنة للمقاومة في بيروت والبقاع والجنوب والإلتفات إلى مساعدة الشعب المقاوم على تحقيق الإكتفاء الذَّاتي من خدماتٍ أساسية كالماء والكهرباء وخلق فرص عمل وسُبُل راحة ورفاهية وطبابة وتعليم بغنىً عن الدولة المهمِلة المخصيَّة أكثرمن ربيع الاحمد، ومن دون الخوف من عقدة التقسيم والإدارة الذاتية لأنَّ الدولة لن تفعل شيئاً بوجود رئيس يؤمن بالحياد السلبي مع حوت مال بلا غلة! كما على المقاومة من الآن فصاعداً أنْ تشغل بال الجميع أوَّلاً بالتظاهرات السلمية المدنية الحضارية ضد القوات الدولية في الجنوب وفي بيروت وتضييق حرية الحركة عليهم وثانياً ملء الساحات والشوارع بالاعتصامات ومنع الدولة المشلولة من القيام بأي شيء رغم أنَّها عاطلة عن العمل أصلاً، وإيقاف نشاط سفراء التآمرالغربيين وتقييد حرية حركاتهم المشبوهة بالتظاهر أمام سفاراتهم وملء العرائض والتواقيع على مواقع التواصل الاجتماعي ضد هذه الخطوة الغبيَّة ومقاطعة البضائع لدول الصقور الغربيَّة مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا وأستراليا وكندا وإعلان التعبئة الشعبية العامة حتَّى التراجع عن القرارالظالم أو تُراق على جوانبه الانتفاضات!
«إذا ما كبرتْ ما بتصغر»!
Leave a Reply