دمشق – حمل الأسبوع الماضي تطورات سياسية لافتة على مسارات الأزمة السورية، في الوقت الذي يشهد الميدان تقدما كبيرا للجيش السوري سيما في حمص وريف دمشق حيث قرر الرئيس بشار الأسد تهنئة جيشه من مدينة داريا الاستراتيجية.
وزيارة الاسد لداريا بلباس مدني وبمناسبة عيد الجيش العربي السوري لها دلالات كبيرة عسكريا لا تقل عن السيطرة على القصير أو حي الخالدية سيما أنه بدا واثقا وهو يهنئ الجنود بعيدهم ويؤكد ثقته بالانتصار على الإرهاب، خاصة مع توجه الجيش للحسم في حمص بعض سقوط حي الخالدية.
قبة مسجد خالد بن الوليد شاهدة على الدمار في حي الخالدية بحمص. (رويترز) |
وفاجأ الأسد قوات جيشه في إحدى ساحات داريا، حين ترجل من عربة مموهة، يلبس طقما رسميا من دون ربطة عنق، ليصافح حراس أحد الحواجز قبل أن يلتقي بوحدات أوسع من الجيش.
وخاطب الأسد الجنود مثمنا ما يقومون به. وقال «ما تقومون به اليوم سجّله التاريخ وبات العالم كلّه يتحدّث عن الجيش العربي السوري.. كان شعاركم دائماً وطن شرف إخلاص، وها أنتم تدافعون عن الوطن وشرفه بإخلاص». وهنأ الجنود بعيد الجيش واصفا إياهم بـ«جيش الشعب» مشيرا إلى «وقوف الشعب خلفهم».
وأضاف الأسد، بعد أن صافح عددا من الجنود وقادة مدرعات، «لولاكم ما كان هناك مدارس أو جامعات، ولا الماء أو الكهرباء وكانت غالبية السوريين في الملاجئ». وتابع «لولاكم كنا عبيدا للدول التي تريد إركاعنا، ولكن الشعب السوري لا يقبل هذا».
وأكد أن «العدو لم يستطع قتل عزة وشجاعة السوريين، رغم كل محاولاته ومحاولات كل من يقف وراءه، لأنه وجد جيشا لا يعرف الهزيمة والخوف. جيشا دب الرعب في قلوب الإرهابيين وحمى الوطن منهم ولا يزال».
ومدح الأسد «عقائدية الجيش» التي اعتبر أنها كانت سببا مباشرا في صموده، ساخرا من تهديدات المعارضة بالقول «من أول العام حددوا 14 ساعة صفر لدمشق، وفي كل مناسبة كنتم تحولونهم إلى أصفار». واعتبر أن «النتائج على الأرض هي التي تتحدث في القصير وداريا والغوطة الشرقية والخالدية». وختم «شعارنا النصر، أما الشهادة فهي قدر».
وينسجم أداء الأسد مع ما قاله في رسالة وجهها للجيش لمناسبة عيد تأسيسه الـ68، معتبرا أنه «لولا الثقة بالنصر لما امتلكنا القدرة على الصمود، ولما كانت لدينا القدرة على الاستمرار بعد أكثر من عامين على العدوان».
الخالدية
وبعد السيطرة على الخالدية في حمص اتهم وزير الاوقاف السوري محمد عبد الستار السيد خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء المعارضة المسلحة بتدمير مسجد الصحابي خالد بن الوليد الواقع في وسط حي الخالدية بمدينة حمص.
وسيطرت القوات النظامية السورية الاثنين الماضي على حي الخالدية وذلك بعد شهر من بدئها حملة للسيطرة على معاقل مقاتلي المعارضة في ثالث كبرى مدن البلاد.
وقال الوزير السوري معلقا على صور وردته من الجامع ان مكان المرقد «لم يصب بقذيفة»، مشيرا الى ان «القذيفة لو جاءت من الخارج لكانت قد دمرت القبة بالكامل». وكانت القوات النظامية سيطرت نهاية الاسبوع الماضي على مسجد خالد بن الوليد والذي يعد من ابرز معالم مدينة حمص حيث كان يتواجد المقاتلون المعارضون.
وأكد الوزير ان السلطات «ليس لديها القدرة للقيام باي عمل (لحماية الاماكن الدينية الخاضعة لسيطرة المعارضة) الى ان يتم طرد هؤلاء»، لافتا الى «ان هذا ما يقوم به عناصر جيشنا السوري».
وأضاف الوزير ان الرئيس السوري «أعطى توجيها بأن نبدأ بإعادة الامر لما كان عليه تكريما لخالد بن الوليد وتكريما لمشاعر المسلمين وغير المسلمين الذي يعتزون بهذا البطل العظيم الذي فتح بلاد الشام».
وكان المرصد السوري لحقوق الانسان وناشطون ذكروا الاثنين ان قصف القوات النظامية على مدينة حمص في وسط سوريا تسبب بتدمير مرقد الصحابي خالد بن الوليد.
وأظهرت أشرطة فيديو بثها ناشطون على الانترنت الاثنين صورا للمسجد الذي بني ابان العهد العثماني واشتهر بمئذنتيه الشاهقتين، وقد اصابه دمار جزئي واحترقت بعض اجزائه، وصورا للمرقد المدمر.
والثلاثاء الماضي خصص التلفزيون تغطية مباشرة لما سماه «انهيار قلعة الارهابيين في الخالدية واتساع رقعة النصر»، عارضا لقطات من الحي اظهرت دمارا كبيرا يغطي الطرق، وجنودا من الجيش النظامي يرفعون شارات النصر والاعلام السورية.
وأضحى حي الخالدية رمزيا بالنسبة لمعارضي الرئيس الاسد. ويمكن لخطوة السيطرة على هذا الحي المحوري ان تمهد لاستعادة النظام آخر معاقل المعارضين في المدينة، لا سيما حمص القديمة.
بندر فـي موسكو
ومع استمرار تقدم الجيش السوري وانحسار طموحات المجموعات المسلحة في شمالي وشرق البلاد، وقع تحول مهم قد ينعكس على مسار الأزمة السورية يتمثل بزيارة الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مسعى سعودي لتدارك الملف السوري الذي «عُزلت عنه قطر».
ففي خطوة لافتة، جاءت بالتامن مع إعادة إطلاق محاداثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية في واشنطن، وصل إلى موسكو الأربعاء الماضي سكرتير مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، واستقبله الرئيس بوتين، بعدما توترت العلاقة بين البلدين على خلفية الأزمة السورية. وقالت «وكالة أنباء موسكو» إن الرئيس الروسي بحث مع الأمير السعودي الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نقلاً عن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فيما تشير المصادر الى أن «الزيارة تمت بطلب وإلحاح من السعوديين بعد تسلمهم إدارة الملف السوري».
وتربط بندر بن سلطان علاقة شخصية سابقة مع الرئيس بوتين، إذ مكث نحو شهر في موسكو قبل إبعاده للمغرب عام 2008/2009، خلال فترة الصراعات داخل الأسرة الحاكمة.
وتتوافق مواقف موسكو والرياض حيال العديد من قضايا المنطقة باستثناء الملف السوري؛ حيث تعارض روسيا تزويد المعارضين السوريين بالأسلحة وتطالب بالضغط عليهم من أجل الجلوس إلى المفاوضات في مؤتمر جنيف 2، بينما تسعى السعودية إلى تسليح المعارضين السوريين، بهدف إسقاط النظام السوري، وخصوصاً عقب سيطرة مجموعة من المعارضين السوريين المقربين من السعودية على رئاسة الإئتلاف السوري المعارض، والحديث عن انتقال الملف السوري من الجانب القطري إلى نظيره السعودي وتحديداً الأمير بندر بن سلطان.
ويأتي تحرك بندر المفاجئ الى موسكو، في تواصل جهود المعارضة السورية لتشكيل حكومة منفى تمثلها في «مؤتمر جنيف ٢» الذي لا توجد أي علامة تشير إلى قرب انعقاده في إطار المبادرة التي أطلقتها الولايات المتحدة وروسيا في أيار (مايو) الماضي.
ويهدف المؤتمر إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تضم شخصيات من المعارضة ومن السلطة الحالية تمهد الطريق لإجراء انتخابات.
لكن تلاشت خطط عقد المؤتمر الدولي في حزيران (يونيو) أو تموز (يوليو) بعد أن رجح ميزان القوى في أرض المعركة لصالح الأسد.
وقال مسؤول بالمعارضة السورية الأربعاء الماضي إن المعارضة تعتزم تشكيل حكومة مؤقتة في آب الجاري لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقال عمر كوش القيادي بالائتلاف الوطني السوري إن هناك خطة لتشكيل حكومة في المنفى بعد عيد الفطر بعشرة أيام. وقد يوافق أول أيام العيد يوم الثامن أو التاسع من آب. وأضاف كوش أن المعارضة لديها أكثر من مرشح لمنصب رئيس الوزراء.
وكان كوش يتحدث بعد زيارة لقطر قام بها وفد بقيادة أحمد الجربا زعيم الائتلاف الوطني الجديد المدعوم سعودياً.
ويقول مراقبون إنه لا يزال من غير الواضح كيف يمكن لأي حكومة في المنفى أن تمارس سلطتها على الأرض بين فصائل متباينة للمعارضة تضم فرعا من تنظيم «القاعدة».
ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن الجربا قوله إن الائتلاف الوطني أدرك أن حل الحرب الأهلية يقتضي التفاوض مع السلطات لكنه يريد أن يرى تغييرات على الأرض لصالح المعارضة قبل بدء أي محادثات.
وقال الجربا إن المعارضة لن تشارك في أي محادثات في الوقت الحالي إلى أن يصبح الجيش السوري الحر والقوى الثورية الأخرى أقوياء ومتماسكين كما كانوا قبل أشهر.
أوروبا تضيّق على جهاديي سوريا
من جهتها بدأت دول أوروبية تضغط باتجاه التضييق على المعارضة السورية، حيث حثت تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي البرلمان الأوروبي، الخميس الماضي، على أن يخفف من مخاوفه المتعلقة بالخصوصية والتي حالت سابقاً دون إجراءات لمراقبة المسافرين من أوروبا، وأن ويدعم خطة لوضع قاعدة بيانات موحدة لقوائم المسافرين في الاتحاد الأوروبي تستهدف منع متشددين مشتبه بهم من السفر من أوروبا للقتال في سوريا.
وقال وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس ووزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكيه في بيان مشترك إنهما وسبعة وزراء آخرين من دول الاتحاد سيقدمون التماساً بهذا الشأن إلى لجنة البرلمان الأوروبي.
وإلى جانب فرنسا وبلجيكا وقع وزراء داخلية ألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وبولندا وبريطانيا والسويد خطاباً موجهاً لرئيس اللجنة البرلمانية المعنية بالعدالة والشؤون الداخلية جوزيه لوبيز أجويلار.
وكان منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرشوف دعا في أيار (مايو) إلى تحرك سريع للتصدي لما وصفه «بالمشكلة الخطيرة» للجهاديين الذين يسافرون من أوروبا إلى سوريا بأعداد كبيرة.
وتقول حكومات دول الاتحاد الأوروبي إن مئات من مواطنيها ينضمون لقوات المعارضة السورية التي تحارب في سوريا، ويخشون من أن بعض هؤلاء المقاتلين الذين جرى تدريبهم حديثاً والذين يقدر عددهم، وفق مصادر رسمية، بما يصل إلى 600 شخص سيعودون إلى بلادهم لشن هجمات في أوروبا.
Leave a Reply