«لم يُبقِ الحقّ لي من صديق»
الإمام علي(ع)
«شيعي أم سنّي؟» هذا هو السؤال القاتل الذي يستدل عليه صاحبك الذي يتعرّف عليك للوهلة الأولى، والمؤسف أن هذا السلوك أصبح «الماركة» التي تفرّق المسلمين، فالكل يريد أن يعرف أنت مع من، مع علي ابن أبي طالب (ع) أو مع أصحاب الرسول (ص).
من يسألك هذا السؤال فهو يسعى الى تصنيفك في ملف ويكتب عليه «شيعي» أو «سني»، حتى لا يجهد نفسه بالتفكير فيما تقوله، فبذلك يعرف سلفاً وجهة نظرك «الحقيقية» وكل ما تعتقد به.
الاختلاف في المذهب، مارسه المسلمون طويلا ومنذ عصر الاسلام الاول، عبر كل وسائل الاساءة لبعضهم بعضاً. وللأسف الشديد، إن رجال دين ملتحين ومعمّمين قادوا سبل التفريق والتكفير وزرعوا الكره بين أبناء الشعوب العربية، من مشرق الأمة الى مغربها عبر الغلو الديني والانتماء للفرقة «الناجية»، التي يدعي الجميع إحتكارها والإنتماء اليها.
وَرَدَ في القرآن الكريم «فهدى لله الذين آمنوا لِمَ اختلفوا فيه من الحق بإذنه». وهذه الآية تفيد صراحة أن الحق في ذاته مختلف ومتعدد بين الذين آمنوا، لكن لا يرتقي الى الكفر، والعياذ بالله، والذي بات تهمة شائعة بين الذين فرقوا دينهم الى طوائف متناحرة.
الآن وبعد أكثر من ألف وأربعمئة سنة، لا يزال الكثير من المسلمين يمضون في هذا التيه، وقد يفيضون الى المولى عزّ وجل يوم القيامة وهم في خلاف فيما بينهم وكلّهم يدّعي محبة الامام علي والتنكر لاصحاب رسول الله المبشّرين بالجنة.
قد لا يروق هذا الكلام لبعضهم، وخاصة من المغالين في موالاة الامام علي، المقتنعين اقتناعا تاما «ان من ذكر فضيلة من فضائل الامام علي، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن كَتَب فضيلة من فضائله، لم تزل الملائكة تستغفر له الى يوم القيامة، ومن استمع الى فضيلة من فضائله غُفرت له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظَرَ الى كتاب من فضائله غفر له الله الذنوب التي إكتسبها بالنظر».
هكذا إذن، يعني أنا الآن، حيث أكتب عن الإمام علي، ضمنت غفران الله تعالى ما تقدم وما تأخر من آثامي وذنوبي وإسرافي في معصيته سبحانه وتعالى، فلا داعي للصوم والصلاة والزكاة وأداء فريضة الحج والاحسان لمن أساء لي، ولماذا أصبر على بلاوي الدنيا ومصائبها وسفهائها، طالما أن مجرد قراءة «كومنت» على «الفيس بوك» تعدد مآثر الامام علي سوف تمحو وتشطب كل ما اقترفته من سوء وإسراف بحق نفسي، يعني حسب المثل اللبناني «اعمل السبعة وذمّتها»، ويوم القيامة سيشفع لك الامام علي ويريحك من الآثام والذنوب.
مما لا شك فيه ان الامام علي، ليس محسوبا على الشيعة او على السنة او على عموم المسلمين، بل هو شخصية عالمية، تخطت شهرتها نطاق الاسلام الى العالم اجمع، فمسّ شغاف القلوب، واستهوته نفوس المفكرين، من اتباع الديانات الأخرى.
انظر حولك كل سنة في ذكرى استشهاده، لترى ما هو تأثير منهج الامام علي وعلمه وعدالته في شيعته، وزهده في الحياة الدنيا وتفانيه في محبة الآخرين والتسامح حتى لمن أساء اليه وآذاه وقتله غدرا وهو قائم يصلّي في المحراب في شهر رمضان المبارك. سوف يرجع البصر إليك حسيرا، لشدة التزلف والتشرذم والبكاء واللطم والعويل جيلاً بعد جيل لقتل الامام العظيم على يد فئة ضالة.
إستشهاد الامام علي أتعب قاتليه وأراحه هو عليه السلام، ارتاح من شقاء الدنيا التي كانت لا تساوي نعلا كما كان يقول، ارتاح من اعمال الآخرين حوله الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا بالادعاء زورا وبهتانا محبة الامام علي وموالاته.
كان الامام علي ولا يزال في قومه، اماما غريبا أحبّهم فأنكروه، وعلّمهم فلم يفهموه.
Leave a Reply