بدعوة من «الملتقى السوري الأميركي» زار الدكتور بشار الجعفري سفير الجمهورية العربية السورية في الامم المتحدة ولاية ميشيغن ضمن جولة شملت عدة مدن أميركية، والتقى خلالها ابناء الجالية العربية في مدينة ديربورن لشرح واقع الأزمة السورية.
«صدى الوطن» التقت بالسفير الجعفري على هامش الملتقى، وأجرت معه حوارا عن المستجدات في الازمة، والى أين وصلت، ومتى ستنتهي؟ وأبعادها، وإنعكاساتها الداخلية والخارجية..
يقول الجعفري «عندما يأتي الظرف المناسب وتتقاطع فيه الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية تنتهي الأزمة. فالحكومة السورية قادرة على معالجة البعد الداخلي، ويمكن أن تعالج إلى حد ما البعد الإقليمي، العربي، وغير العربي، لكن الحكومة السورية غير قادرة على معالجة البعد الدولي وحدها، من هنا، تأتي ضرورة الاستعانة بالأصدقاء في العالم من أجل التعامل بشكل جيد مع البعد الدولي.
ويضيف الجعفري «الآن هناك جانب من الأزمة السورية له علاقة بصراع الارادات السياسية الدولية فوق الأرض السورية. وهذا الصراع لا تتحكم به الحكومة السورية وحدها، إنما تتحكم به مصالح القوى العالمية، تحالفات دولية بين الخارج والداخل، المسألة متشعبة جداً، عامل التدخل الخارجي في الأزمة السورية صار واضحاً وفاضحاً في كثير من المعطيات. من خلال تشجيع بعض الأنظمة العربية وغير العربية للارهاب، رغم محاولات هذه الأنظمة تبرير ذلك تحت مسميات خادعة، مثل الجهاد ومساعدة ما يسمى بالثورة السورية، والتلاعب بالمصطلحات».
ويؤكد الجعفري على وجود «تلاعب هائل وغير مسبوق، والغرض الرئيسي من التلاعب بالمصطلحات هو تبرير الخطأ، للتغطية على المصالح وتبرير السياسات الخاطئة التي تقوم بها بعض العواصم، وأعتقد أن الصورة صارت واضحة، والاستمرار بالكذب صار صعباً، حتى داخل الأنظمة والدول التي تعمل ضد سوريا. هذه واحدة، والثانية :إن الشعب السوري والرأي العام بنسبة عالية أدركا الآن أن المعركة ليست ضد الدولة السورية أو ضد الحكم في سوريا، المعركة الآن هي ضد الحكم والدولة والشعب والمؤسسات والجيش، فتدمير البنى التحتية هذا ليس عمل معارضة شريفة، اغتيال الناس وقتلهم على الهوية وتشجيع النعرات المذهبية، هذا ليس من عمل المعارضة الشريفة، والتفجيرات الانتحارية واعلانات الانفصاليين في هذه المنطقة أو تلك أو إعلان بعض المجموعات الإرهابية تشكيل دولة إسلامية هنا، ودولة «اسلاموية» هناك والتناحر بين بعضهم وقتلهم لبعضهم بعضاً حتى حول الشعار نفسه الذي أطلقوه واستخدموه كلهم، هذه المجموعات لا تعمل بالسياسة، فهي تعمل بالارهاب، وليس لديها برنامج سياسي بالأساس، ويتم توظيفها من قبل أجهزة استخبارات غربية من أجل مصالح أجنبية خارجية، هذا البعد يجب ألا يغيب عن الأنظار، وكان بعض من يناصبنا العداء في العالم يريد تحويل سوريا إلى حقل تجارب، إلى مختبر، ولكن بعد سنتين ونصف من هذا المسعى، نستطيع القول أن مشروع تدمير الدولة السورية فشل… لإتضاح الصورة أولاً، ولأن موازين القوى تغيرت بمقدرة الجيش السوري على حماية البلد».
أما عن التدخل الإسرائيلي فيقول الجعفري إنه بات «فاضحاً وواضحاً. فالاعتداء على سوريا مباشرة أثبت ارتباط مجموعة كبيرة من المجموعات المسلحة ومن يقف وراءها من الأنظمة العربية وغير العربية بإسرائيل».
ويقول الجعفري «إنه بات من الواضح أن ما يجري في سوريا هو جزء من مشروع كبير يجري في كل المنطقة، وما يسمى بـ«الربيع العربي»، هو في الحقيقة، سيلان الدم العربي، وليس ربيعا.. ما جرى في مصر، وتونس وليبيا، الفوضى في ليبيا، الفوضى في تونس، في مصر، التفجيرات اليومية الارهابية في العراق، تجربة السلفيين في لبنان، مشاكل أردوغان مع شعبه، الخليج، البحرين، السعودية، كل هذا أثبت أن ما يجري في سوريا جزء من سيناريو جبهة واحدة يراد لها أن تسيطر ايديولوجيا معينة، وعقلية معينة على مقدرات الأمة والمنطقة».
ويتابع: طبعاً القصد من ذلك خدمة مصالح اسرائيل وتكريس يهودية اسرائيل، بمعنى إقامة كيانات على أسس مذهبية وطائفية وعرقية ، بدون ذلك «الربيع» لا يمكن تفتيت المنطقة، هذا الموزاييك الجميل الذي نعيش فيه، والذي كان سبب نجاحنا كمجتمعات بشرية، مطلوب تدميره وتقويضه، لكي يبرر للآخرين أخطاءَهم، مشروع «الربيع العربي» فشل، أستطيع أن أقول، وأنا متفائل، الآن اننا انتقلنا من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً، وبالتالي هناك تفاؤل بقرب حل الأمة والانتقال إن شاء الله إلى مرحلة إعادة البناء قريباً».
وعن فرص انعقاد مؤتمر «جنيف ٢» يؤكد الجعفري أن المؤتمر له شروط معينة و«الحكومة قررت المشاركة، هذا الجانب كان مهماً جداً للكثير من العواصم في العالم، إلا أن الطرف الآخر غير جاهز للذهاب الى جنيف لا شكلاً ولا موضوعاً، من ناحية الشكل لا تستطيع كل هذه المجموعات أن تشكل وفداً موحداً يذهب إلى جنيف ليفاوض الحكومة، ولا تستطيع أيضاً تلك المجموعات أن تتفق على برنامج عمل للتفاوض عليه، نعم، هناك نقاط رئيسية في «جنيف٢»، لكن الطرف الآخر غير موحد وغير متفق، وليس لديه أجندة واحدة، فهو يتعامل مع عدة أجهزة استخبارات خارجية، بعضهم غير وطني بالمطلق، وبعضهم وطني، فأنت بحاجة إلى حيز من المصداقية للذهاب إلى «جنيف ٢»، وإلا الذهاب سيكون مضيعة للوقت.
«الحكومة السورية جاهزة، والعواصم الكبرى تعرف أن المشكلة ليست في دمشق إن واشنطن وباريس وروما، العواصم المنخرطة في الأزمة السورية بشكل فاضح صارت تماطل، وتقول إن عقد جنيف في آب صعب سنعقده في أيلول ثم يصدر تصريح آخر يقول إنه سيعقد آخر العام». يضيف الجعفري «المشكلة عندهم وليست عندنا، هذه بلادنا، وهذا وطننا، ونحن حريصون جداً على ايقاف سفك الدماء وحريصون على اعادة بناء سوريا على أسس وطنية سليمة، حريصون على المشاركة الوطنية لجميع من يحب بلده محبة حقيقية، بدون عمالة للخارج أو استدعاء التدخل الخارجي، هذا ما نريده، وهذا ما يريده أي سوري شريف وطني سواء أكان معارضاً أم موالياً، نحن نلتقي مع كل الناس، المكان الذي نختلف فيه مع الآخرين هي العمالة والارهاب المرفوضين وكذلك الارتباط بالخارج والتدخل الخارجي مرفوض، عدا ذلك كل شيء مطروح على الطاولة».
نتائج الأزمة سترسم مستقبل العالم
ولدى سؤال الجعفري عن المتغيرات الإقليمية والدولية، من تغير «الحمدين» في قطر وسقوط الإخوان في مصر وانتقال الملف السوري من قطر إلى السعودية، وبالتحديد الى يد «أمير المخابرات» بندر بن سلطان الذي ذهب إلى موسكو، فيما تواصل أوروبا رفضها تسليح المعارضة، يقول الدبلوماسي السوري الرفيع «العلاقات الدولية كلها تغيرت بفعل الأزمة السورية، صعوداً وهبوطاً، يجب أن نعترف بأن الصمود السوري، ووقوف الجيش السوري والدولة السورية بوجه مؤامرات التفتيت والتقسيم والتدويل أسفرت كلها عن إعادة العواصم المعنية بالأزمة النظر بالكثير من حساباتها، ليس تعاطفاً مع الشعب السوري، وإنما من باب الواقعية السياسية، وتقييم الأمور تقييماً صحيحاً، بمعنى أن العواصم العربية وغير العربية الكبرى التي كانت تشجع على تأزيم الوضع في سوريا أكثر، كانت تراهن في العام الأول على أن الانهيار ليس بعيدا، فظنوا أن الإطاحة بالحكم في سوريا سيكون مماثلاً للاطاحة بالحكم في الدول الأخرى، هذا الأمر فشل، لاعتبارات عديدة، فأدركت العواصم أن سوريا هي الرقم الأصعب في المعادلة، رقم أصعب بكثير من ليبيا وتونس ومصر واليمن، مما حتم على تلك العواصم إعادة النظر في حساباتها، بمعنى آخر أدركت تلك العواصم أن ثمة خطأ في حساباتها، فأعادت النظر فيها»..
ويقول السفير الجعفري أن تغير النظرة الدولية «لم يأت محبةً وتعاطفاً مع الشعب السوري، وإنما أتى من موازين قوى ومصالح جيوسياسية، وتطورات الأزمة السورية هي التي أعادت رسم الخريطة السياسية العالمية، أما نتائجها فهي التي سترسم مستقبل العالم». وتابع «إن العلاقة بين العمالقة الكبار، سياسياً واقتصادياً في العالم، تتحكم فيها الأزمة السورية، فسوريا هي بيضة القبان، وهي الفيصل في المنطقة، وعقارب الساعة ستذهب يميناً أو شمالاً في ضوء من سيحسم المعركة في سوريا». من هنا يقول الجعفري «من غير الممكن تبسيط ما يجري في بلادنا، المسألة ليست منع بعض الناس من الخروج في مظاهرات سلمية، القصة ليست هكذا أبداً، القصة أعمق بكثير، ومعقدة أكثر، المسألة تتعلق بجيوسياسية العالم».
إبحث عن إسرائيل
ويعود الجعفري ليؤكد أن الحديث عن أهمية سوريا على الخريطة العالمية اليوم لا ينفي وجود مشاكل في الداخل، «نعم عندنا مشاكل يجب إصلاحها، ونواقص يجب تداركها، ونحن بحاجة إلى الكثير من المعالجات ومطلوب منا الكثير، لكن إعادة البناء وتطوير الذات واصلاح ذات البين، واصلاح الأخطاء لا يعني بالضرورة أبداً الانتحار الجماعي، وتدمير البلد والبنية التحتية وتدمير مكتسبات الشعب السوري المتحصلة على مدى عقود منذ الاستقلال وحتى الآن، ليس هكذا يتم إصلاح البلد، ليس بالعمالة للخارج يتم بناء سوريا جديدة، ولا باختراع معارضات وهمية تتلاعب بها أجهزة استخبارات خارجية».
«بناء سوريا الغد، التي يفترض أن تكون أفضل من سوريا الأمس، يمكن أن يتحقق ولكن ليس بتدميرها». ويتساءل الجعفري «لماذا لا نرى معارضة فرنسية تدمر برج ايفل مثلاً، أو شارع الشانزليزيه في باريس لماذا المعارضة هناك لا تدمر فرنسا.. ولماذا لا تقوم المعارضة البريطانية بتدمير لندن والاعتداء على مكتسبات الدولة والشعب البريطاني لماذا لم يتعاطف أحد مع المتظاهرين السلميين الأتراك الذين خرجوا ضد سياسات أردوغان ولم يسموها «ربيعاً تركياً» ولم يعتبروا أن أردوغان فقد الشرعية وعليه أن يتنحى ويجب أن يسقط».
يتابع الجعفري «ابحث عن اسرائيل وعن مصالحها.. فتفهم ماذا يجري في سوريا»، و«فالحكومة والسيد الرئيس والشعب والجميع يدركون أن الاصلاح مطلوب، ولكن عندما ألغى السيد الرئيس المادة الثامنة من الدستور وألغى قانون الطوارئ ومحكمة الأمن الاقتصادي ومحكمة أمن الدولة العليا، هذه الأمور كانت مطلوبة جماهيرياً، والحقيقة كان يجب إلغاؤها، لأن ذلك مطلب جماهيري وقد تم الالغاء بناء على مطالب الناس عندما خرجت إلى الشارع، لماذا لم يتوقف العنف، لماذا زاد وتحول الى إرهاب وأضحت بعض العواصم وبشكل علني تصدر تصريحات معادية لسوريا وللشعب السوري وترسل أسلحة».
وعن المعركة التي يخوضها الجيش السوري ضد الإرهاب يقول الجعفري «هناك أجهزة استخبارات عالمية تتصيد الارهابيين من القاعدة وجبهة النصرة وترسلها إلى سوريا، وإلا كيف للارهابي أن يأتي من استراليا وتجده في اليوم الثاني في حلب أو ادلب، من الذي أوصله، من الذي دفع ثمن بطاقة الطائرة، من أعطاه الفيزا من دربه في المخيمات، أين أجهزة الاستخبارات العالمية التي تكشف عن أسماء أي مسافر، هناك ارهاب منظم يتم تصديره إلى سوريا بعلم ودراية وتدبير الحكومات مما في ذلك -للأسف- بعض الحكومات العربية».
ويختم الجعفري بالتأكيد على أن «التبسيط ممنوع، من يعمل بالسياسة ويعرف ماذا يجري في سوريا، ممنوع عليه تبسيط الأمور، النظرة يجب أن تكون شمولية وواقعية، وهكذا نخرج من الأزمة».
Leave a Reply